مارادونا.. الساحر يغادر

أمينة مودن

25 نونبر 2020 ..تاريخ حزين بسجل كرة القدم، بعد أن ودع فيه دييغو مارادونا العالم في سن الـ60، تاركا خلفه صفحات ذهبية في ذاكرة كرة القدم الأرجنتينية، ومعها الأندية التي حمل "الأسطورة" قميصها طيلة مشواره الذي امتد لـ21 سنة، والذي لم يخلو من الجدل والمُتعة في مسيرة الراحل.

خطواته الأولى بعالم الساحرة المستديرة انطلقت من صفوف نادي أرجنتينوس جونيورز، الذي حققه معه أرقاما استثنائية وخاض 134 مباراة متتالية دون هزيمة، لتتجه أنظار العالم إلى اللاعب الموهوب، الذي أمتع وأبدع بأدائه ومهاراته، التي منحته لقب "الظاهرة".

مسيرة مارادونا التي انطلقت من الأرجنتين، مهد عشاق كرة القدم، مرت بتجربة ثانية هاته المرة مع بوكا جونيورز، بعد أن اختار اللاعب أن يكون ثاني ظهور له مع نادي الفقراء كما يُلقبه الأنصار ببوينس آيرس، لموسم واحد، ويبدء بعدها مشواره خارج أمريكا اللاتينية، بعد أن أصبح اللاعب محط أنظار كبار أندية أوروبا، التي تهافتت على خدماته بفترة الثمانينات.

كابوس ببرشلونة وإسم من ذهب بين سكان نابولي

حمل قميص برشلونة الإسباني لموسمين، وتحديدا بالفترة ما بين 1982 و 1984، إلا أن تجربته الأولى بـ"الليغا" حملت الكثير من الكوابيس لمارادونا، سواء تعلق الأمر بمعاناته من إلتهاب الكبد، أو تعرضه لإصابة قوية، كادت أن تعصف بمشوار "الأسطورة" وتنهي مسيرته مُبكرا.

مارادونا الذي حل بصفوف "البلوجرانا" في أغلى الصفقات حينها، وحصد لقبين مع المجموعة بداية بكأس ملك إسبانيا، ثم السوبر المحلي، لم تكن علاقته جيدة بالمسؤولين، وخرج التوتر إلى العلن بعد أن صعُبت السيطرة على النجم الأرجنتيني حينها.

وبالرغم من أن اللاعب كان يحظى بحصانة كاملة من طرف مُدربه ومواطنه لويس مينوتي ببرشلونة فور وصوله، إلا أن سلوك مارادونا وعدم انضباطه رغم موهبته التي أسرت عشاق الساحرة المستديرة في العالم، أنهت تجربته سريعا، خصوصا بعد واقعة شجاره العنيف بنهائي مسابقة كأس ملك إسبانيا، مع لاعب أتلتيك بيلباو، غويكوتشيا الذي تسبب في إصابته في مباراة سابقة بكسر.

 

الشجار الذي كان تحت أنظار ملك إسبانيا حينها، وخلق الفوضى بالمدرجات بسبب تفاعل الجماهير بتوجيه مقذوفات صوب الملعب، عصف بمارادونا خارج أرض "الكتلان"، حيث لم تشفع له الرجل السحرية في مواصلة الإبداع داخل الفريق، ليُغير الوجهة هاته المرة صوب نابولي، النادي الذي حمله الأسطورة صوب الألقاب والنجاحات.

 

قصة مارادونا ونابولي، تبقى أشبه بالخيال فالأسطورة استطاع خلال الـ7 سنوات التي خاضها مع الفريق الإيطالي، من قيادته إلى منصة التتويجات، في خمس مناسبات، ويحصد البطولة المحلية والكأس، بالإضافة إلى كأس الاتحاد الأوروبي، و"السوبر"، بعد أن كان الفريق يتخبط في المشاكل.

 

وتحول اللاعب خلال السبع سنوات إلى الإبن الروحي لسكان نابولي، فأقمصة مارادونا وحتى بعد أزيد من 30 سنة، لازالت تُزين أزقة المدينة، كما تم تخصيص متحف تحت أرضي للاعب الأرجنتيني الذي أوفى بوعده، عند توقيعه في صفوف النادي، ومنح الجماهير حُزمة من الألقاب.

 

ولم يخرج مارادونا من نابولي بهدوء أيضاً، بعد أن لاحقته الفضائح رغم الانجازات، ليجد النادي نفسه مطالباً بتوديع نجمه الاستثنائي، بسبب المشاكل وضغط الصحافة، ووقائع فرضت تسليط الضوء على حياته الشخصية بشكل أكبر مما كان يُقدمه داخل الملاعب الكروية.

https://www.youtube.com/watch?v=tD-5buMwi78&ab_channel=CREDOINUNSOLOD10S

كأس العالم 1986 في الذاكرة للأبد

 

يبقى وصول مارادونا رفقة منتخب بلاده الأرجنتين، إلى نهائي كأس العالم نسخة 1986 راسخا في أذهان عشاق كرة القدم في العالم، فالعرس الكروي العالمي كان شاهداً على تألق من خيال للاعب الذي وقف له العالم احتراماً.

 

مارادونا قاد رفاقه إلى التتويج العالمي على حساب منتخب ألمانيا حينها بثلاثة أهداف لاثنين، إلا أنه قبلها عرفت نسخة "المونديال" واقعة أخرى كان بطلها اللاعب الذي سجل لصالح الأرجنتين بيده أمام منتخب إنجلترا.

