رضوان بنتهاين - متدرب
أوضحت دراسة نُشرت، أمس الثلاثاء، بمجلة "ريموت سينسن" (Remote Sensing) العلمية، أن التحول بين المزارع الحديثة والحيازات الصغيرة ظّل من خصائص الزراعة المغربية منذ تسعينات القرن الماضي. مضيفة بأن التحول القروي-الحضري بجبال الأطلس أدى إلى زراعة مروية مكثفة في بعض المناطق الزراعية، في حين تم التخلي عن مناطق أخرى.
مناخ المناطق الأطلسية
وذكرت الدراسة بتأثير التغيرات المناخية العالمية على المناطق الأطلسية، بحيث أفادت بأن تغيرات الاستخدام للأراضي/الغطاء الأرضي لكل من المناطق القروية والمناطق الحضرية المتصلة هي نتيجة (كبيرة) لهذه التغيرات المناخية، كما أن هذه الأخيرة بدورها تُعَزز من طرف النمو السكاني، والذي يخضع لضغطه كل من الاستعمال التقليدي للأراضي، زيادة على الغطاء الأرضي وباقي منافع النظام البيئي، مفيدة بأن تيسير هذه التغيرات مع حفظ أو تحسين كل من جودة البيئة واستراتيجيات سبل العيش والأمن الغذائي يشكل تحديا جوهريا للتنمية المستدامة وسياسات الحوكمة.
كما أشارت إلى أن الوعي العام بشأن أوجه الاعتماد المتبادل بين استعمال الموارد والتنمية المستدامة قد ارتفع في السنوات الأخيرة، مستحضرة الدور الذي لعبه تأسيس الأهداف الـ17 للأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDGs)، وإدراج هذه الأهداف في الأجندات السياسية لعدد من الدول، مما أدى إلى تجسيد الالتزام العالمي نحو مواجهة هذه الترابطات.
ولكن هذا المسار، أضافت الدراسة، قد صوحب باستمرار الطابع المجزأ والنزعة "الشمالية" القوية التي تعرفها أبحاث التنمية المستدامة على المستويات الإقليمية، مع طبيعة متخلفة لكل من التقييم والقدرة على تخفيف المآثر لدى البلدان الفقيرة والاستوائية والشبه الاستوائية، وخصوصا في شمال إفريقيا وغرب آسيا.
المنطقة عرفت جفافا مطولا
كما ذكرت الدراسة بالدور المركزي لجبال الأطلس الكبير لدى المغرب وميراثها الزراعي الذي يعتبر من بين "مهود" الثقافة المغربية، بحيث تُوفر واحاتها ومراعيها الوفيرة منافع بيئية مهمة نظرا لسقيها لعدد من وديان البلاد واحتوائها على تنوع بيولوجي غني للنباتات، مشيرة كذلك إلى انحصار الأراضي المروية في الارتفاعات المنخفضة (حوالي 500 متر فوق مياه البحر) على مستوى الأودية أو ارتفاعات أعلى (إلى حدود 2500 متر فوق مستوى البحر) على مستوى واحات ذات مصادر مائية دائمة.
وتابعت الدراسة بالإشارة إلى أن المنطقة عرفت جفافا مطولا مع تراجع مطري نسبته تتراوح بين 5 و30 بالمائة، "مما يجعل الأنظمة البيئية بجبال الأطلس الكبير معرضة بشكل متزايد للتغير المناخي"، مصرحة بأن هذا الجفاف يؤثر أيضا على زراعة الواحات بجبال الأطلس، "والتي قاومت الانحرافات المناخية على مر القرون وتواجه حاضرا تحديات إضافية بسبب التحول المفرط القروي-الحضري، مما يدفع الكثير من الشباب للهجرة إلى مدن المغرب الكبرى أو حتى إلى أوروبا.
التعليم والدعم
زيادة على ذلك، فإن سكان هذه الواحات يعانون من ضعف الفرص التعليمية، وكثيرا ما يفتقرون إلى إمكانية ولوج سلاسل الإمداد الوطنية والدولية الضرورية لمنتجاتهم الزراعية، وهو ما يُصعب عملية تحقيق مكتسبات قادرة على حفظ ديمومة أرزاقهم.
وفي سياق التدهور السريع للسند الزراعي للفلاحين، أصبح بقاءهم الاقتصادي غالبا ما يعتمد على الدعم الذي يرسله لهم أقرانهم المهاجرين إلى المناطق الحضرية، إضافة إلى الإعانات الحكومية.
الاستعمال المفرط للموارد
كما أشارت الدراسة إلى الإلمام القوي الذي أظهرته الدراسات السابقة لتغيرات الغطاء الغابوي خلال العقود الأخيرة. وتراجع الغابات غالبا ما تم تفسيره انطلاقا من الاستعمال المفرط للموارد نتيجة ارتفاع عدد السكان، الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع طلب الحطب وأراضي الرعي، وآثار التغيرات المناخية، كامتداد فترات الجفاف وتراجع الأمطار، وعواقب التوسع الحضري وما يصاحبه من ارتفاع في الزراعة المكثفة وأراضي الرعي، بالإضافة إلى تشجيع الاقتصاد النيوليبرالي للزراعة أو التنقيب.
كما أشارت الدراسة إلى الدور الذي تلعبه كل من التغيرات المناخية والسلوكيات البشرية في تدهور الغابات بالمغرب، مؤكدة على العموم بأن هذا التدهور مُسبب من طرف النشاطات البشرية والحرائق الغابوية، مضيفة في هذا الصدد بأن نسبة 1 بالمائة من الغابات المغربية تحترق كل سنة، أي ما يعادل 400.000 هكتار، وهو الشيء الذي يسبب أضرارا هائلة على المستوى الاقتصادي والبيئي، زيادة على الخسائر في الأرواح.
وأضافت بأنه خلافا عن عدد من مناطق العالم، والتي تعود معظم حرائق غاباتها على أسباب طبيعية (غالبا بسبب الصواعق)، فإن 95 في المائة من الحرائق الغابوية المغربية من صنع الإنسان (إما عن طريق الإهمال أو الإجرام).
كما تمت الإشارة إلى خطر السَّقم الذي تتعرض له المناطق الغابوية بسبب إزالة حطبها ومنتجاتها الغير الخشبية، بحيث تتعرض أشجار الأرز بجبال الأطلس الكبير والمتوسط وأشجار بلوط الفلين بمنطقة معمورة بشكل خاص لهذه الأضرار.
نقص في نسبة العمل الزراعي
وربطت الدراسة التباينات على مستوى الأغطية النباتية المفتوحة لجبال الأطلس فيما بين عامي 1990 و2010 مع تغيرات نسبة التساقطات ومآثر التوسع الحضري، بحيث استحضرت السجلات المناخية للمنطقة التي تُظهر تباين في نسبة التساقطات وارتفاع متذبذب لمتوسط درجة الحرارة فيما بين سنتي 1990 و2010، وهو ما يتوافق مع التغيرات على مستوى النباتات التي تظهرها تحاليل الدراسة. إلا أن هذه السجلات تشير كذلك إلى انخفاض لمتوسط درجة الحرارة فيما بين عامي 2020 و2020، مصحوبا بانخفاض في نسبة التساقطات.
وأفادت الدراسة بأن العديد من واحات الأطلس الكبير قد تعرضت فيما بين عامي 1970 و2020 إلى تراجع كبير لنسبة الأراضي الزراعية مقابل ارتفاع في نسبة الأراضي المُراحة والمتخلى عنها، مضيفة بأن هذه التغيرات تعكس آثار التخلي عن الأراضي بسبب هجرة سكان الواحات التي تؤدي إلى نقص في نسبة العمل الزراعي بمناطق الواحات الزراعية المروية.
منهجية الدراسة
ولأجل فهم هذه الآثار، سعت الدراسة إلى تحليل تغيرات الاستخدام الأرضي/الغطاء الأرضي (LULC)، وتقييم نظام وديناميكية النباتات، وقيام مقارنة بين مقاربة تصنيفات الآلات المتجهات الداعمة (SVM) ومقاربة موسمية تقوم على قواعد، مع الاعتماد على تصنيف مراقب لاستخدام الأراضي/الغطاء الأرضي باستعمال بيانات الأقمار الاصطناعية تعود لفترة ما بين 1990 و2020 للتفريق بين الأغطية النباتية والأراضي الخالية من النبات والغابات والمياه.
ووجدت بأن المقاربة الموسمية رصدت الأراضي الخالية من النبات بنسبة أقل بـ10 بالمائة مقارنة مع المقاربة المعتمدة على الآلات المتجهات الداعمة. وبالتالي، سعت الدراسة إلى التأكيد على ضرورة تعدد المقاربات من أجل رصد نسبة الغطاء النباتي بالمناطق الجبلية الشبه الجافة من خلال إظهار حدود استعمال طريقة آلية وحيدة لتجميع المعطيات.
كما استنتجت بأن الاعتماد الآلي كان أقل دقة في الفصل بين الأغطية النباتية والغابات. أما بخصوص الأراضي العارية، فلم تسمح بالتفرقة بين المواسم المطرية والفترات الجافة. كما لم تفرق بشكل كبير بين الغابات ذات تيجان أشجار لا تسمح بمرور أشعة الشمس بغزارة والأغطية النباتية المفتوحة المعرضة لأشعة الشمس من جهة وبين هذه الأخيرة والأراضي العارية من جهة أخرى.
فعلى العموم، وجدت الدراسة بأن المقاربة الموسمية أعطت نتائج أكثر توافقا مع طبيعة الأرض المدروسة بالمقارنة مع الاعتماد الآلي، بحيث اعتبرت هذه الأخيرة عدد من المناطق الزراعية والغابوية والغابات ذات الأشجار المتباعدة الواسعة كأراضي عارية، في حين صنفت الأماكن الزراعية المحتوية على أشجار كغابات.