تهريب الآثار.. استعادة أحفورة "جد تماسيح" المغرب عمرها 56 مليون سنة

محمد فرنان

استرجع المغرب من أمريكا أحفورة تمساح مغربية، عاش قبل 56 مليون سنة، عثرت عليها السلطات الأمريكية سنة 2014، بولاية أريزونا، وعُرضت في الحديقة الحيوانات بالرباط، عشية أمس الخميس، بحضور وزير الشباب والثقافة والتواصل المهدي بنسعيد، ووفود دبلوماسية ممثلة للولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.

السياحة الثقافية

في هذا الصدد، أوضح الوزير محمد المهدي بنسعيد، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، أن "إرجاع مستحاثة التمساح يُعد إنجازا مهما، يُظهر الدينامية التشاركية التي ينهجها المغرب مع مجموعة من الدول، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية فرنسا".

وأضاف أن "استرجاع الجمجمة لها أهمية كبرى على مستوى التاريخي والعلمي ولدى الباحثين، الذين سيقومون بدراسات عليها لمعرفة طبيعة المغرب قبل ملايين السنيين".

وأبرز أن "التراث له أهمية كبرى على مستوى السياحة الثقافية، وفي العالم مجموعة من الناس يعجبهم تاريخ الديناصورات، لذلك لا بد من الاستثمار في هذا المجال، وتعريف هذه المستحاثة للعالم".

وأكد أن "المستحاثة ستكون محط اهتمام من الخبراء المغاربة، الذين سيحاولون معرفة طبيعة المغرب كيف كان، وربما تجيب على عدد من الإشكاليات التي نعيشها اليوم".

جد التماسيح

وذكر إدريس الورادي، عالم جيولوجيا، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، إن "المستحاثة تعود لجمجمة تمساح تعود إلى الفترة الممتدة ما بين 56 و48 مليون سنة".

ولفت إلى أن "منطقة الفوسفاط التي احتفظت بالمستحاثة كل هذه الفترة، تم العثور على 250 نوع من السمك، و15 نوع التماسيح، و14 نوع السلحفاة، كل هذه الأنواع لها قيمة علمية جد مهمة".

وتابع أنه "ما بين 72 و48 مليون سنة، كان البحر في مدينتي خريبكة وابن جرير، ولكن ليس بعُمق كبير، مما سمح بالحفاظ على مستحاثات الحيوانات مثل التمساح الذي عُرض".

وشدّد على أن "الأحفورة لها أهمية قُصوى لمعرفة تاريخ الحياة فوق الأرض، فمثلا، علماء المستحاثات سيقومون بدراسة الأسنان لمعرفة نوع الغذاء الذي كان يأكله التمساح، وحجم الأسنان سيمكن من معرفة الفصائل والنباتات التي كانت تعيش آنذاك، والحيوانات التي كانت في تلك الفترة، والنظام البيئي".

ونبه إلى أن "المستحاثة هي من أجداد التماسيح التي نراها اليوم، وكان لها فم صغير، وأسنان ليس مثل اليوم، هذا النوع من المستحاثات موجود فقط في المغرب، ومنطقة الفوسفاط".

تراث المغرب مستهدف

وقال يوسف خيارة، مدير التراث بوزارة الشباب والثقافة والتواصل، إن "المغرب يعتبر من الدول الغنية بالتراث الثقافي والجيولوجي، مما يجعله مستهدف من لصوص الآثار لأنها تجارة مربحة". 

وأشار إلى أن "تهريب الآثار يُصنف في المرتبة الثالثة في العالم بعد تجارة السلاح والمخدرات من قبل منظمة اليونسكو، هذا يدل على العائدات الكبرى لهذا النوع من الاتجار".

وأورد أن "الدول تُحاول التصدي لهذه الظاهرة، وهنا نعتمد على اتفاقية مهمة قُررت سنة 1970 التي تُحرم هذا النوع من الاتجار لكنها لم تحل كل المشاكل، بسبب وجود صعوبات في تطبيق هذه الاتفاقية، مما يتطلب  تقويتها وتدعيمها". 

وتابع أن "الإقبال على توقيع الاتفاقية المذكورة ضعيف من طرف الدول بالمقارنة مع اتفاقية التراث غير المادي أو التراث العالمي". 

وأبرز أن "اليونسكو توصي  لتجاوز اشكاليات الاتفاقية باللجوء إلى العلاقات الثنائية لاستعادة القطع المهربة، وهو ما حصل مع قطعة التمساح، وهذا ما نركز عليه في مقاربتنا بقطاع الثقافة، وهذا النهج هو الأقرب لإستعادة التراث المنهوب من المغرب".

ونبه إلى أنه "يصعبُ إعطاء رقم معملاتي يُحدد حجم الخسارة المالية للمغرب بسبب تهريب الأثار، لأنها تجارة غير رسمية، لا يمكن رصدها، لكن هناك مؤشرات على حجم هذه التجارة عالميا التي تصل إلى 10 مليارات دولار، وحجم البيع في المزادات العلنية يبلغ 45 مليار دولار في العالم، هذه أرقام فلكية كبرى تعطي حجم هذه التجارة سواء شرعية أو غيرها".

