لأول مرة يجد العديد من الموارد البشرية للقطاع العام والخاص أنفسهم مجبرين على عدم الذهاب إلى مقرات عملهم بسبب الإجراءات التي اتخذتها الحكومة من أجل تفادي تفشي "فيروس كورونا المستجد"، الذي يجد في أماكن الازدحام أرضية خصبة للانتشار الواسع.
إذا كان أغلب الموظفين يتوجب عليهم الحضور إلى مقرات عملهم نظرا لطبيعة الأعمال التي يقومون بها، وتستدعي التواجد الميداني، فإن العديد من الموظفين، والعاملين بالقطاع الخاص تحديدا، أصبحوا يقومون بأعمالهم من بيوتهم، إلا أن هذه التجربة التي يخوضها أغلبهم لأول مرة لا تخلو من إكراهات، لكنها يمكن أن تكون مقدمة لإحداث تغيير جذري في أنماط العمل.
تحديات حقيقية
أميمة بوغدة، تقنية متخصصة في الهندسة المدنية ومسؤولة قسم الاتصال في أحد مكاتب الدراسات بمدينة الدار البيضاء وجدت نفسها لأول مرة تشتغل عن بعد.
وتقول بوغدة، في حديث مع "تيلكيل عربي"، إنها، منذ الثلاثاء 17 مارس، بدأت الاشتغال من منزلها من خلال إعداد دراسة لأحد المشاريع التي يشرف على إعدادها مكتب الدراسات الذي تعمل به، بعد دعوة الحكومة لاتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية للوقاية من "فيروس كورونا"، قبل اتخاذ القرار بفرض "حالة الطوارئ الصحية".
وتعتبر أميمة أن عملها لأول مرة عن بعد وضعها أمام جملة من التحديات التي يفرضها طابع العمل الذي تقوم به، وتوضح "الدراسات التي أشرف عليها تحتاج اجتماعات مع ممثلي المؤسسات الذين نتعاقد معهم، وهو ما يصعب القيام به في هذا الوقت".
وتضيف "رغم أهمية التواصل عبر الأنترنت إلا أن ذلك لا يُغني عن التواصل المباشر من أجل الاتفاق على جملة من الأمور مع ممثلي المؤسسات التي نتعامل معها، فضلا عن ذلك فإن العمل في مجال الهندسة المدنية يتطلب النزول إلى الميدان من أجل معرفة ما يجري على الأرض".
وتعتبر بوغدة أن عدم الانتقال إلى الميدان من أجل التوفيق بين الجانبين النظري والتطبيقي، فيما يخص تصميم بعض المنشآت، سيضطرها إلى التوقف عن العمل، نظرا لأن المؤسسات التي تشتغل معها قد تتوقف بسبب عدم وجود طلبات في ظل دعوات الحكومة للمواطنين من أجل المكوث في بيوتهم.
من جهته، قال "يونس.ب"، وهو إطار بإحدى شركات التأمين، في اتصال مع "تيلكيل عربي"، إن إدارة الشركة اتفقت مع موظفيها على الاشتغال عن بعد، ووزعت عليهم حواسيب محمولة لهذا الغرض، إلا أنها تراجعت عن ذلك.
ورد المتحدث تراجع الشركة عن التشغيل عن بعد إلى خوفها من تسرب معطياتها الخاصة، مشيرا إلى أنهم سيبدؤون الاشتغال عن بعد فور اتخاذ قرار من إدارة الشركة، لأن طبيعة عملها لا يستدعي بالضرورة الحضور إلى مقر العمل.
مهن مرنة
إذا كانت بعض المهن يجد أصحابها صعوبة في العمل عن بعد، فإن مهنا أخرى يمكن لعدد من موظفيها الاشتغال عن بعد دون أي تأثير، بل إن الاشتغال من المنزل يعفي أًصحابها من معاناة التنقل اليومي.
"محمد.ب" إطار بنكي بمدينة الرباط أوضح، لـ"تيلكيل عربي"، أن عددا من موظفي الوكالة يؤدون عملهم اليوم عن بعد.
