في زمن المكوث الإجباري بالبيوت، يحكي فنانون مغاربة لـ"تيلكيل عربي" عن التحولات الفجائية التي مست حياتهم. كيف يقضون قيدهم الصحي في المنزل؟ وكيف يمضون الوقت وكيف يستغلونه؟ والأهم، ما الدروس التي استشفوها بعد قرابة أسبوع من حظر التجوال والخروج؟
أحرار.. غرس وكتب
تقول الممثلة المغربية لطيفة أحرار إنها كانت متتبعة جيدة للأنباء القادمة من الصين ثم انتقال عدوى الفيروس إلى أوروبا، وتكشف أنها استبقت قرار السلطات المغربية، واختارت طوعا المكوث في منزلها.
وتضيف الممثلة والمخرجة المسرحية أنها قررت، قبل تطبيق حظر التجوال، الدخول في عزلة، وأنها بادرت إلى شراء نباتات زينة وغرس للاعتناء بها خلال هذه الفترة. وتقول "بحكم مهنتي وتنقلي الدائم، لم يكن لدي وقت للاعتناء بنباتات منزلية، وغالبا ما كانت تذبل لغياب من يهتم بها، وكم كان هذا الأمر يحزنني بقوة، لذا عندما قررت الالتزام بالحجر الصحي، أول ما فكرت فيه هو الاعتناء بالنبات".
ليس النبات وحده الأولوية بالنسبة لأحرار، بل القراءة والكتب هما وسيلة فعالة في زمن "كورونا"، إضافة إلى مشاهدة الأفلام الوثائقية، وتوضح "أعكف حاليا على قراءة مسرحية للكاتب الفرنسي جون بيير سيميون، وهي بعنوان "ماتر فيريوزا"، تدور حول قصة امرأة تعيش عزلة في زمن الحرب".
بالنسبة إلى أحرار، فإن المستفيد الأكبر من جائحة كورونا المستجد هو كوكب الأرض، وترى أنها فرصة ليتنفس من ضغط النشاط الإنساني.
تعتبر لطيفة أحرار أن النقاط الإيجابية من هذه التجربة كثيرة، أبرزها درجة الوعي الكبير التي أبانت عنها شرائح واسعة من المجتمع المغربي، وعي بوجود خطر حقيقي محدق بالجميع، ما أفرز تضامنا غير مسبوق.
الإيجابيات في نظر أحرار تتعلق أيضا بإعادة النظر في سلوكاتنا، وتقول "شخصيا كنت أعاني مع الكثيرين بسبب إفراطي في شروط النظافة، وكانوا ينعتونني بـ'المهووسة' أو 'المانياك'. اليوم صار الجميع يتصرف مثلي، وهو أمر مفرح. لم أكن أبدا أتوقع هذا، والأمر نفسه بالنسبة لنظرة المجتمع للبذلة الرسمية. أعتقد أن الصورة تغيرت، صرنا نرى فيهم منقذين وحراس أمن وصحة، فالمدرعات التي دخلت المدن، حضرت لتأمين الحماية وضبط التزام الناس بالحظر، ولم تأت إلى المدن من أجل قمع السكان أو خوض حرب، وهذا في حد ذاته تحول كبير".
بالنسبة لفنان أو مبدع يعيش حجرا صحيا، فإن أحرار ترى أنها فرصة لإنعاش المخيلة، عبر تخصيص وقت أكبر للتأمل. وتختم أحرار كلامها قائلة "يجب أن نستخلص دروسا كثيرة من هذه التجربة، أبرزها أن نولي اهتماما بقطاعي الصحة والتعليم والبحث العلمي، هذا هو الاستثمار الحقيقي للمستقبل".
