أفاد الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، اليوم الاثنين، بفاس، بأن "خلايا التكفل بالنساء والأطفال بالنيابات العامة استقبلت، خلال سنة 2023، ما مجموعه 35355 طفلا، منهم 26770 طفلا ضحية و1294 طفلا في وضعية صعبة، إلى جانب 7394 طفلا في خلاف مع القانون، تم الاستماع إليهم ومرافقتهم وتوجيههم نحو الخدمات القانونية أو الاجتماعية أو النفسية أو الصحية وغيرها".
وتابع الداكي، في كلمة ألقاها، بمناسبة اللقاء الوطني لتتبع تنزيل مخرجات المناظرة الوطنية حول: "حماية الأطفال في تماس مع القانون - الواقع والآفاق"، المنعقدة يومي 10 و11 يونيو الجاري، أن "النيابات العامة تعمل على تفعيل دورها التنسيقي بين مختلف المتدخلين، من قطاعات حكومية وغير حكومية ومجتمع مدني، عبر اللجن المحلية والجهوية للتكفل بالنساء والأطفال، بما يضمن تنسيق الخدمات وتكاملها، تحقيقا للمصلحة الفضلى لهذه الفئات، في المقام الأول".
ومن أجل توحيد وتجويد أداء النيابات العامة على المستوى الوطني، يسجل المسؤول القضائي، "حرصت رئاسة النيابة العامة على توجيه العديد من الدوريات تحث من خلالها قضاة النيابة العامة على تعزيز الحماية القانونية للأطفال من كل أنواع العنف والاستغلال وإساءة المعاملة والإهمال، وتجنيبهم كل الأوضاع الضارة بهم، أو المفضية إلى إهدار كرامتهم، مع الحرص على التطبيق الصارم للقانون في مواجهة كل من يرتكب أفعالا جرمية في حقهم، وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب".
وأشار الداكي إلى أن "هذه الدوريات لم تقتصر على مجالات الحماية المقررة لفائدة الأطفال فحسب، بل امتدت لتشمل جوانب وقائية هامة؛ يأتي في مقدمتها الحد من زواج القاصر، وذلك بإصدار توجيهات واضحة لأعضاء النيابة العامة، قصد العمل على تقديم الملتمسات التي تشدد على الطابع الاستثنائي لهذا الزواج، وفقا لمنظور المشرع المغربي في هذا الإطار، مع الحرص على إنجاز الأبحاث الاجتماعية والخبرات الطبية والنفسية الضرورية لفائدة القاصر، مراعاة لمصلحتها الفضلى، ولتجنيبها مخاطر الزواج المبكر وآثاره الوخيمة على حاضرها ومستقبلها".
وذكر المسؤول القضائي بأن هذا اللقاء يلتئم بعد مرور سنة على انعقاد المناظرة الوطنية التي نظمتها رئاسة النيابة العامة، بشراكة مع وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، وبدعم من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، أيام 19-20-21 يونيو 2023، حول موضوع: "حماية الأطفال في تماس مع القانون - الواقع والآفاق"، تحت شعار: "من أجل تكفل ناجع ومندمج بالأطفال في تماس مع القانون"، والتي توجت فعالياتها بـ"التوقيع على اتفاقية ثلاثية الأطراف بين كل من رئاسة النيابة العامة، ووزارة الشباب والثقافة والتواصل، ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة؛ وهي الاتفاقية التي أحدثت إطارا عاما للتعاون والشراكة بين الأطراف.
وتابع أنها رتبت، أيضا، التزامات مشتركة؛ في مقدمتها "إعداد بروتوكول حماية يوضح خدمات التكفل بالأطفال في تماس مع القانون"، و"توفير إيواء متخصص وفعال لمختلف فئات الأطفال، وخاصة الأطفال في وضعية صعبة، وكذا الأطفال ضحايا الجريمة"، و"تشخيص الوضعية الراهنة للأطفال المودعين بمراكز حماية الطفولة التابعة لوزارة الشباب والثقافة والتواصل، لتيسير وتفعيل عملية التصنيف من قبل الأطراف"، و"تشخيص وجرد آليات الحماية الاجتماعية المتوفرة ترابيا، من مراكز ومؤسسات تربوية وغيرها، وإعداد قائمة بذلك توضع رهن إشارة الأطراف".
