التأمين الصحي الإجباري في خطر

تيل كيل

ترجمة: بشرى الردادي

مشروع ملكي ومشروع اجتماعي بامتياز، التأمين الصحي الإجباري في خطر. تمتص تمويلاته من قبل القطاع الخصوصي في مجال الصحة والصناعة الدوائية؛ بحيث يعتبر بمثابة البقرة الحلوب، على حساب المغاربة والمالية العمومية.

عندما تسلك شارع عبد الرحيم بوعبيد، الممر الطرقي الذي يربط أحياء حي الرياض وأكدال في الرباط، فمن الصعب أن تفوتهما.

في قلب أرض مساحتها 13 هكتارا، تهيمن الحركة المستمرة تقريبا لهذه الرافعات الحمراء على المشهد. يبدو الموقع الإنشائي مثيرا للإعجاب، وربما مربكا من حيث الارتفاع، بالنسبة لمدينة معتادة على الأبنية التي تصل إلى الطابق الرابع فقط.

تعزز هذا الانطباع الرافعات التي تعمل، بجد، على مشروع المستشفى الجديد، القريب من مؤسسة الشيخ زايد.

تم إطلاق مشروع مستشفى جامعي جديد اسمه "مستشفى ابن سينا"، من طرف الملك محمد السادس، في ماي 2022. وسيتيح هذا المشروع تزويد العاصمة بمستشفى حديث يتضمن برجا للإقامة الاستشفائية يتكون من 33 طابقا، ومركزا للتقنيات الطبية، بالإضافة إلى برج آخر يتكون من 11 طابقا مخصص لمكافحة الأمراض القلبية والوعائية.

ومن ناحية التكلفة المالية، تم تخصيص 6 مليارات درهم لهذا المشروع الضخم، الذي من المتوقع أن يتم تسليمه، في عام 2026. وفي مكان آخر، مازال مستشفى ابن سينا الحالي يعمل، بشكل مستمر.

المسؤولون الذين يعملون فيه، يوميا، لا يعرفون ماذا سيحمل لهم المستقبل؛ لأنه لم يتم، إلى حدود الساعة، البدء في أي سياسة للنقل من قبل مسؤولي المؤسسة.

كما هو الحال دائما، يعاني المستشفى من العديد من المشاكل التي تعيق عمله: سوء الإدارة، نقص المعدات والموارد البشرية... خصوصا أن مستقبل الموارد البشرية يبدو غامضا، حاليا.

الفراغ في كلية الطب المجاورة يتناقض مع نشاط الغزارة في موقع البناء. الطلاب تركوا مدرجات الدراسة، ودخلوا في إضراب، منذ أكثر من ستة أشهر، للاحتجاج على قرار الحكومة بتقليص مدة التكوين الطبي من 7 إلى 6 سنوات. هي ترفض التراجع عن هذا القرار، ولكنها زادت من الجهود للتواصل معهم، رغم إصرارهم على مطالبهم الأساسية.

يكاد يكون من الصعب أن تتساءل ما إذا كان سيتمكنون، في يوم من الأيام، من التواجد والعمل في أروقة المستشفى الجديد، المنشأ على بعد خطوات قليلة من كليتهم...

على بعد بضعة كيلومترات من هناك، في قلب العاصمة، يواجه رجل قضية أكثر إلحاحا. بالنسبة لعبد العزيز عدنان، المدير العام لـ"CNOPS"، مسألة الموارد البشرية في قطاع الصحة هي، بالطبع، مسألة هامة. وأكثر من ذلك، يتساءل المسؤول، بشكل أكبر، حول استدامة نظام الصحة، على المدى المتوسط ​​والطويل.

ويعتبر صندوق "CNOPS" فاعلا رئيسيا في عملية تعميم التأمين الصحي الإجباري (AMO)، التي يرغب فيه عاهل البلاد.

ويتوقع عبد العزيز عدنان أن خطرا يلوح في الأفق. "فالتوازن المالي غير المستقر لنظام التأمين الصحي الإجباري يشكل تهديدا حقيقيا بإفلاس النظام. وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة، بحلول عام 2030، فإنه قد يسير نحو الانهيار"، وفقا لرأي عدد من الخبراء الذين استشارتهم مجلة "Telquel"؛ بحيث "يعود الخطأ، كما هو الحال غالبا، إلى نقص في التنسيق، وفي الحوكمة الواضحة.

الإرادة الملكية

هي الإرادة الملكية التي تقف وراء التأمين الصحي الإجباري. ففي خطاب العرش الذي ألقاه الملك محمد السادس، في وقت جائحة "كورونا"، أعلن أن "الوقت حان لبدء عملية تعميم التغطية الاجتماعية، خلال الخمس سنوات القادمة، لصالح جميع المغاربة".

المشروع ضخم، ولا يمثل سوى أحد أربعة أركان لإصلاح التغطية الاجتماعية.

