محمد زيتوني
تعرف الساحة الفرنسية الفكرية والاعلامية، هذه الأيام، حركية وغليان غير مسبوقين، بطلها إيريك زمور واليمين المتطرف، ولا شك قوى معادية للديمقراطية تختبئ وراء الستار وتحرك كراكيز المشهد.
لقد ألف المتتبع للشأن الفرنسي منذ السبعينات، أن الوصفة بسيطة جدا: إذا اردت إنجاح خطابك فما عليك إلا الإشارة الى المهاجرين، العرب أو المغاربيين والافارقة السود والمسلمين وتحميلهم مسؤولية السقوط والتراجع الذي بدئت تعيشه فرنسا منذ مدة وكل الويلات التي تصيبها.
يقول الزعيم الروسي البلشفي لينين: أطعم الناس بالكلمات، وبعد ذلك بإمكانك أن تفرض عليهم أن يبلعوا كل الأشياء.
وعلى هذه القاعدة يمكن التساؤل عن ما يمكن أن ينتج عن كلمات إيريك زمور من نتائج قد تكون خطيرة للغاية ليس فقط بالنسبة للمهاجرين المقيمين بفرنسا بشكل شرعي أو غير شرعي،بل كذلك بالنسبة لفرنسا برمتها.
ويمكن اختصار كلمات زمور الذي ينحدر من عائلة مورية أو بربرية يهودية جزائرية، فيما يلي:
اختزال صراع الحضارات في صراع الغرب والاسلام.
أن سبب تدحرج فرنسا وبداية انحطاطها،وترهل الدولة هم المهاجرون المسلمون ،الذين بدؤوا يحلون محل الفرنسيين "الأصليين" حسب تعبيره.
رفض المسلمين الانصهار في الثقافة الفرنسية المسيحية وتشبتهم بثقافتهم وأسمائهم ،عوض الدوبان في الثقافة الفرنسية المسيحية وتسمية أبنائهم بأسماء فرنسية.
وجوابا عن هذا الوضع، من منظور إيريك زمور ،على فرنسا أن تقوم بالإجرائات التالية:
طرد جميع المهاجرين الغير الشرعيين من فرنسا وبدون استثناء؛
طرد السجناء وذوي السوابق الجرمية وترحيلهم الى بلدانهم؛
إلغاء الجنسية الفرنسية من كل مسلم تورط في جرائم كالجرائم الكبرى، الاتجار في المخدرات والقتل والارهاب الخ؛
أن تعيد الدولة الفرنسية قوتها وصرامتها في التعامل مع هذه الظروف.
وطبعا يجد هذا الخطاب الذي يروج له زمور، صدى قوي لدى عدد مهم من الفرنسيين ، لدرجة أن استطلاع الرئي الاخير الذي اجرته كبرى مؤسسات فرنسا، أعطى زمور إمكانية الحصول على 17% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية المقبلة ، 2022.
فعلى الرغم من الكراهية المفرطة والديماغوجية المبالغ فيها والمغالطات الساطعة التي تطغى على خطاب الرجل فإنه استطاع أن يقنع كثيرا من الفرنسيين لدرجة أنه سيتمكن من الترشح لرئاسيات 2022.
ولكن إذا تمعنا في قمامة الفكر الزموري ،فيجب الإشارة إلى:
أولا: الصراع الحقيقي الزاحف ،على المستوى الاقتصادي والثقافي والسياسي والاستراتيجي ،هو ليس صراع بين الاسلام والغرب بل بين الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها و جمهورية الصين الشعبية وحلفائها. بمعني أن فرنسا الكهلة تبقى ثانوية في المعادلة الاستراتيجية العالمية.
ثانيا، أن اندحار فرنسا راجع الى عوامل أخرى لا علاقة لها ،لا بالمهاجرين ولا بالاسلام، وهنا وجبت الاشارة أن الاسلام السياسي هو من صنع الغرب بما فيه فرنسا.
الاندحار يعود الى هيمنة الشركات متعددة الجنسية ولوبيات المال، والتحكم في المال والاعلام والسلطة من طرف عائلات ليست بالضرورة لا فرنسية الاصل ولا حتى مسيحية المنحى، هذه الديانة المسيحية التي يتبجح السيد إيريك زمور ،ظلما وعدوانا أنها أصل الحضارة والتقدم في فرنسا.
وللتذكير فقط ،فإن الألفية الثانية لتاريخ المسيحية (القادمة طبعا من الشرق، ومن فلسطين بالظبط) قبل 2000 سنة ، يمكن الحديث عن بعض إنجازاتها في ما يلي.
محاكم التفتيش والحرق وبثر الاعضاء وطرد المسلمين واليهود الذين عمروا اكثر من ثمانية قرون في اسبانيا ، إبادة الهنود الحمر عن بكرة أبيهم، قتل العلماء والمفكرين باسم الكنيسة، مباركة أو غض البصر عن النازية في ألمانيا والفاشية في إيطالياا والفرانكوية في إسبانيا، والتي تعتبر من ابشع الديكتاتوريات وأوحشها في التاريخ، بالإضافة إلى إنجازاتها الأخلاقية المخزية والمتمثلة في اغتصاب 330000الف طفل مسيحي داخل الكنائس "المقدسة"منذ 1950 م حسب مصادر رسمية.
ثالثا، الامر يتعلق بملايين المهاجرين المتحدرين و المنتسبين او المحسوبين على الديانة الاسلامية، ففقط التفكير في طردهم ،سيفجر لا محالة حربا اهلية ليس فقط بين المسلمين والذين يسميهم زمور بهتانا مسيحيين بل بين الديمقراطية والفاشية المتوحشة ،لا أظن ان فرنسا قادرة على احتوائها.
و رابعا، ليس كل المهاجرين المسلمين في فرنسا مسيسين، أو منظمين في تنظيمات إسلاموية، فالاغلبية الساحقة منهم، هم إما مؤمنين عاديين يمارسون طقوسهم الدينية وإما منصهرين في المجتمع الفرنسي.
إذا كان على كل المهاجرين في العالم أن يدوبوا أو بالإحرى أن يستلبوا (برفع الواو) فماذا عن المهاجرين الفرنسيين المتواجدين في إفريقا والعام الاسلامي وآسيا؟
أليس من اسرار ازدهار الامم ،هو تراكم الغنى الثقافي والهوياتي والاختلاف؟
أمام هذا الوضع المأساوي،على فرنسا الثورة والانوار ،أن تنبعث من جديد وتعيد النظر فيما آلت اليه وتستفيد من دول غربية ومسيحية أخرى استطاعت أن تحتوي مشاكل الهجرة بذكاء.
عليها أن تعلم وتتذكر أن الديماغوجية والتمكن من الكلمات السامة والافكار الهدامة قد يقودها الى الهاوية ،كما حصل لجارتها المانيا حين انجرت وراء خطاب الكراهية والديماغوجية والافكار السامة.