وقال الداكي إنه "تفعيلا لهذه الالتزامات، اغتنمت وزارة التضامن الإدماج الاجتماعي والأسرة مناسبة الاحتفاء باليوم الوطني للطفل، هذه السنة، للتوقيع على اتفاقية متعددة الأطراف تم بمقتضاها إعطاء الانطلاقة لـ"البروتوكول الترابي للتكفل بالأطفال في وضعية هشاشة"، الذي تم وضعه في إطار عمل مشترك جاد وبناء بين رئاسة النيابة العامة، ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، جسد مفاهيم العمل التشاركي، والتقائية الأدوار، ووحدة الأهداف".
وأضاف أن "هذا البروتوكول الذي شكل وثيقة مرجعية تحدد مهام ومسؤولية كل متدخل على حدة، وكذا الخدمات النموذجية الواجب توفيرها لكل طفل حسب وضعيته، تميز باستحضاره لمختلف المراحل التي قد يمر منها الطفل في حاجة للحماية، عبر مستويي الوقاية الأولية والمتقدمة، لتجنيبه وضعية التماس مع القانون، والتعرض للخطر، ليفصل، بعد ذلك، مسار التكفل به قضائيا داخل مدار الحماية متى قدر له التماس مع القانون، سواء كطفل في وضعية صعبة، أو ضحية لفعل جرمي وفي وضعية مخالفة للقانون، وذلك عبر مختلف المراحل التي يمر منها، انطلاقا من عملية الرصد والتبليغ، وإلى غاية اتخاذ التدبير المناسب له وإمكانية مراجعته، من أجل تأهيل الطفل وإدماجه في إطار مشروع حياة متكامل يضمن عودته الآمنة للحياة، بعيدا عن الوصم بمختلف أبعاده النفسية والصحية والاجتماعية".
و"نظرا لأهمية التنسيق بين المتدخلين في مجال حماية الطفولة، وضع البروتوكول الترابي تصورا واضحا يحدد آليات التنسيق المعنية ونطاق تدخلها، من خلال مستويين رئيسيين؛ الأول يعنى بالتنزيل الترابي للسياسات العمومية والتكفل الاجتماعي بالأطفال في وضعية هشاشة، والذي تشرف عليه اللجن الإقليمية لحماية الطفولة، والثاني يهم التكفل القضائي بالفئات المستهدفة، والذي تشرف على تنسيقه اللجن المحلية والجهوية للتكفل بالنساء والأطفال، التي ترأسها النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة"، حسب الداكي.
وأبرز المتحدث نفسه أنه "من نفس المنطلق، ومن أجل الارتقاء بخدمات التكفل القضائي بالأطفال، والرفع من مستوى أداء قضاة النيابة العامة، عند تدبيرهم لقضايا الأطفال في تماس مع القانون المعروضة عليهم بما يتلاءم والمعايير الدولية المؤطرة لعدالة الأحداث، بادرت رئاسة النيابة العامة إلى فتح مجموعة من الأوراش تسعى من خلالها إلى تنفيذ التزاماتها بمقتضى نفس الاتفاقية؛ أبرزها العمل على وضع دليل بشأن "تحديد مؤشرات نجاعة التكفل بالأطفال في تماس مع القانون"، باعتباره وثيقة مرجعية ستساهم في تكريس مفهوم العدالة الصديقة والناجعة للأطفال".