وشدّد على أن "التحدي الحالي هو تكثيف تكوين جميع الأطر التي في الوزارات والإدارات التي لها ارتباط للتصدي لهذه الظاهرة مثل الجمارك والدرك الملكي والشرطة، والقضاة، والمحافظين المواقع الأثرية، والجماعات الترابية المجاورة للمآثر التاريخية أو الجيولوجية، والمجتمع المدني".

وأكد أن "الأصل هو الحفاظ على التراث لأنه يمثل هويتنا، وهذا هو الأساس، وإذا كانت مشاريع السياحة الثقافية أو متاحف مستقبلا، ستشكل إضافة مهمة وجديدة، ولكن أساس العمل الحكومي هو حماية التراث بغض النظر عن ما سنعمل به". 

وكشف أنه "يجري إعادة صياغة نص قانوني جديد، وسيقدم للأمانة العامة للحكومة في غضون الأشهر المقبلة، فيه تشديد العقوبات على المهربين، والمشاركين في هذه التجارة، ومراقبة عمليات البيع والشراء التي تكون في دور المزاد العلني في المغرب وغيره، وتنويع الشراكات وتوحيد المقاربات بين الأجهزة والإدارات العمومية التي تشتغل في هذا المجال".

مكتب التحقيقات الفيدرالي

وأعلنت السفارة الأمريكية في الرباط، يومه 10 فبراير 2022، أن "الحكومة الأمريكية قامت رسمياً بإعادة مستحاثة جمجمة تمساح مغربية إلى المملكة، خلال حفل صغير أقيم في السفارة المغربية بواشنطن العاصمة".

وأضافت أن "مكتب التحقيقات الفيدرالي عثر على الجمجمة من بين 7000 قطعة أثرية في مزرعة في ولاية إنديانا سنة 2014".

وأشارت إلى أنه "كانت هذه أكبر عملية استرداد منفردة للممتلكات الثقافية يقوم بها مكتب التحقيقات الفيدرالي منذ إنشائه، ويعمل الخبراء منذ ذلك الحين لتحديد المالكين الشرعيين لهذه المحتجزات".

ولفتت إلى أنه "يتعذر حالياً تحديد أصل وعمر جمجمة التمساح، لكن حفل تسليم هذه القطعة الأثرية يمثل جزءًا من التزام الولايات المتحدة بمنع تهريب قطع ذات الأهمية البالغة لتاريخ المغرب وتراثه الثقافي".

تمساح رواسب فوسفاط المغرب 

وذكرت الوزارة في لوحات تعريفية وزعت في حفل تقديم مستحاثات المستردة، أن "المغرب من المناطق النادرة في العالم التي تتوفر على الكثير من الأدلة الشاهدة على ترسب عدة طبقات على سطح الأرض، التي تسلط الضوء على جزء كبير من الأزمنة الجيولوجية الرئيسية المؤرخة لمراحل تطور الحياة فوق الأرض وقد لعبت الظروف الطبيعية الملائمة دورا أساسيا في الحفاظ على مكونات هذه الرواسب حيث تصنف المستحاثات من أغنى المجموعات في العالم".

وأوضحت اللوحة أن "المستحاثة المسترجعة من الولايات المتحدة الأمريكية من المحتمل أن تنتمي إلى ثلاثة مناطق: منطقة كمكم المتواجدة بجنوب شرق المغرب (جنوب تافيلالت)، منطقة كلميمة ناحية الراشدية)، والأحواض الفوسفاطية أولاد عبدون بخريبكة، وهو عبارة عن جمجمة تم العثور عليها برواسب Dyrosaurus نوع ,Crocodilus phosphaticus مـن فصيلـة الفوسفاط في أولاد عبدون، ويرجع تاريخها إلى العصر الفجري السفلي، قبل 56 مليون سنة، ويتميز هذا النوع من التماسيح بفك وأسنان نحيفين يوحيان بأن نظامه الغذائي كان يعتمد على الأسماك".

وحسب نفس المصدر، "تنفرد رواسب سلسلة الفوسفاط في المغرب بغناها الكبير بمستحاثات التماسيح التي تمكن العلماء من معرفـة التنوع الإحيائي الجغرافي القديم و التاريخ التطوري للأنواع المختلفة المتواجدة، مما يفسر الاهتمام الذي يثيره فـي سـوق الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية".

وكشفت أن "المغرب استرد سنة 2021 ما يقارب 25 ألف قطعة من التراث الجيولوجي والأركيلوجي والإثنوغرافي، تتكون من مجموعة ذات أهمية بالغة تنتمي لمواقع من جنوب البلاد والأطلس الصغير، ويعود تاريخها إلى أزمنة جيولوجية قديمة، وعصور ما قبل التاريخ (العصر الحجري القديم والعصر النيوليتي، وتضم من بينها مستحاثات لجماجم تماسيح وحيوانات أخرى وأسنان أسماك وزواحف وأيضا نقوش صخرية".