استهدف كثيرون من القادة الأفارقة مؤخرا ليبيا منددين بالعنصرية والجرائم بحق مواطنيهم، لكن الذين عادوا من جحيم حيث يستفيد ليبيون من "تجارة المهاجرين"، يرون أنهم كذلك ضحية عصابات محلية في منطقة ما دون الساحل أبرزها نيجيرية.
كان "دانيال" طالبا، عندما أغرته وأقنعته شبكة مهربين بالتوجه إلى أوروبا، ووعدته: "خلال أسبوعين ستكون في ايطاليا".
والشاب واحد من حوالى 200 نيجيري أعيدوا، إلى بلادهم من طرابلس عند نزولهم من الطائرة عاجزين عن التعبير في وصف الفظائع التي شهدوها أثناء رحلتهم، منددين "بالعربي الكاره للأفارقة".
وأجمعت الشهادات التي جمعتها وكالة "فرانس برس" على مسؤولية نيجيريين وكذلك الليبيين عن سوء المعاملة وبيع المهاجرين وخطفهم.
دفع دانيال 550 الف نيرة (1290 يورو) إلى العصابة التي وعدته بنقله إلى أوربا. "لكن عندما بلغت الحدود الليبية طلب وسيطهم مني 500 ألف نيرة (1171 يورو) إضافية".
وتعرض مهاجرون في مراكز سرية "للتعليق من القدمين" و"يتم تعذيبهم أثناء حديثهم هاتفيا" مع أقاربهم إلى أن يحولوا المبلغ إلى حساب موطن في نيجيريا.
ولقي بعضهم حتفه، فيما تم بيع الذين عجز أقاربهم عن الدفع أو رفضوا ذلك إلى ليبيين "يعملون مع المهربين يدا بيد".
واضطر دانيال إلى الدفع لمواصلة طريقه. فبعد وصوله إلى الساحل طلب منه المهربون 400 ألف ليرة (937 يورو) لعبور المتوسط، فدفع المال مجددا وأفرج عنه، لكنه لم يصل إلى أوربا أبدا.
بعدما علق في طرابلس قام بأعمال متفرقة مقابل راتب يوازي 2 يورو في اليوم.
وقال "كان رب العمل يصطحبني صباحا، في صندوق سيارته كي لا يراني أحد"، وتابع "إن كنت لا تحمل أوراقا فأنت مهدد بالخطف في أي وقت، سواء من طرف الليبيين او النيجيريين هناك".
في النهاية قرر دانيال تسليم نفسه للسلطات على أمل إعادته إلى بلده، فانتظر بعدما فرغ حسابه المصرفي سبعة أشهر في مركز توقيف حيث كان الليبيون يفدون لاصطحابه كي يعمل مجانا "كالعبيد".
وسرعت الأجهزة القنصلية النيجيرية إجراءات الترحيل بآمر من أبوجا بعد الاستياء الذي أثاره تقرير لشبكة "سي ان ان" عن بيع مهاجرين.
وأفادت المنظمة الدولية للهجرة في دجنبر الجاري، وجود حوالى 250 ألف مهاجر إفريقي من دول جنوب الصحراء في ليبيا، وأكثرهم من نيجيريا التي يبلغ عدد سكانها 190 مليون نسمة.
وأشارت المنظمة إلى أن هذه الأرقام "أقل من الواقع بالتأكيد".
وأدان "اوساغي"، النيجيري الآخر الذي أعيد إلى مدينة بنين، فساد عدد من العاملين في سفارة نيجيريا في طرابلس وفي المنظمة الدولية للهجرة "الذين طلبوا عربونا ماليا" لإخراجهم من مراكز الاحتجاز الرسمية.
وأضاف "يفترض بهم أن يساعدونا على العودة لكنهم يحاولون الربح على حسابنا".
ورفضت السلطات المعنية المحلية الرد على أسئلة وكالة "فرانس برس". في المقابل ما زال وصول المنظمات الدولية إلى هذا البلد عملية معقدة ومحدودة.
وقالت مديرة الوكالة الوطنية لحظر الاتجار بالبشر جولي دونلي "نعم، النيجيرون والليبيون متورطون سويا في أنشطة تهريب المهاجرين في ليبيا"، مشيرة إلى صعوبة الحصول على معلومات من الضحايا.
فبعد العودة إلى نيجيريا لن يقدم "اوساغي" شكوى ضد مهربيه. وقال "نعرفهم، ونعرف مكان إقامتهم، لكن لا أحد يثق في النظام القضائي النيجيري. وبعد شهر سيخرجون من السجن ويطاردونا".
وأضاف "الكثيرون سيشكلون عصابات وسيسعون بأنفسهم لاستعادة أموالهم. إنه قانون الغاب".