يتم تخصيص 14 مليار درهم فقط لتعميم التأمين الصحي الإجباري. ولتمويل هذا البرنامج، تعتمد الدولة على زيادة الإيرادات الضريبية، بالإضافة إلى توسيع قاعدة الضريبة، كما أشار وزير المالية، فوزي لقجع، خلال مداخلته الأخيرة في البرلمان.

المشروع يتمتع، أيضا، بدفع تشريعي معين. ففي عام 2021، تم اعتماد 28 مرسوما من قبل رئيس الحكومة، لضمان إمكانية الحصول على التأمين الصحي الإجباري (AMO) لثلاثة ملايين من العاملين غير الأجراء (TNS)، وهي الفئة التي تضم، بشكل خاص، المهن الحرة وأصحاب الأعمال الفردية والتجار، بالإضافة إلى أفراد أسرهم. وفي نهاية عام 2022، اعتمد البرلمان مشروع قانون قدمته وزارة الصحة، والذي يسمح لأربعة ملايين من المستفيدين من برنامج "راميد"، و6 ملايين من أفراد أسرهم، بالاستفادة من" AMO تضامن". وستتولى تغطية مساهماتهم من خلال ميزانية الدولة.

هذه التطورات مكّنت حكومة أخنوش من ضمان استفادة 22 مليون شخص إضافي من التأمين الصحي الإجباري. حملة توسيع رفعت عدد المغاربة الذين يمكنهم الاستفادة من "AMO" إلى 29.8 مليون شخص.

بدأت الآلية الاجتماعية، بالفعل، في العمل، وتأثيرها الإيجابي على الملايين من المغاربة لا يمكن إنكاره. ولكن في حالة عدم اتخاذ الحكومة لإجراءات فعّالة، قد تُعرقل هذه الآلية الجميلة، وربما تتوقف تماما؛ مما يعرض ملايين المواطنين للخطر.

الإنفاق غير المتحكم فيه

أين يكمن الخلل؟ يكمن في أن النفقات على التأمين الصحي الإجباري (AMO) تتجاوز، بشكل كبير، عائداته، والموضوع يتجه نحو التفاقم.

وفي هذا الصدد، يقول عبد العزيز عدنان: "لقد أطلقنا مشروعا طموحا، لكن يبدو أن لا أحد لديه فكرة دقيقة عن تكاليفه".

كما أكد أنه "في غياب دراسة تأمينية شاملة، يبدو أن الدولة لا تملك خارطة طريق".

يجب أن تأخذ هذه الدراسة بعين الاعتبار النفقات والإيرادات لجميع الأنظمة، بالإضافة إلى تطور طبيعة وتكاليف نفقات التأمين الصحي الإجباري (AMO).

إلا أن اليوم، تدير كل مؤسسة مهامها، بشكل معزول. وعلى الرغم من أن الوكالة الوطنية للتأمين الصحي (ANAM) مسؤولة عن تنسيق التأمين الصحي، إلا أنها كانت غائبة، بشكل كبير، في هذا المجال.

لقد ساهمت أفعالها، ولا سيما تقاعسها، بشكل كبير، في تفاقم وضع الجهات الإدارية، كما توضح الاتفاقيات الوطنية التي حاولت "ANAM" فرضها على "CNOPS" و"CNSS"، في عام 2020، لو تم تطبيقها، لكان الوضع المالي للجهات الإدارية، اليوم، صعبا، ولما كان هناك حديث عن تعميم التأمين الصحي.

استبدال "ANAM"، في المستقبل، بالهيئة العليا للصحة، التي أُعلنت كمؤسسة إستراتيجية، خلال أحدث اجتماع لمجلس الوزراء، برئاسة الملك محمد السادس، قد يكون فرصة لتأمين رقابة حقيقية على النظام. وفي انتظار ذلك، تستمر النفقات في الارتفاع: الأدوية، والتحاليل، والأجهزة الطبية، والأشعة... والعداد مستمر في العمل.

أدوية غالية جدا

تعد أسعار الأدوية بالمغرب أبرز مثال على غياب الحوكمة التي يعاني منها التأمين الصحي الإجباري.

لقد مرت أكثر من عشرين سنة على التقارير والدراسات والمقارنات، التي أدت جميعها إلى استنتاج واحد: الأدوية في المغرب غالية جدا، للغاية، علما أن أسعارها يمكن أن تنخفض من 30 إلى 50 في المائة، بقرار بسيط من الحكومة.

"حتى 80 في المائة من الأدوية التكلفة العالية"، يؤكد لنا خبير درس أسعار العديد من المنتجات الطبية في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، لا شيء يقنع الحكومة بالتحرك.

ويضيف الخبير نفسه: "حتى وإن كانت لا تمثل سوى 25 إلى 30 في المائة من نفقات التأمين الصحي الإجباري، يمكن أن يمثل خفض أسعارها، بشكل كبير، عدة مليارات من الدراهم للتأمين الصحي الإجباري". ومع ذلك، وفي ظل الاستياء العام، تميزت الحكومات المختلفة المتعاقبة بالتقاعس في هذا المجال.

