بقلم: كمال الهشومي، أستاذ باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس - الرباط
بمناسبة افتتاح الدورة الثانية من الولاية البرلمانية 2021-2026، وتطبيقا للدستور، المرجع الأسمى للتوازن المؤسساتي، تم تنفيذ كل ما يرتبط بشروط الافتتاح الدستورية والقانونية لكل مجلس وهو أمر اعتاد عليه البرلمان كمسطرة تابته وعادية، اللهم اختلاف المسؤولين الذين يتناوبون على هذه القبة وفقا للتقاليد الديمقراطية وللقوانين ذات الصلة.
لكن ما يجب الانتباه اليه خاصة على مستوى الاختصاصات ثم اللغة المستعملة على مستوى إصدار البلاغات والتي تدبج بناء على المرجعية الدستورية و/أو طبقا للأنظمة الداخلية للبرلمان، فوجب التدقيق لأننا أمام حمولة دستورية تنعكس على اختصاصات وتأويلات قانونية تحكم التصرف والمبادرة القانونية، والأدل على ذلك ما أقدم عليه السيدين رئيسي المجلسين بخصوص الإبلاغ بانعقاد جلسة عمومية مشتركة مخصصة لتقديم الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة (البلاغ المشترك لرئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين ل12 ابريل 2024)، ثم البلاغ الذي يخبرا به بتأجيل هذه الجلسة موقع من نفس الجهة (بلاغ 16 ابريل 2024).
إن الدراسة الشكلية والموضوعية لهذين البلاغين يثيران العديد من الملاحظات الدستورية والقانونية؛ هذا البلاغ الذي تم الاستناد فيه على الفصل 101 من الدستور، هذا الأخير الذي يشير في فقرته الأولى بأن "يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين.. ...).
باستقراء هذا الفصل وما تتضمنه المادة 248 من النظام الداخلي لمجلس النواب والمادة 274 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين، وبالمقارنة مع ما تضمنته الحمولة اللغوية للبلاغ فإنه يتم تسجيل عيب على مستوى الصياغة، حيث إن الفصل المعني يعطي هذا الحق في المبادرة لرئيس الحكومة، او لثلث أعضاء مجلس النواب او لأغلبية أعضاء مجلس المستشارين، وعليه فإنه من الواجب ارفاق الإشارة الى الفصل 101 صيغة "وبمبادرة من رئيس الحكومة"، على اعتبار تصريح السيد الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان خلال الندوة الصحفية الأسبوعية التي أعقبت اجتماع مجلس الحكومة ليوم الخميس 18 ابريل 2024، والذي أكد أن المبادرة حكومية، وهو تحصيل حاصل لكون مجلس النواب خاصة لم يستكمل أجهزته بعد، حيث يتم الحرص أن يكون الحق الممارس سليما من الناحية الدستورية وتسجيل حقوق الجهة المبادرة من جهة، ومن جهة أخرى مدى تقييم هذا التمرين الدستوري الذي يمنح للممثلي الأمة كذلك هذا الحق الرقابي المتميز الذي يعتبر من كنه اختصاصات البرلمان. وعلى سبيل المثال يمكن الاهتداء بالمرجعية المعتمدة لبلاغات المجلس الوزاري بمناسبة التبليغ بقرارات أو تعيينات هذا الأخير، حيث يتم الاشارة دائما إلى مصدر المبادرة مقرونة برقم الفصل الدستوري. وعليه فإن مجموعة من بلاغات المجلسين وجب الانتباه الى صياغتها على مستوى الشكل، وتجاوز بعض التقاليد والأعراف التي تتعارض مع روح ومنطوق النص الدستوري والنص القانوني.
أما على مستوى النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، فإن هذين النظامين حددا وقننا بشكل مضبوط كيفية تنظيم الجلسات العمومية المشتركة، ومنها تلك المخصصة لعرض الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة من طرف رئيسها، حيث اعتمدا تقريبا نفس الصيغة المتمثلة في الجهة التي تحدد تاريخ الجلسة المشتركة والمتمثلة في مكتبا المجلسين، وليس من طرف رئيسا المجلسين، وهو أمر بالغ الأهمية من عدة جوانب، على اعتبار أن المكتبين يتشكلان من أغلبية ومعارضة على قاعدة التمثيل النسبي طبقا للفصل 62 من الدستور وتوابعه، والتي تضمن للمعارضة حقوقا دستورية بالبرلمان، وحيث إن خلفية المشرع تركز على ذلك التوازن المؤسساتي بين الأغلبية والمعارضة على اعتبار أن رئيس مجلس النواب خاصة ينتمي الى الأغلبية، وحماية لهذا التوازن فقد أعطى المشرع هذا الاختصاص للمكتب وليس للرئيس.
وإذا اعتبرنا جدلا أن السيد رئيس مجلس المستشارين قد اجتمع مع مكتبه واتفق معهم على موعد الجلسة على اعتبار أن هذا المجلس لازال مكتبه يواصل عمله الدستوري ولم تنقضي بعد مدة نصف الولاية، فلا ينطبق الأمر نهائيا على مجلس النواب الذي انفرد رئيسه بالقرار ووقع على البلاغ الى جانب رئيس مجلس المستشارين، وهو تصرف مخالف للنظام الداخلي باعتباره بمثابة قانون تنظيمي من جهة، ومن جهة اخرى لروح وخلفية المشرع، بحيث وقع رئيس مجلس النواب على البلاغ في نفس يوم تجديد الثقة فيه كرئيس، ودون ان ينتظر استكمال انتخاب أجهزة المجلس أو على الأقل مكتب المجلس، مما يتضح معه الخرق القانوني الكبير لاختصاصات المكتب بناء على المادة 248 من النظام الداخلي.