 

المباراة بين الأرجنتين وإنجلترا حينها أخذت أبعاداً خارج الرياضة، بسبب مشاكل سياسية وحرب بين البلدين، والهدف الذي سجله مارادونا بيده ظل لقطة يتداولها الأجيال، خصوصا وأن الراحل اعترف بعد سنوات أنه أدخل الكرة إلى المرمى بطريقة غير مشروعة، وعمد إلى استعمال يده.

وظل مارادونا يُردد أن هدفه كان هدية من الله، ولم يرى حرجا في الاعتراف بذلك لأن الأهم بالنسبة إليه كما عبر في خرجات إعلامية سابقة، ما حققه منتخب الأرجنتين في نسخة ميكسيكو 1986.

 

وفي الفترة ما بين 1977و1994، خاض "الأسطورة" بقميص منتخب بلده الأرجنتين 91 مباراة رسمية، سجل خلالها 34 هدفا، وحقق لقب كأس العالم وبعدها بأربع سنوات وصافة ذات البطولة التي خسرها منتخب "التانغو" حينها أمام ألمانيا التي تأثرت من ضياع اللقب سابقا.

 

 https://www.youtube.com/watch?v=M54cA1irXQw&ab_channel=%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6%D9%8A%D8%A9%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%AF%D8%B3%D8%A9

إدمان وفضائح جنسية

من بين القصص الأكثر إثارة للجدل في حياة مارادونا الكروية، دخوله إلى عالم الإدمان وتحديدا خلال السنة الأولى التي حمل خلالها قميص برشلونة سنة 1982، لكن ذروة الإدمان التي ساهمت في تكسير مشوار الأسطورة كان بعد 9 سنوات من التعاطي، عندما تقرر توقيفه وهو لاعب في صفوف نابولي لـ15 شهرا.

 

أوقف مارادونا حينها مشواره الكروي بشكل مؤقت، وخاض مرحلة علاج ومتابعة، لكن اللاعب لم يستطع أن يتوقف عن التعاطي، حيث استمرت المعاناة لسنوات وتعرض اللاعب إلى انتكاسة في سنة الـ2000، بعد نهاية مشواره الكروي، فرضت عليه الدخول إلى أحد مستشفيات كوبا، بسبب جرعة زائدة.

 

ورغم المشاكل التي تسبب فيها الإدمان في تشويه صورة مارادونا، إلى أن النجم الكروي وحتى قبل وفاته لم يفارق "الكوكايين" يومياته، والتقطت الكاميرات في أزيد من مناسبة مقاطع له وهو يتعاطى، في مناسبات رسمية ومباريات حضرها، كما ظهرت عليه علامات الإجهاد والتعب بسبب الإدمان.

 

وأعلن مارادونا بشكل مباشر إدمانه عبر وسائل الإعلام، مشيرا إلى أنه لن يكف عن التعاطي وسيبقى على هذا الحال، لما يحمله الكوكايين من أثر إيجابي على نفسيته، وهي التصريحات التي لم تصدم متتبعي الشأن الكروي، الذين استأنسوا بشخصيته المثيرة للجدل.

 

ومن بين الفضائح التي التصقت بإسم دييغو مارادونا، خلال مشواره الكروي، وتحديدا عندما كان لاعبا في صفوف نابولي، علاقته غير الشرعية مع إحدى الفتيات في أواخر الثمانينات، وإنجابه لطفل رفض الإعتراف به، في تلك الفترة، إلا أن المحكمة الإيطالية قضت بأبوته للطفل.

 

وتطورت الأحداث خلال السنوات الأخيرة، عندما كبر إبن مارادونا والذي يحمل نفس إسمه، وخرج للإعلام لكشف معاناة والدته لسنواته، بسبب طلب التزام الصمت وعدم التحدث للصحافة، الذي قاده وكلاء وأصدقاء الأسطورة.

 

وكان مارادونا قد اعترف بدفعه مبلغ مليون أورو إلى والدة إبنه الغير الشرعي من أجل طي صفحة الفضيحة نهائيا، وعدم النبش في تفاصيلها، قبل أن يختار نجله الخروج لتكذيب والده والتأكيد على رفضه الحصول على أي مبلغ،  في هذا الصدد.

https://www.youtube.com/watch?v=cY7S4ex-7BM&ab_channel=phme

الإمارات استقطبت مارادونا للترويج لدوريها

 

لم يجد مارادونا في أخر أيامه حرجا، من خوض تجارب في الدوري الإماراتي مُدربا، حيث قاد كلاً من فريق الوصل ثم الفجيرة، لسنتين تقريبا.

 

وبالرغم من أن حياة مارادونا بعد الإعتزال بدت أقل ضجيجا، إلا أن خطوات الأسطورة في الدوري الإماراتي، لاقت تفاعلاً ومتابعة كبيرة إعلاميا وكذا جماهيريا.

 

وكانت آخر محطة للراحل رفقة نادي دورادوس سينالو، أحد أندية الدرجة الثانية بالمكسيك، حيث راهن النجم الأرجنتيني في سنة 2018 و2019، لإيصاله إلى دوري الكبار، لكن الحظ غاب عن فريقه الذي كان يسقط باللقاء النهائي الحاسم للتأهل.

 

وخلال تجربته الأخيرة، تدهورت الحالة الصحية لمارادونا، الذي كان يتردد على المستشفيات بسبب مشاكل عديدة، قبل أن يخضع للجراحة ثلاثة أسابيع فقط قبل وفاته، بسبب ورم في المخ.