وقال "وجدنا أنفسنا مطالبين بتقليل عددنا داخل الوكالة تجنبا لتسرب أي عدوى بالفيروس، لذلك فإن عددا من الموظفين يشتغلون من منازلهم".
وأضاف "الفرق بين عملي في المكتب وعملي في المنزل، هو أنني بقيت أمس أشتغل إلى حدود الساعة التاسعة ليلا، لقد أصبح مكتبي متنقلا، ولست في حاجة إلى الذهاب لمقر العمل".
ويرى الإطار البنكي الشاب أن العقلية الإدارية في المغرب يجب أن تتجه نحو منح الموظفين إمكانية الاشتغال من خارج مقرات العمل، مضيفا أن الذي يجب التركيز عليه هو المردودية وليس الحضور الجسدي في مكاتب العمل.
وأضاف "نحن نؤدي عملنا على أكمل وجه، بغض النظر عن مكان تواجدنا"، معتبرا أن المغرب يجب أن يستوعب الدرس من أزمة "كورونا"، ويعمل على تشجيع العمل عن بعد.
ويرى المتحدث أن عدم استعمال جزء كبير من المغاربة للتكنولوجيات الحديثة يتسبب في ازدحام داخل بعض المؤسسات بدون مبرر، مشيرا، في هذا الصدد، إلى أن عددا من المعاملات البنكية يمكن القيام بها باستعمال الهواتف الذكية، لكن عددا من الناس لا يقبلون عليها مما يتسبب في الازدحام.
رأي الحكومة
محمد أمكراز، وزير الشغل والإدماج المهني، اعتبر أن الشغل عن بعد هو نمط جديد تم اللجوء له لتفادي تفشي فيروس "كورونا" في عدد من مقاولات القطاع الخاص، كما بدأ العمل به في القطاعات الحكومية.
وأوضح أمكراز، في حديث لـ"تيلكيل عربي"، أن جميع الإدارات الحكومية أعفت عددا من موظفيها من الحضور لمقرات العمل والاكتفاء بالعمل من المنزل لضمان عدم اختلاطهم داخل مكاتب العمل.
أما بخصوص القطاع الخاص، فيقول أمكراز "إن عددا من المقاولات لجأت إليه، لكن الوزارة لا تتوفر لحد الآن على معطيات رقمية بخصوص هذا الأمر، الذي ستتضح معالمه في الأيام المقبلة".
مطالبات بالعمل عن بعد
في الوقت الذي قامت عدد من الشركات بتوقيف عملها، أو اللجوء للعمل عن بعد والتقليل من عدد عمالها الذين يحضرون لمقرات العمل، فإن عددا من شركات "مراكز النداء" مازالت تواصل عملها وترفض اشتغال مستخدميها عن بعد.
"محمد رضى"، واحد من الشباب العاملين في أحد "مراكز النداء" بمدينة الرباط، عبر، في حديث مع "تيلكيل عربي"، عن تخوفه من إمكانية تسرب فيروس كورونا للعاملين في المركز.
وقال "نحن نلتزم بالإجراءات الوقائية، لكننا نجلس قريبين من بعضنا البعض جدا"، مضيفا أن "كل طابق من طوابق مقر العمل يضم حوالي 100 مستخدم لا يفصل بين كل واحد منهم وزميله، سوى حوالي 40 سنتيمتر، كما أن بعض العائدين من دول ظهر فيها الوباء لم يتم إخضاعهم للحجر الصحي، مما خلق موجة من الخوف والهلع في صفوف العاملين".
"محمد رضى"، الذي يشتغل تقنيا في المعلوميات، استغرب لعدم سماح الشركة لمستخدميها بالعمل من منازلهم، "مع أن ذلك ممكن جدا، ولن يكلف الشركة شيئا".
ودعا المتحدث الحكومة إلى إلزام مثل هذه الشركات بالسماح لمستخدميها من العمل من بيوتهم، خاصة أن جل عملهم مرتبط بشبكة الأنترنت.