تمكن أخيرا الفيلم الأمريكي "لا تنظروا إلى السماء" للمخرج آدم مكاي من اكتساح منصة "نيتفليكس" عبر احتلاله الرتبة الأولى للطوب 10 وذلك بفضل عوامل عدة لعل أهمها لعب دور البطولة من طرف الثنائي ليوناردو ديكابريو وجينفر لورانس إضافة إلى ميريل ستريب، كيت بلانشيت وآخرون. إضافة إلى اختياره موضوع الساعة الذي يهدد الحياة على سطح الكرة الأرضية والذي ليس إلا التغيرات المناخية التي يعرفها العالم. زيادة على طريقة عرض الفيلم سواء على مستوى التصوير التي تدخل المشاهد في صلب الفيلم وتجعله مشاركا في العمل بطريقة غير مباشرة، إضافة إلى تقنية الحوار المعتمدة التي تمزج في الآن نفسه بين ما هو جدي وتافه.
وفي المقابل من ذلك، يحكي الفيلم عن اكتشاف عالمي الفلك الدكتور رندال ميندي ومساعدته كيت ديبياسكي اقتراب جرم كبير سينهي الحياة على كوكب الأرض، وذلك أثناء مراقبة هذه الأخيرة للفضاء في إحدى مختبرات جامعة ميشيغن. ليتأكد بعد ذلك أن الأمر ليس مجرد فرضية وإنما حقيقة لها ما عليها، ليبقى الحل الوحيد لهما هو الاستنجاد بالسلطة السياسية بغرض العمل على تحوير مساره قصد تجنب الاصطدام الكبير.
لكن وبالرغم من الجدية التي أبداها العالمين بخصوص هذا الموضوع، إلا أنهما قوبلا بلامبالاة من طرف النخبتين السياسية والإعلامية ناهيك عن عامة الناس أيضا، والذين أبدوا تهكما وسخرية أمام هذا الاكتشاف غير المسلي. لكن ومع ذلك سيناضل العالمان بقوة مؤمنين أشد الإيمان أن الخطر يداهم كوكبنا وأنه توجب النهوض بحزم قبل فوات الأوان.
وفي النهاية سيتم تأكيد توقعهما من طرف كبار المتحكمين بالشأن العلمي في البلاد بعدما قوبل بازدراء الجميع، حينها سيأخذ الكل هذا الموضوع على محمل الجد، حيث تم تعيين الدكتور رندال ميندي مستشارا علميا، وتكليف مجموعة "باش" بمهمة تفجير المذنب عبر طائرات درون مخصصة لهذا الأمر، إلا أن هذه المهمة ستكلل بالفشل بسبب عدة عوامل. الأمر الذي أدى في النهاية إلى اصطدام الجسم العملاق بالكوكب، فيما تمكن بعض الأثرياء من الفرار نحو مكان آخر أكثر أمنا حسب اعتقادهم، مقارنة بالأرض التي باتت تعيش آخر لحظاتها بعيد لحظة الاصطدام.
وعلى صعيد آخر، فقد تمكن هذا الفيلم من نيل اهتمام كبير من طرف المتتبعين والمهتمين بالمجال السينمائي، أولا من خلال الطريقة المعتمدة في الحوار الذي ينقل المشاهد بسلاسة من الحقل المعجمي العلمي إلى حقل لغة الحياة اليومية التافهة، مع تجاهل ملحوظ للحوار الجماعي وتعويضه في أغلب الأحيان بالحوار الثنائي الذي يخلق في أغلب المشاهد صراعا متناقضا بين الأبطال. وعلى المستوى الثاني فقد تميز عمل المخرج الأمريكي آدم مكاي بإحياء إحدى طرق الحكي التي تميزت إبان نهاية الحرب العالمية الثانية بإعطاء حمولة فلسفية للجانب العبثي والتافه في حياتنا على غرار مسرحية "في انتظار غودو" لصامويل بيكيت، ومسرحية "المغنية الصلعاء" لأوجين يونسكو، وأعمال سارتر وكامي وكافكا.. أما الجانب الثالث الذي جعل الفيلم قادرا على لفت الانتباه إليه، فإنه يتجلى في كونه تمكن من تسليط الضوء على طريقة ونمط عيش إنسان الأزمنة الحديثة، والتي لا تخرج عن إطار الاستهلاك والبحث عن المتعة الضائعة والمؤقتة في غياب تام للمعنى، إضافة إلى هيمنة خطاب التافه والمبتذل، وسيادة العدمية. حيث استعاد المخرج بصفته كاتب الفيلم وصاحب الفكرة عديد الأعمال الفلسفية في هذا الشأن، من أهمها كتاب "إرادة القوة" لنيتشه وعمل "الوجود والزمن" لهايدغر، والكتاب الشيق لهربرت ماركيز الموسوم "بالإنسان ذو البعد الواحد" ناهيك عن عديد الأعمال التي تنتقذ بشدة نمط الحياة التي أصبح يقتات منه الإنسان المعاصر.
للإشارة، فقد عبر الممثل ليوناردو ديكابريو بخصوص هذا العمل على أنه يلامس اهتمامه الشخصي بالبيئة ومشاكل المناخ التي بات يعيشها العالم، معبرا في الآن عينه في إحدى تغريذاته على انستغرام بضرورة تشجيع السياحة البيئية بإفريقيا التي تضررت بفعل الجائحة، ومعها تضررت أنواع كثيرة من الحيوانات التي كانت تستفيد من العائدات السياحية لاستمرارها في العيش.