جاء الهجوم طعنا بالسّكين الذي استهدف الكاتب البريطاني، سلمان رشدي، أول أمس الجمعة، بعد أكثر من 33 عاما على إصدار مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، آية الله روح الله الخميني، فتوى بهدر دمه، إثر صدور روايته "آيات شيطانية".
وأعلن الخميني في الفتوى: "أطلب من المسلمين الغيارى المبادرة إلى إعدام هؤلاء على وجه السرعة، أينما وجدوهم، كي لا يجرؤ أحد بعد ذلك على الإساءة إلى مقدسات المسلمين".
وعرضت مكافأة كبيرة لقتل الكاتب المتهم بالإساءة إلى "الإسلام والرسول والقرآن" في روايته التي أشعلت احتجاجات في أنحاء واسعة من العالم الإسلامي، ما اضطر رشدي وقتها إلى التواري بحراسة أمنية، وتغيير مخبئه 56 مرة خلال الأشهر الستة الأولى وحدها.
وانطلقت القضية في شتنبر 1988، مع صدور الرواية عن دار نشر بريطانية في فترة لم يكن أحد يتنبه بعد إلى صعود التطرف الإسلامي.
ويروي رشدي في "آيات شيطانية"، بكتابة تخييلية، مغامرات هنديين قضيا في اعتداء إرهابي استهدف طائرتهما. وتحت ريشة الكاتب الذي يعتبر من كبار أدباء الواقعية السحرية، يصلان سالمين إلى شاطئ إنجليزي؛ حيث يختلطان بالمهاجرين في لندن، إبان حكم ثاتشر في الثمانينات.
والكتاب هو بالمقام الأول رواية عن الهجرة. وكتب رشدي أن "السخرية الأشد حزنا بنظري، هي أن أكون عملت خمس سنوات لإعطاء صوت لثقافة الهجرة التي أنتمي إليها أنا نفسي، وأن أرى كتابي يحرق تحديدا من قبل الذين يتحدث عنهم، بدون قراءته في غالب الأحيان".
وأثار الكتاب منذ صدوره، موجة استنكار في العالم الإسلامي، مع خروج تظاهرات اتهمت رشدي بالكفر والإساءة إلى الإسلام.
وما أثار الفضيحة تحديدا، حوالي عشر صفحات من الفصل الثاني، من أصل مئات الصفحات، يروي فيها رشدي قصة "الرسول ماهوند" الذي يذكر بشخصية النبي محمد، يخدعه الشيطان، فيدعو إلى عبادة ثلاثة آلهة، متخليا عن عقيدة التوحيد، قبل أن يكتشف خطأه.
وفي الهند نفسها، حظر رئيس الوزراء، راجيف غاندي، الكتاب، اعتبارا من أكتوبر، على أمل الفوز بأصوات المسلمين قبل انتخابات تشريعية. كما منعت الرواية في عشرين دولة.
وتصاعد الاستنكار أكثر مع نشر الرواية في الولايات المتحدة؛ حيث نظم كتاب؛ أمثال سوزان سونتاغ، وتوم وولف، قراءات عامة لمقاطع من الكتاب.
وفي باكستان، هاجم الآلاف المركز الثقافي الأمريكي في إسلام آباد، هاتفين: "الأمريكيون كلاب"، و"اشنقوا رشدي". وأطلقت الشرطة النار على المحتجين، موقعة خمسة قتلى.
وانتشرت الاحتجاجات في جميع أنحاء العالم، وخصوصا في أوروبا؛ حيث باتت تسوية "قضية رشدي" شرطا مسبقا لأي تطبيع مع الجمهورية الإسلامية.
وقطعت لندن وطهران علاقاتهما الدبلوماسية، لحوالى سنتين. وفي 2 مارس، أعلن 700 مثقف من العالم بأسره دعمهم لحق رشدي في حرية التعبير.
وتوفي الخميني في يونيو، وفي السنة التالية، شرح رشدي موقفه في بادرة تهدئة، في مقال بعنوان: "عن حسن نية"، غير أن الغضب لم يتراجع.
وفي 1991، وفيما بدأ سلمان رشدي يظهر علنا من جديد، قتل مترجمه الياباني طعنا بالخنجر، كما تعرض مترجماه الإيطالي والنرويجي لهجومين.
وبعد سنتين، قتل 37 شخصا حين أحرق متظاهرون فندقهم في سيواس بوسط تركيا، مستهدفين المترجم التركي الذي نجا.
وفي 1998، تعهدت حكومة الرئيس الإيراني الإصلاحي آنذاك، محمد خاتمي، بعدم السعي لتنفيذ الفتوى، غير أن خلف الخميني، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، أكد مجددا عام 2005، أن سلمان رشدي يستحق القتل.
وفي العام 2007، أكدت حكومة الرئيس المحافظ، محمود أحمدي نجاد، أن "الفتوى لا تزال قائمة".
وفيما كانت إيران تشهد تجاذبات داخل دوائر السلطة بين المتشددين والإصلاحيين، أعلنت عدة وسائل إعلام إيرانية، عام 2016، إضافة 600 ألف دولار إلى الجائزة المرصودة لقتل الكاتب، رافعة قيمتها الإجمالية إلى أكثر من ثلاثة ملايين دولار.
واستعاد الكاتب البالغ الآن 71 عاما، والمقيم منذ فترة طويلة في نيويورك، حياة شبه طبيعية، مواصلا في الوقت نفسه، الدفاع في كتبه عن الحق في الهزل وعدم احترام الأديان. واعتبر في السنوات الأخيرة أن انتشار شبكات التواصل الاجتماعي يزيد من خطورة الفتوى بحقه.