يصل وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى العاصمة السعودية، غدا الاثنين، مع تراجع فرص التوصل إلى اتفاق تاريخي طويل الأمد تعترف بموجبه المملكة الخليجية بإسرائيل، بحسب محللين.
وتأتي زيارة بلينكن بعد قرابة سبعة أشهر من اندلاع الحرب في غزة التي عرقلت مساع دبلوماسية أمريكية كانت تهدف إلى تحقيق إنجاز كبير تتباهى به إدارة الرئيس جو بايدن لناحية سياستها الخارجية.
كذلك، تأتي زيارة بلينكن الحالية إلى السعودية، فيما يستعد الأمريكيون للانتخابات الرئاسية المقررة في نونبر، والتي سيختارون خلالها ما إذا كانوا سيمنحون بايدن البالغ 81 عاما ولاية ثانية؛ ما قد يؤخر التقدم الذي تم إحرازه في مسار التطبيع المحتمل بين المملكة وإسرائيل.
لكن الأمير محمد، الحاكم الفعلي لبلاده، أكد يومها، أيضا، أن القضية الفلسطينية "مهمة جدا" بالنسبة للرياض، مشيرا إلى "أننا بحاجة إلى تسهيل حياة الفلسطينيين".
ومع استمرار القتال في قطاع غزة، وبذل الوسطاء جهودا حثيثة للتوصل إلى هدنة، لكن بدون جدوى، إلى حدود الساعة، شدد المسؤولون السعوديون على ضرورة الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة.
وقالت السفيرة السعودية لدى واشنطن، الأميرة ريما بنت بندر آل سعود، أمام المنتدى الاقتصادي العالمي، في يناير، إن التطبيع سيكون مستحيلا من دون مسار "لا رجعة فيه" نحو إنشاء تلك الدولة.
ويقول المحلل السعودي، عزيز الغشيان، إنه ليس من المستغرب أن تربط السعودية إقامة علاقات مع إسرائيل بحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكن "ثمن التطبيع، خاصة على الجبهة الفلسطينية، ارتفع بالتأكيد".
ويؤكد أن "ما يمكن قوله هو أنه يجب أن يكون هناك شيء ملموس أكثر من كونه نظريا... بعبارة أخرى، (ينبغي أن يتوافر) المزيد من الخطوات الواضحة التي لا رجعة فيها، وليس مجرد وعود".
وأفادت الخارجية الأمريكية بأن بلينكن سيتباحث، خلال زيارته للرياض، الاثنين والثلاثاء، حول "ممر إلى دولة فلسطينية مستقلة، مع ضمانات أمنية لإسرائيل".
وخلال مناظرة انتخابية، عام 2019، تعهد بايدن بمعاملة الأمير محمد باعتباره "منبوذا"، على خلفية مخاوف يثيرها سجل السعودية في مجال حقوق الإنسان.
لكن بعدما زار بايدن مدينة جدة، وصافح ولي العهد، في يوليوز 2022، سعت إدارته جاهدة للتوصل إلى اتفاق سعودي إسرائيلي من شأنه أن يبني على اتفاقات أبراهام، التي اعتبرت إنجازا كبيرا حققته السياسة الخارجية في عهد سلفه دونالد ترامب.
وأشار السعوديون إلى أنهم يريدون أكثر مما حصل عليه جيرانهم الخليجيون بموجب اتفاقات أبراهام، ويفاوضون، بشراسة، للحصول على مكاسب؛ مثل ضمانات أمنية أمريكية، ومساعدة في تطوير برنامج نووي مدني قادر على تخصيب اليورانيوم.
وفي الأشهر التي تلت ذلك، أدلى مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون بتصريحات متفائلة، فيما لم يصدر عن السعوديين الكثير.
وتقول إلهام فخرو، من معهد "تشاتام هاوس" البريطاني، إن نفوذ قادة السعودية الذي يعززه وضعهم كزعماء للعالم الإسلامي، لم يكن يوما موضع شك.
وتؤكد أن "السعودية تدرك مدى رغبة إدارة بايدن في التوصل إلى اتفاق"، مضيفة "أنها تدرك، أيضا، أنه لا توجد دولة عربية أخرى تتمتع بالقدر نفسه من النفوذ الذي تتمتع به هي للضغط من أجل الفلسطينيين".
وتوقف الزخم، فجأة، بعد القصف العنيف للجيش الإسرائيلي على قطاع غزة.
ولطالما دانت الرياض ممارسات للجيش الإسرائيلي في غزة، واتهمتها، هذا الأسبوع، بارتكاب "جرائم حرب شنيعة دون رادع".
وحتى لو توقف القصف العنيف على غزة، يشكل التوصل إلى اتفاق سعودي إسرائيلي أمريكي مهمة صعبة.
وتعتبر فخرو أنه "سيتعين على الولايات المتحدة أن تقدم شيئا ما، وليس أي من شروط (أو طلبات) السعودية سهلا"، مشيرة إلى أن "اتفاقية دفاعية يجب أن تمر عبر الكونغرس، والموافقة عليها هناك ليست مضمونة على الإطلاق".
وتزيد ضغائن السياسية المنتهجة في فترة الانتخابات الأمريكية من صعوبة التوصل إلى توافق بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي.
كذلك، أكد نتنياهو، مرارا، معارضته لإقامة دولة فلسطينية، قائلا، الشهر الماضي، إن الإسرائيليين يؤيدون موقفه.
ونظرا إلى الموقف السعودي، يعني ذلك أنه من غير المرجح تحقيق اختراق، قريبا.
ويؤكد مراقبون للدبلوماسية السعودية أن هذا الموقف ليسا مفاجئا، رغم موجة الاجتماعات والبيانات الأخيرة.
ويقول المحلل السعودي، هشام الغنام: "منذ البداية، كانت السعودية واضحة: معالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بطريقة ترضي الفلسطينيين شرط مسبق للتطبيع مع إسرائيل"، مضيفا أن "السعودية صادقة في شرطها أن التطبيع يرتبط بإنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية".