في لحظات مفعمة بالتقدير، والعرفان، والرمزية، والنبل، خلدت كوريا الجنوبية، خلال احتفال مميز أقيم في سيول، ذكرى الجنود المغاربة الذين سقطوا في ساحة المعركة، خلال الحرب الكورية (1950-1953)، بعد أن سافروا بشكل طوعي، من أجل الكفاح في أرض بعيدة، وغربية بالنسبة لهم، إلى جانب الكوريين والجنسيات الأخرى، تحت راية الأمم المتحدة، باسم الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية والعدالة.
وتشير الوثائق التي جمعتها السلطات الكورية، والمقبرة التابعة للأمم المتحدة ببوسان (330 كم جنوب سيول)، إلى أن محمد بن قدور العسري، المزداد سنة 1915، توفي متأثرا بجروح أصيب بها، أثناء معارك على التل 1037 في منطقة مونشي، على بعد 200 كلم شمال وونجو (جنوب غرب كوريا الجنوبية).
ودفن بن قدور، وهو برتبة عريف أول، يحمل الرقم 318، في المدفن رقم 571 بمقبرة بوسان. أما جوليان دجيان، المزداد في 19 فبراير 1928، بمراكش، فتوفي، في 4 يوليوز 1953؛ أي قبل 23 يوما فقط من إعلان الهدنة، في 27 يوليوز 1953.
وبحسب وثائق مكتب المقبرة التابع للأمم المتحدة، أصيب جوليان بجروح خطيرة في الرأس والصدر والذراع والساق، خلال قصف على منطقة تشوروون، التابعة لاقليم جانغ وون، بالقرب من الحدود مع كوريا الشمالية.
وبتخليدها لهذه الذكرى، أرادت حكومة كوريا الجنوبية إعطاء الأهمية اللازمة لحدث تسعى من خلاله أرض الصباح الهادئ، إرسال رسالة عرفان وصداقة وأخوة ازاء المملكة المغربية.
وهكذا، عرف هذا الحدث حضور نائب وزير شؤون الوطنيين وقدامى المحاربين الكوري، جونغ-جين يون، إلى جانب شخصيات بارزة أخرى من مختلف المشارب، وذلك لتخليد شجاعة الجنود ومساهمتهم، والتي شكلت بداية علاقة صداقة وتعاون نسجها المغرب وكوريا الجنوبية، وتم إغناؤها في جميع المجالات.
وأكد يون، خلال هذا الحفل الذي نظم، بمشاركة سفارة المغرب بسيول، على الدعم القوي الذي قدمته دول؛ مثل المغرب لكوريا في الدفاع عن وجودها، مضيفا أنه فضلا عن الحرب، ساهم التزام دول؛ مثل المغرب، إلى جانب كوريا في قصة نجاح هذا البلد، الذي أصبح اليوم القوة الاقتصادية الرابعة في آسيا.
من جهته، أشار أستاذ الإستراتيجيات العسكرية بالجامعة الوطنية الكورية للدفاع، سون كيونغ هو أوسي، إلى أن مشاركة الجنود المغاربة في الكفاح من أجل الحرية بكوريا يتماشى مع القيم التي التزم بها المغرب على الدوام، لاسيما الدفاع عن السلام والأمن في جميع أنحاء العالم، داعيا لبذل مزيد من الجهود لتثمين مساهمة الدول التي دعمت كوريا خلال الحرب، تقديرا للتضحيات التي مهدت الطريق لظهور هذه القوة الصاعدة.
وفي كلمة بهذه المناسبة، أبرز سفير المغرب لدى كوريا الجنوبية، شفيق رشادي، مساهمة المغرب المستمرة في عمليات حفظ السلام، على غرار الجنود المغاربة الذين خدموا في كوريا تحت راية الأمم المتحدة.
وشدد على أن هؤلاء الجنود ضحوا بأرواحهم من أجل المثل العليا المشتركة للسلام والديمقراطية، مسجلا أن هذه التضحيات ظلت مجهولة لعقود من الزمن، ولكن بفضل الجهود المبذولة، خلال العامين الماضيين، بدأت عملية التعرف على المحاربين وعائلاتهم تؤتي ثمارها؛ مما يساعد على توضيح جزء من تاريخ هذه المنطقة المهمة من العالم.
ومكن هذا الحفل من تسليط الضوء على الجذور العميقة للعلاقات المغربية الكورية، وأهمية البعد الإنساني، والتاريخي لمشاركة المغاربة إلى جانب الكوريين الجنوبيين في هذه الحرب الحاسمة من أجل مستقبل البلد.