ونفس الأمر في الاتجاه المعاكس، فان إعادة إصدار بلاغ آخر يلغي فيه هذه الجلسة العمومية، هو أمر معيب لأنه غير متضمن في أي مادة من مواد النظام الداخلي، باعتبار أحقية مبادرة الرئيس لوحده في ذلك، إذ يمكن اعتبار سلطة التنظيم هي سلطة الإلغاء، وبالتالي في غياب مكتب المجلس فان الرئيس ليس من حقه لا الدعوة ولا الإلغاء.
ومن جهة أخرى فإن ما أسفرت عنه عملية انتخاب مكتب مجلس النواب لم يحترم قرار المحكمة الدستورية رقم 209/23، حيث تم التمادي في هذا الخرق رغم التنبيه الذي سبق وتم إبلاغه للمكتب المنتخب في نصف الولاية الأولى، هذا القرار الذي أصدرته المحكمة الدستوري بمناسبة تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب من طرف الرئاسة والمكتب السابق، الأمر يتعلق بالمادتين 28 و136 والتي اعتبرتهم المحكمة الدستوري أنهما غير مطابقتا للدستور، وبأنهما أغفلتا قواعد تضمن تمثيل المعارضة البرلمانية بواسطة الفرق التي اختارت الانتماء اليها، في منصبي المحاسب والأمين بمكتب المجلس حسب الحالة المعروضة.
هذا القرار الذي اعتبر إن مكتب مجلس النواب، حين انتخاب أعضائه على أساس التمثيل النسبي لكل فريق، طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 62 من الدستور، يعد جهازا ذا طبيعة جماعية، أسند له الدستور، علاقة بالمادتين المعروضتين، تدبير مهام متعلقة، على وجه الخصوص، بالتشريع والرقابة وبالترشح للعضوية بالمحكمة الدستورية، على النحو المقرر، في مجموعة من الفصول الدستورية 67 (الفقرة الرابعة)، و78 (الفقرة الثانية)، و81 (الفقرة الثانية) و82 (الفقرة الأولى)، و85 (الفقرة الأولى)، و92 (الفقرة الأولى)، و130 (الفقرة الأولى)، فضلا عن مهام التسيير الإداري والمالي على النحو المنصوص عليه في المادة 42 من النظام الداخلي المعروض. واعتبارا لما خوله الدستور للمعارضة البرلمانية من حقوق بمقتضى الفصلين 10 و69 منه، حيث لا يتخلف ما يحدده النظام الداخلي بشأن كيفيات ممارستها، عما سبق أن سنه من قواعد، ضمانا للمكتسب من حقوق المعارضة وسعيا مطردا إلى كفالة تلك الحقوق وضمان ممارستها في نطاق هذا الدستور، وعليه لا يجب أن تقل النسبة المخصصة للمعارضة، سواء في تشكيل أجهزة المجلس أو في ممارسة مختلف أدوارها في التشريع والرقابة والأنشطة الداخلية للبرلمان والديبلوماسية البرلمانية عن نسبة تمثيليتها في المجلس. لكل ذلك اعتبر أن المادتين المشار اليهما مخالفتين للدستور وبالتالي وجب تعديلهما والاحتفاظ بالصيغة القديمة التي جاءت في المادة 23 والسارية المفعول الى حين تنظيم هذه الانتخابات، والتي لا يمكن على أية حال تغييرها على مستوى المضمون، على اعتبار أن قرارات المحكمة الدستورية غير قابلة للطعن أو الاستئناف.
ولأجل كل ما سبق فإن رئيس مجلس النواب لما يخوله له الدستور والقوانين التنظيمية ذات الصلة والقوانين الجاري بها العمل من صلاحيات بصفته، قد خرق الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب على مستوى مسطرة الدعوة الى الجلسة المشتركة للبرلمان لتقديم الحصيلة المرحلية من طرف رئيس الحكومة، ثم على مستوى إشرافه واعتماده نتائج انتخاب أعضاء مكتب المجلس بالصيغة التي عليها.
إن البرلمان الذي ارتقى به دستور 2011 الى سلطة ومتعه باختصاصات متقدمة في سياق دمقرطة الحياة العامة وشرعنة النظام السياسي المغربي برمته، يجب أن يكون مستوعبا من طرف الفاعل الحزبي والسياسي والبرلماني نفسه، لأن تجاوز صلاحياته أو خرقها أو تهميشها أو حتى سوء تنفيذها لا يخدم بتاتا البناء المؤسساتي الدولة، ويضرب بعمق التراكم الديمقراطي والنضالي الذي عرفه المغرب من خلال مسيرته الدستورية والتقاطبات السياسية، وإن هذا الحرص يجب ان يكون منطلقا لكل الفاعلين بالساحة السياسية المباشرين وغير المباشرين مهما اختلفت التموقعات الحزبية الفكرية والأيديولوجية، ومهما بلغت سيطرة الأغلبية باسم النتائج الديمقراطية ومهما ضعفت الأقلية، تجنبا ل"تغول" ديمقراطي ظرفي لا تحسن حساباته.