يونس خيدوري
لفهم ما جرى في انتخابات 08 شتنبر 2021 وتحليلها تحليلا موضوعيا، سأستدعي خطاب العرش لسنة 2017، الذي انتقد، بلهجة واضحة ولا تقبل التأويل ضعف الأداء الحكومي والتمثيليات النيابية. فشرعية التساؤل حول جدوى المؤسسات ان لم تكن في خدمة المواطن، هي مساءلة للتخاذل وعدم الوفاء بالمسؤولية ومضامين دستور 2011.
وفي اشارة الى شرح هذه المسؤوليات، جاء تحليل المفكر والأستاذ محمد طوزي بما يفيد أن المسؤولية الرمزية لإمارة المؤمنين أمام الله والتاريخ هي ما جعلت الملك يسائل المسؤولين المباشرين والذين تم انتخابهم باقتراع مباشر وبألية ديمقراطية.
في تلك الفترة، كثير من المتتبعين السياسيين وغير السياسيين انتقدوا الاداء الحكومي، فحزب العدالة والتنمية بالخصوص لم يستثمر اللحظة السياسية القوية، وظل يعتقد أنه خلص المغرب من مأزق الحراك الشبابي، فبدل الاشتغال بتنسيق مع باقي المؤسسات ضرب بعرض الحائط العمل المشترك وكأننا أمام منطق الغنيمة السياسية.
الجذور الثقافية للحزب لم تخرج عن الفهم البسيط والنمطي للديمقراطية واختزالها في الاليات الديمقراطية من قبيل الانتخابات، أما عن الممارسة السياسية اليومية فالبعد السلطوي لهذا الفكر جعله يسعى الى التجذر أكثر فأكثر في الادارة المغربية وفي مواقع القرار بصفة عامة.
فعوض السعي الى تحقيق ما ينتظره المواطن المغربي، ظل الحزب منهمك في تحقيق مأرب شخصية، ولنا في تجربة تسيير مجالس الجماعات والمقاطعات خير دليل. ولعلى ما شهدته مقاطعة سيدي مومن بالدار البيضاء، احدى أهم المعاقل الانتخابية، مثال على كلامنا. فمنذ وصول حزب العدالة والتنمية الى رئاسة هذه المقاطعة وهو يعمل على خلق جمعيات بشكل كثيف بغية تمكينها من الموارد المالية، وجعلها في خدمة برامج الحزب.
وبالرغم من استفادة هذه الجمعيات من تمويلات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وكذلك تمكينها من المرافق الاجتماعية والثقافية، لم يتجاوز الاداء سقف تطلعات شباب الحي.
في المقابل، ظل الحزب يروج لخطاب غير مفهوم ولا يخلو من تلميحات تشيطن جل المكونات السياسية.
وأمام أداء حكومي ضعيف وغير ملائم لمناخ سياسي أكثر مرونة مما مضى، فما كان الا أن عاقب المواطن حزب العدالة والتنمية في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة.
في الحقيقة هزيمة العدالة والتنمية كانت منتظرة حتى من قادة الحزب ومن الدوائر المقربة كحركة التوحيد والاصلاح، لكن الطريقة التي تهاوى بها الحزب هي التي فاجأت المتتبعين، وهذا في اعتقادي جواب صريح من الناخبين وتقييم لتجربة الاسلام السياسي. لكن هل يمكن الحكم بأفول الصيغة المغربية لتجربة الإسلام السياسي؟ أظن الجواب عن هذا السؤال مسألة سابقة لأوانها. صحيح أن الحزب فشل، وفشله هذا يعزى الى نقص في المسائل التقنية والمعرفية لإدارة الملفات الكبرى. ومن المحتمل أن تكون القاعدة الدعوية أذنت بإضعاف الحزب الذي أصبح ضيف ثقيل وغير مرحب به. والا ما الذي يبرر عدم تغطية جميع الدوائر الانتخابية.
وهذه الفرضية تستحق الوقوف عندها بإمعان، قد تكون الحاضنة الدعوية قد أعطت الضوء الأخضر لاختراق تيارات وحساسيات سياسية ومجتمعية أخرى. فولاء أعضاء حزب العدالة والتنمية للدائرة الدعوية ولاء هرمي يضمن سير عام للمصالح مع هامش تحرك محدود. وحدها اليقظة كفيلة بأن تكشف الاستراتيجيات التي يمكن اللجوء اليها لتجاوز عثرة الانتخابات.
اذن لتفادي سيناريو العدالة والتنمية، ماذا يتوجب على الحكومة المقبلة فعله دون تراخي والا سوف تلاقي نفس مصير سابقتها. أعتقد لا يجب الاكثار في التشخيص فتقارير المجلس الاقتصادي، الاجتماعي والبيئي وتقرير النموذج التنموي شخصت بما يكفي الوضع.
ومن اللازم كذلك على الحكومة أن تستشير مع باقي المؤسسات، وتطلب الإحالات والدراسات المنجزة والمعنية أساسا بالتعليم، الصحة، تشغيل الشباب وكذلك التغطية الاجتماعية. يجب على المواطن أيضا أن يستثمر في عمل المؤسسات ويشارك ولو بعرائض وهذا حقه الدستوري، وعلى سبيل المثال فرئاسة المجلس الاقتصادي، الاجتماعي والبيئي تتيح فرصة لعموم المواطنين للمشاركة في اقتراح مواضيع التقارير التي يعكف على دراستها المجلس.
في هذا الصدد، واذ نستعرض هنا نية هذه المؤسسات في الانفتاح على المواطنين وفق رؤية تشاركية وتبادل للأدوار والمسؤوليات، أتذكر حديت السيد أحمد رضا الشامي، رئيس المجلس الاقتصادي، الاجتماعي والبيئي، عن مغرب دينامي يضمن نموًا قويًا ومستدامًا ويساوي في الفرص بين كل أبناءه.
وهنا اقتبس من حديت الأستاذ احمد رضا الشامي الذي كان قد ألقاه بالمعهد العالي للتجارة وادارة المقاولات، بمناسبة الجامعة الصيفية التي نظمها الاتحاد العام لمقاولات المغرب سنة 2019
"هل تم خلق ما يكفي من الفرص المتكافئة بين صفوف الشعب المغربي، هل هناك ارتقاء اجتماعي ؟ما هو معدل كبار المديرين التنفيذيين الذين ينحدرون من أوساط وعائلات هشة ؟ ما هي نسبة المديرين التنفيذيين الذين ينتسبون الى عائلات عمالية؟"