ناقش مسؤولون حكوميون وخبراء مغاربة وأجانب، أمس الثلاثاء، ضمن فعاليات موسم أصيلة، موضوع ”تأثير الطاقة على التوازنات السياسية والاقتصادية الدولية ”.
أخطر صدمة طاقية
في هذا الصدد، أكد أمين عام منتدى أصيلة محمد بن عيسى، أن الندوة الرابعة من برنامج جامعة المعتمد بن عباد المفتوحة في دورتها السادسة والثلاثين تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع التي يعيشها العالم بعد جائحة كورونا، ثم خلال الحرب في أوكرانيا، و دور الطاقة في رسم السياسات الدولية وفي تحديد معالم التوازنات الاقتصادية عبر العالم.
وأوضح بن عيسى، أن هذه الندوة تهدفُ إلى التفكير في مآلات ما بات يشكل تحديا عالميا يهدد السلم السياسي والاجتماعي، ويُمثل أخطر صدمة طاقية بعد سبعينيات القرن الماضي في سياق دولي، وأن المستجد السياسي والاقتصادي الذي ارتبط في السياق الراهن بأزمة أكثر خطورة متمثلة في التغير المناخي، وشح مصادر المياه عبر مختلف أقطار العالم، وبروز الأزمة في صدارة الأجندة الدولية.
كما تسعى الندوة، حسب ذات المصدر، إلى الوقوف عند آفاق هذه الأزمة، في اتصالها بالبنية السياسية للصراع الدولي الراهن حول الطاقة، وإعمال النظر فيما تفرزه التحديات الطاقية في مستقبل الاقتصاد العالمي، مع إيضاح دور التغير المناخي في مضاعفة الجهود لإيجاد موارد طاقية نظيفة بديلة، ورصد أثر ذلك على اقتصاديات الطاقة وسياساتها عبر العالم.
تحقيق "السيادة الطاقية"
وفي السياق ذاته، أبرزت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي أن "العالم يعيش فترة لم يسبق لها مثيل، اذ خرج العالم من سنتين من الأزمة الوبائية والتضخم المتزايد وضيق السياسات النقدية وتسجيل الدولار لأقوى ارتفاع له منذ جيل ليدخل في ظروف صعبة عنوانها العريض "الأزمة الطاقية".
وأشارت بنعلي إلى أن "هناك من يعتبر أن سنة 2022 تشبه حرب أسعار النفط في سبعينيات القرن الماضي التي فقدت فيها اليابان وألمانيا، على سبيل المثال، القدرة التنافسية أمام الولايات المتحدة الأمريكية في حين يتعلق اليوم بالغاز الروسي وليس بالنفط العربي.
وشدّدت الوزيرة على أن الحل الأمثل في ظل الأزمة الطاقية وما يرتبط بها من مشاكل مالية واقتصادية واجتماعية، هو تحقيق "السيادة الطاقية"، عبر انتقال طاقي محكم يضمن الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة ولو على مدى متوسط وبعيد و يتكيف مع التغيير المناخي، الذي أصبح واقعا وحقيقة يهم العالم بأسره، ويتجاوب مع انتظارات المجتمع.
وأكدت أن المغرب يعمل جاهدا، في ظل واقع سوق الطاقة العالمي المعقد لتحقيق الانتقال الطاقي عبر سياسات ومخططات واستراتيجيات واضحة المعالم وإنشاء بنيات مهيكلة والاستغلال الأمثل للمؤهلات الذاتية، ما سيمكن في المستقبل المنظور من مواجهة التحديات التي تطرحها تقلبات سوق الطاقة العالمي وما يتعلق بها من تحديات اقتصادية وعالمية ترخي بظلالها على العالم بأسره.
وأوضحت أن سياسة الانتقال الطاقي التي ينهجها المغرب بحكمة وبعد نظر ستمكن من تحقيق "السيادة الطاقية"، التي أضحت مؤشرا مهما في تقدم الدول وضمان التنمية المستدامة والمتوازنة، وأن المغرب يستثمر في مجال الطاقة النظيفة ويوسع من مجال التعاون مع الدول المرجعية في هذا المجال، ما أهل المغرب لكسب الخبرة والمؤهلات لبلوغ مبتغاه وضمان الانتقال الطاقي الذي يحقق السيادة الطاقية.
وشددت على أن المغرب يضع كل خبراته وتجربته وأمكانياته رهن إشارة أفريقيا، التي تعاني كثيرا من تغيير منظومة الطاقة في العالم وتأثيرات التغير المناخي، وهي قادرة عمليا على تحقيق الانتقال الطاقي، شريطة توحيد وتشبيك جهودها والاستفادة من التجارب الناجحة في المجال واستغلال مؤهلاتها وغناها الطبيعي والبشري بشكل أمثل".