الإدريسي.. فهم "كورونا"
لم تخرج الممثلة المغربية ماجدولين الإدريسي عن الإطار ذاته، إذ تعتبر نفسها كائنا قليل الخروج من البيت، وأنها تقضي حجرها الصحي في القراءة ومشاهدة الأفلام السينمائية، وتقول "لأكون صريحة، أقضي معظم وقتي في البحث عن المقالات التحليلية التي ترصد أو تشرح ظاهرة كورونا. أريد أن أفهم كيف وصلنا إلى هذه الحال، وكيف توقف كل شيء".
تشدد الإدريسي على أنها أوقفت مشاريع كثيرة، لكنها تحرص على الاتصال بالأصدقاء والزملاء عبر تقنية الفيديو، من أجل الرفع من معنوياتها ومعنويات محيطها.
براوي.. رد دين القراءة
أما بالنسبة للمخرج المغربي نوفل البراوي، فيقول إنه لم يغادر منزله منذ أسبوع تقريبا، وأنه يكرس كل وقته للقراءة، خاصة وأن يتوفر على لائحة كتب كانت تنتظره حتى يفرغ، وهو ما وجده ظرفا مناسبا لسداد دين كتب تأخر في قراءتها.
يقول براوي إنه يقرأ حاليا رواية للكاتب الأمريكي جيدي سالنجر وهي بعنوان "ممسك القلوب"، كما ينوي قراءة الجزء الثاني من رواية "أولاد الغيتو" لإلياس الخوري.
يصف براوي نفسه بـ"الكائن البيتوتي"، الذي لا يخرج إلى الشارع إلا لماما، وحتى في الأوقات الطبيعية قبل الحجر الصحي، ما يكسبه مناعة قوية ضد الملل.
يفضل براوي متابعة الأخبار، سواء العربية أو القنوات الفرنسية، ومشاهدة الأفلام التي كان يضعها في لائحة الانتظار بدورها، ويقول "أحاول أن أطبق الحجر الحقيقي، منذ يوم الجمعة الماضي لم أتعد عتبة الدار، اشتريت المؤونة لأسبوع كامل، وأحرص على التواصل مع العائلة والأصدقاء بشكل يومي".
يعتقد براوي أن "من بين إيجابيات المرحلة الحالية، نقص التلوث بشكل كبير، وتنفس كوكب الأرض، وإعادة تقييم الأولويات بعد أن تخلصنا من عادات استهلاكية كثيرة دون أن نموت".
ويضيف "ثانيا، أظهرت محنة كورونا زيف مجموعة من الشعارات، خاصة في دول العالم الغربي. اليوم صرنا نرى أن الغرب المتحضر لا يتوانى في سرقة الطائرات المحملة بالمساعدات الطبية، هذا نموذج بسيط من الأقنعة التي أسقطها فيروس كورونا".
أما على الصعيد الشخصي، فيرى المخرج المغربي أن الحجر الصحي دفع كثيرين إلى التأمل في مفاهيم وقيم كثيرة، ويقول إن "ما يحز في النفس هو الخوف من الموت بطريقة غبية؛ أي أن يكون سبب التقاط الفيروس لمس مقبض باب أو عطسة مار بالقرب منا، وبالتالي فالحجر يخلق أوليات جديدة في حياتنا، نكتشف حاجيات أخرى، سواء بعلاقتنا بمحيطنا أو بأنفسنا، لذا فلو استفدنا من هذه التجربة، فأكيد أن العالم سيكون أحسن".
أهريش.. ثورة في البيت
تعيش الممثلة بشرى أهريش وضعا مختلفا، بعد أن ألزمها الحجر الصحي بتحمل مسؤوليات جديدة، تتجلى أساسا في الاهتمام أكثر بأسرتها، تقول "أنا من النوع الذي لا يمكث كثيرا في المنزل، سواء بسبب التزاماتي أو بسبب حبي للتجوال والسفر، لكن الوضع تغير بشكل جذري".