وتابع الداكي أنه "اعتبارا للأهمية التي يكتسيها توفير الإيواء المناسب للأطفال في تماس مع القانون باختلاف وضعياتهم، ومن أجل الوقوف على واقع هذه الخدمة ورصد الإمكانات المتاحة، من جهة، والصعوبات والتحديات المرتبطة بها، من جهة أخرى، عملت رئاسة النيابة العامة على إجراء تشخيص لواقع مراكز الإيواء التي تستقبل الأطفال، بناء على مقررات قضائية على مستوى مختلف الدوائر القضائية بالمملكة، معتمدة في ذلك على مجموعة من العناصر والمحددات؛ من بينها التوزيع الجغرافي لهذه المراكز، وتخصصها، وطبيعة الفئات المستهدفة من قبلها، وطاقتها الاستيعابية، وغيرها؛ حيث أفرزت المعطيات المتوصل بها من النيابات العامة، وكذا الجهات الوصية على تلك المراكز، وجود تفاوت على مستوى توزيعها الجغرافي، وكذا تغطيتها لمختلف فئات الأطفال".
وأوضح أنه "إذا كانت بعض الدوائر القضائية تتوفر على عدد من المراكز قد يفي باحتياجات إيواءهم، فإنه تم تسجيل عدم توفر دوائر أخرى على أي من هذه المراكز؛ الأمر الذي يطرح صعوبات عملية في تدبير هذه الخدمة، وينعكس سلبا على مسار التكفل القضائي بالأطفال، كما تم تسجيل نقص هام في المراكز المخصصة لاستقبال بعض الفئات، كما هو الشأن بالنسبة للأطفال في وضعية إعاقة أو الأطفال المدمنين؛ وهو ما يدعونا إلى تكثيف الجهود لتجاوز هذه التحديات، ضمانا لتكفل ناجع بهذه الفئات".
وفي نفس السياق، وتنفيذا للالتزام المشترك بمقتضى نفس الاتفاقية بشأن تشخيص الوضعية الراهنة للأطفال المودعين بمراكز حماية الطفولة، أبرز الداكي أنه "تم العمل على جرد الأطفال في وضعية صعبة المودعين بالمراكز المذكورة، بغية نقلهم إلى المؤسسات الاجتماعية، رعيا لمصلحتهم، وذلك في إطار اجتماعات تنسيقية بين الأطراف الموقعة على الاتفاقية، وفق مؤشرات ومعطيات دقيقة مكنت من تحديد احتياجات كل طفل حسب وضعه الخاص".
وسجل المسؤول القضائي أن "مجموع الأطفال الموجودين في وضعية صعبة والمودعين بمراكز حماية الطفولة بلغ ما مجموعه 266 طفلا وطفلة، تم تجميع مختلف المعطيات والبيانات اللازمة لتيسير اختيار التدبير الأنسب لهم، ونقلهم إلى وسطهم الأسري، أو إلى مؤسسات اجتماعية معنية بالتكفل بأوضاعهم الصعبة"، مشيرا إلى أنه "لتنزيل هذه المبادرة، عملت رئاسة النيابة العامة، بمعية النيابات العامة، على تقديم الملتمسات الضرورية لقضاة الأحداث والمستشارين المكلفين بالأحداث، لتغيير التدبير المتخذ في حقهم، وفق المعايير السالفة الذكر".
وأكد الداكي أنه "إيمانا منها بأن أي تدبير يتم اتخاذه لفائدة الطفل، كيفما كانت وضعيته، تكون الغاية الأسمى منه هي تأهيله وإعادة إدماجه، على الوجه السليم، كفرد صالح داخل المجتمع، بعيدا عن المؤسسات السجنية، بادرت رئاسة النيابة العامة إلى التنسيق مع المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج من أجل تشخيص وضعية الأطفال في خلاف مع القانون المودعين بهذه المؤسسات، والذين يزيد عددهم عن 1000 طفل، في أفق الاشتغال على تجنيبهم التدابير السالبة للحرية، والاستعاضة عنها بمختلف الخيارات المتاحة قانونا وواقعا، من أجل التكفل بهم وفق ما تفرضه المقاربة الإصلاحية والتأهيلية لعدالة الأحداث"، مذكرا بأنه "في إطار التفاعل الإيجابي مع هذه المبادرة، شرعت السلطات القضائية المختصة في تغيير تدبير الإيداع لصالح عدد من هؤلاء الأطفال".