أحمد مدياني: التطبيع مع المال السايب.. حلم 2025 يتبخر

أحمد مدياني
أحمد مدياني

تحولت قراءة أخبار ملفات الفساد ونهب المال العام واستغلال السلطة والنفوذ من أجل كنز الثروة غير المشروعة إلى طقس يومي عند المغاربة، دون أن تتحول إلى نقاش عمومي حقيقي وأوراش حقيقية وواقعية، تدفع بالقطع مع إفراغ خزائن الدولة التي تملء بأموال من يدفعون الضرائب وعائدات خيرات الوطن.

تفصلنا أشهر على إسدال الستار على الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. مسرحية انتهت كتابة فصولها، سنة 2015، وتأخر تقديمها حتى سنة 2016، وحددت لها ميزانية قدرت ب1,8 مليار درهم لإنجاح عرضها، لكن مشاهدها وحواراتها دارت، على مدى سنوات، أمام كراس فارغة.

كان يعول من ألفوا سيناريو المسرحية على أن تحصل على تنقيط 60 نقطة من أصل 100 في مؤشر مدركات الفساد لدى دول العالم. لكن أقصى ما حصدته كان عام 2018، حين بلغ تنقيط عرضها 43 نقطة من أصل 100.

ومع قرب عام 2025، يظهر أن حلم بلوغ تنقيط 60 نقطة من أصل 100 تبخر. والأسباب هي التكرار في الأداء والدفع بنفس الممثلين، رغم فشلهم في تشخيص أدوارهم وإغفال تنظيف وتعقيم حيث تعرض المسرحية.

تبخر لأن التقرير الأخير لمؤشر مدركات الفساد لدى دول العالم وضع المغرب في الرتبة 97 عالميا من أصل 180 دولة، مع تسجيل تراجع المملكة بثلاثة مراكز مقارنة بسنة 2022. ووقوف سقف التنقيط من أصل 100 عند النقطة 38.

آخر تقرير رسمي صدر عن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها يشدد على أن "ضعف المتابعات القضائية يفاقم تفشي الفساد في المغرب واستمراره".

وهنا، وجب الإشارة إلى أن أركان الدولة مصابة بهذا المرض العضال الذي قد يفاجئ جسد المملكة، على حين غرة، ويدخلها غرفة الإنعاش.

ما هي هذه الأركان الأساسية التي من خلالها يقاس تقدم الدول في محاربة الفساد؟

هي المؤشرات الأربعة التي بقياس حجم الأداء فيها نحصل على النتيجة النهائية.

1 القطاع العام: تراجع ب17 نقطة في مؤشر مدركات الفساد لدى دول العالم؛

2 السلطة التنفيذية (الحكومة): تراجعت ب10 نقط؛

3 السلطة التشريعية (البرلمان بغرفتيه): تراجع ب8 نقط؛

4 السلطة القضائية: تراجعت ب7 نقط.

هذه الأرقام لها وجه تفسير واحد لا يمكن، بأي حال من الأحوال، وضع مساحيق لإخفاء قبحه؛ وهو أن من يعول عليهم لبلوغ أهداف سنة 2025، وبعد صرف الملايير، يجب أن تصرف عليهم ملايير إضافية لتحسين أدائهم، قبل مراقبة أداء البقية.

كلفة فساد بلغت، حسب تقديرات الجمعية المغربية لحماية المال العام، 50 مليار درهم سنويا. ويتحمل أعباءها الفقراء والفئات الهشة، حسب الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها (مؤسسة رسمية).

وما يرفع درجة حرارة تبخر حلم 2025، هو تطبيع المغرب والمغاربة مع "الفساد المعمم"؛ أي قبول أوجه عديدة من أوجه نهب المال العام وسرقة خيرات الوطن وتوظيف السلطة لكنز الثروة غير المشروعة، مقابل وهم أن هذا التطبيع "يضمن سير الدولة واستقرارها في الحد الأدنى الممكن".

ولا تستغربوا من هذه الخلاصة؛ لأن السواد الأعظم من المسؤولين الذين يصلون إلى كراسي الإمساك برقاب المغاربة، مقتنعون بأن "الفساد جزء من شروط لعبة السياسة والسلطة".

ولمن له شك في ذلك، ليعد إلى حديث وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، تحت قبة مجلس المستشارين، يوم 19 أبريل من سنة 2022، حين قال: "غا نوصلو لواحد الوقت، ما نلقاوش شكون اترشح لينا. غا تيترشح شي حد تيديرو بيه شكاية، وتتفتح الأبحاث. إذا فتحت ضدي بحث، وأنا سياسي، وندوز عام وعامين غادي جاي للمحاكم، أشمن شرعية عندي أمام الناس؟ هاذشي خصو اتحبس".

كلام وزير العدل هنا سبقته إشارة إلى أن هناك من يشتغلون بجمعيات حماية المال العام من منطلق "الابتزاز". لكن منطلقه هو يدخل في خانة الاستثناءات.

ومن قواعد الفقه والقانون أن "الاستثناء يُقدر بقدره، ولا يقاس عليه".

أي أن الاستثناء هو تسجيل حالات "ابتزاز" في شكايات جمعيات حماية المال العام. والقاعدة أن معظم الشكايات لها أسس تستمد صلابتها من واقع أداء المؤسسات، وطنيا ومحليا، ومما هو رائج أمام المحاكم ومتضمن في تقارير رسمية للدولة.

وزير العدل، وفي نفس السياق، خاطب الجمعيات والمواطنين، قائلا: "متابعة أموال الدولة، هذا شغل الدولة. المواطن إلا عندو شي ملاحظة اديرها، وعندو ممثلي الشعب اقولها ليهوم".

والجواب عن دعوته هذه هو المثل القائل: "لمن تعود زَبورَك يا داوُود". لمن يشكي المغاربة حالهم؟ هل للذين يسقطون، تباعا، بجرائم الفساد ونهب المال؟ أم للذين تُلطخ ممارساتهم، سنويا، تقارير المجلس الأعلى للحسابات وغيره من مؤسسات الرقابة؟

وإذا كان لوزير العدل عبد اللطيف وهبي من نصيحة ذهبية تُسرع أداء أفضل لفصل من فصول القطع من مظاهر الفساد، يجب أن يوجهها لنفسه أولا.

وهي امتلاك شجاعة سياسية ووطنية بإعادة طرح مشروع القانون الجنائي، دون أن يسقط منه مادة "تجريم الإثراء غير المشروع".

طرحه وهو يتضمن المادة التي سحب من البرلمان بسببها. قد ينقص من جرعة التطبيع مع المال السايب التي يحقن بها المغاربة، يوميا، ويقلل، إلى حد ما، من تبخر حلم 2025.