الطاقة والاستقرار
ومن جهتها، قالت المديرة العامة للمكتب الوطني للهيدروكاربونات والمعادن، أمينة بنخضراء، أن "موضوع الطاقة بكل الإشكالات العالقة به والظرفية الاقتصادية العالمية الصعبة وعلاقة أزمة الطاقة بذلك له راهنيته ويتصدر اهتمام كل دول العالم بدون استثناء، مشددة على أنه وأمام هذا الواقع الصعب، ينبغي على كل دول العالم أن تنهج سياسة طاقية ملائمة كفيلة بإيجاد الحلول لكل التحديات المطروحة".
ورأت أن "الطاقة لها تأثير واضح على قطاعات حيوية متعددة، منها القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية كقطاع الفلاحة والأمن الغذائي، والاستقرار الاجتماعي والسياسي، معتبرة في ذات الوقت أن الوضع الراهن في ظل الأزمة الطاقية يحمل بين طياته أمورا ايجابية تتمثل في دفع مختلف دول العالم الى إبداع الحلول وسن سياسات مبتكرة لمواجهة التحديات التي تطرحها أزمة الطاقة وارتفاع أسعار الطاقة وتوفير طاقات نظيفة بديلة.
واعتبرت بنخضراء أنه "على دول أفريقيا أن تتعاون وتتضامن وتستغل المؤهلات الطبيعية والبشرية وتسير على خطى المغرب الذي انطلق في تنزيل سياسته لتحقيق الانتقال الطاقي منذ سنة 2009، مضيفة أن التدبير الرشيد للموارد الطاقية يشكل العمود الفقري للتطور الاقتصادي والاجتماعي".
التهاون في مواجهة الأزمة الطاقية
ورأى الخبير الدولي البريطاني هومايون موغال، أن على العالم أن يتكيف في أقرب الآجال مع الأزمة الطاقية وما تطرحه من إشكالات، وأن تتعاون الدول مع بعضها البعض لأن تداعيات الأزمة الطاقية سيتضرر منها الكل بدون استثناء، مضيفا أن دول العالم لها من الإمكانات لتحقيق توازن طاقي شريطة التعاون والتآزر".
وأعرب موغال عن تفاؤله بأن "العالم سيتجاوز الأزمة الراهنة والتي من غير المستبعد أن تزداد حاليا حدة إن لم يبادر العالم بأسره، متضامنا، لتخطي الحواجز، التي سيكون فيها الكل خاسرا، إن تمادت الأزمة ووقع تهاون في مواجهتها".
واقعا جديدا
وفي السياق ذاته، اعتبر الخبير التونسي ووزير الاقتصاد والمالية سابقا حكيم بنحمودة، أن "تجاوز المرحلة الراهنة وتخبط الكثير من الدول في أزمة الطاقية وتداعيات الحرب بأوكرانيا يحتاج الى توجه طاقي عالمي وإقليمي ووطني يراهن على المستقبل، و يحتم وضع سياسة طاقية طموحة والبحث عن بدائل واقعية وشجاعة في إطلاق سياسة طاقية تعيد التفاؤل.
وأضاف أنه يجب التفكير في حلول عاجلة للحد من التأثيرات السلبية لأزمة الطاقة الراهنة التي لها وقع على جوانب عديدة من حياة البشر، معتبرا أنه يجب هيكلة نظام الطاقة العالمي ووضع مقاربات لا تعترف بالحدود الضيقة بل تتخطاها.
ولم يستبعد الخبير التونسي أن تفرز الأزمة الطاقية الحالية واقعا جديدا وتساهم في بروز أقطاب دولية جديدة، كما من غير المستبعد أن تنمحي أقطاب كائنة حاليا، وهذا لا يمنع من أن تسعى دول أفريقيا على وجه التحديد الى تحقيق "السيادة الطاقية " وتوفير الشروط الموضوعية للانتقال الطاقي.
وافتتحت الأحد ما قبل الماضي فعاليات الدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي الثالث والأربعين والدورة 36 من جامعة المعتمد بن عباد المفتوحة، المنظمة تحت رعاية الملك محمد السادس من طرف مؤسسة منتدى أصيلة، ويتم تنظيم الموسم، الذي جرت دورته الأولى الصيفية بين 30 يونيو و 24 يوليوز وخصصت للفنون التشكيلية، بشراكة مع وزارة الثقافة والشباب والتواصل (قطاع الثقافة)، وجماعة (بلدية) أصيلة، و يستضيف هذا العام فعاليات ثقافية وفنية من دولة الإمارات العربية المتحدة.