وتضيف "في بداية الأمر، لم نستطع تقبل الوضع. كان أقرب إلى الصدمة، خاصة أنه لم يسبق لنا أن عشنا تجربة كهذه، لدرجة أنني لا أتذكر آخر مرة مكثت فيها بالبيت. اليوم، تغيرت الأمور رأسا على عقب، فالمشاريع الفنية توقفت، وقررت أن أتجاوز وضع الصدمة، وأتكيف مع الحجر الصحي".
تتخذ أهريش برنامج يوميا محددا، خاصة وأنها تعيش في كنف أسرة كبيرة، ما يستلزم خلق أجواء خاصة، وترى أن الهلع أخطر من المرض بحد ذاته.
وتوضح "أحاول الحفاظ على التوازن داخل الأسرة. فقد جهزت قسما خاصا بأطفال الأسرة، به جهاز حاسوب وإنترنت، كما وضعت توقيتا للالتحاق به. يبدأ الصغار الدروس على الساعة التاسعة والنصف، كما جهزت قاعة للتدريب الرياضي لمحاربة الملل، ولا أخرج إلا مرة واحدة في الأسبوع لتبضع الحاجيات الضرورية".
ترى بشرى أهريش أن الجانب المضيء في هذه التجربة يكمن في الاتصال بالعائلة والتقرب منها ورد الاعتبار للعلاقات الإنسانية، كما أن قيمة التلاحم تبرز بشكل أقوى في مثل هذه الحالات، وتقول "في الحي الذي أقطن فيه، أفكر يوميا في النادلين الذين كانوا يخدمونني في المطاعم والمقاهي، أحاول الاتصال بمن أعرف فيهم، كما أن الجميل في هذه المحنة أنها ساوت بين الفقير والغني، فالفيروس لا يؤمن بالفوارق الطبقية ولا بالجاه وقوة المال، الجميع سواسية".
داداس.. قرب الوالدة
الممثل الكوميدي عزيز داداس فضل العودة إلى بيت الوالدين في حي سباتة ليقضي فترة الحجر الصحي، يقول "إنها فرصة للراحة أو الاستراحة، هكذا أفضل أن أرى الأمور، كما أنها مناسبة أيضا للمكوث أطول مدة قرب الوالدة".
انتهى داداس من كل التزاماته الفنية قبل شهر شهرين تقريبا، ما جعله يلتقط أنفاسه مبكرا، رغم أن كورونا أوقف عملا دراميا ضخما كان مخططا له مع قناة "mbc5"، التي ارتأت توقيف التصوير مخافة السقوط في نتائج وخيمة، يقول "الحجر الصحي الذي نعيشه أظهر المعادن الأصلية للناس وللمؤسسات على حد سواء، ففي المجال الفني ظهر من يفكر في مصلحته ومحفظته قبل التفكير في الأرواح البشرية، ويؤسفني أن أسمع زملاء يتذمرون من إجبارهم على العمل في هذه الظروف، إن اللاهثين وراء الربح لا يقبلون تكبد خسارة في الإنتاج، لذا فهم يستهترون بأرواح البشر".
يجزم داداس أن أحسن ما جلبه الحجر الصحي هو "وقف هذه السرعة الجنونية في كل شيء، وصار الوقت ملكا للجميع، بعدما كان عملة نادرة يتسابق الجميع لكسبها".
يضيف داداس "في مدينة كبيرة كالدارالبيضاء، لم يتوقع أحد أن تجمد الحركة والهرولة. إنها فرصة للمدينة لكي تتنفس، وفرصة للناس ليعيدوا النظر في سلوكهم وفي نمط عيشهم. أعتقد أنها مناسبة جيدة لنستشف الدروس والعبر، وأكثر ما يحز في نفسي أن أرى جيرانا لي في حيي يعانون في كسب قوتهم اليومي وهم ممنوعون من الخروج، لذا فالامتحان الحقيقي لنا، كمجتمع ودولة، هو مساندة هذه الفئات، فكورونا قدم هدية ثمينة، تتجلى في عودة الثقة والاحترام بين الدولة أو السلطة والمواطن، ثقة اعتقدنا أنها زالت إلى الأبد".