قوة بعض اللوبيات لمستوردي ومصنعي الأدوية تعرقل أي عمل من قبل الجهات الإدارية. وبالتالي، فقد تضاعف عدد الأدوية المشمولة بالتأمين الصحي الإجباري (AMO) أكثر من أربع مرات، خلال 18 عاما؛ حيث ارتفع من 1001 إلى 4825.

أما عدد الأجهزة الطبية المشمولة، فقد تضاعف أكثر من خمس مرات؛ حيث ارتفع من 168 إلى 883.

والأسوأ من ذلك أن هذا التوسع تم في "غياب مؤسف للدراسات الطبية الاقتصادية والتأثيرات"، كما تشير وثيقة من "CNOPS" اطلعت عليها "Telquel".

بشكل عام، لم يتم تقييم أسعار هذه الأدوية أو تأثيرها الواضح على صحة المرضى قبل إدراجها في سلة العلاج. وهذا، أحيانا، يؤدي إلى عواقب وخيمة.

"إذا تم تطبيق أسعار الـ321 دواء المعمول بها في فرنسا أو بلجيكا في المغرب، لكانت "CNOPS" قد وفرت 600 مليون درهم، سنويا، كما هو مذكور في نفس الوثيقة.

أحد هذه الأدوية هو "Plavix"، وهو دواء يُصرف في حالات نوبة قلبية، ويُباع بمبلغ 316 درهما في المغرب، بينما يُباع بمبلغ 25 درهما في بلجيكا.

"دواء آخر هو "Velcade" (حقنة بودرة موصوفة في علاج سرطان النخاع العظمي)، يُباع بمبلغ 3778 درهما في المغرب، بينما يبلغ سعره 965 درهما في فرنسا.

يمكن العثور على مئات الأمثلة، وتقدير تأثير خفض أسعارها بمليارات الدراهم. ومع ذلك، فإن السيطرة على نفقات الرعاية الصحية تعتبر جزءا من المهام المُكلفة بموجب القانون لـ"ANAM".

لا يبدو أن هذا يُعتبر أولوية بالنسبة لمسؤوليها. ومع ذلك، الحلول موجودة، وقد تم عرضها في عدة دراسات وتقارير من المجلس الأعلى للحسابات، والبرلمان، أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

القطاع العمومي مقابل القطاع الخصوصي

مصدر آخر للعجز؛ هو الخدمات الطبية المقدمة من قبل القطاع الخصوصي. "المبدأ المقدس للتأمين الصحي الإجباري (AMO) هو تقديم نفس التأمين للجميع"، يؤكد حسن بوبريك، المدير العام لصندوق الضمان الاجتماعي.

وفي التطبيق العملي، يعني تطبيق هذا المبدأ، في النهاية، أن جميع المغاربة، بغض النظر عن مقدار اشتراكاتهم، سيتمكنون من استرداد تكاليف الرعاية الصحية التي تقدمها المؤسسات الطبية، سواء كانت عمومية أو خصوصية، من خلال "AMO".

واقع يضع العرضين الاثنين في منافسة مباشرة، وكما يشير إلى ذلك هذا الفاعل في القطاع: "التأمين الصحي الإجباري (AMO) أدى إلى تغيير في المنهجية".

الآن، حتى في المؤسسات العمومية، يُعامل المرضى كعملاء. وهذا يطرح تحديا كبيرا أمام وزارة الصحة: يجب عليها تحديث هياكل الرعاية الصحية الخاصة بها، مع القدرة على المنافسة في سوق خاص يتوسع بسرعة.

على أرض الواقع، يعاني المواطنون من عرض غير متساو للخدمات الصحية في المغرب بأكمله. من المفترض أن يتم حل هذه المشكلة من خلال ظهور المجموعات الصحية الترابية (GST) مستقبلا، والتي ستكون مسؤولة عن توزيع الخدمات الصحية العمومية.

"القاطن في قرية صغيرة، القادر على الدفع، والمشمول بالتأمين الصحي الإجباري، لا يمكنه الحصول على العلاج بالقرب من منزله. هناك العديد من الصحاري الطبية، وتعاني المؤسسات العمومية للرعاية الصحية الموجودة في القرى الصغيرة، غالبا، من نقص في الموارد البشرية والمعدات، لتقديم رعاية صحية ذات جودة"، هكذا أعرب المتحدث نفسه عن تخوفه.

وإذا انضم هذا المستفيد الافتراضي من التأمين الصحي الإجباري إلى محور الدار البيضاء-القنيطرة للحصول على العلاج، فمن المؤكد أنه سيختار العرض الخصوصي، الذي يكون أكثر توفرا وتجهيزا، مقابل مستشفيات عمومية تعاني، غالبا، من الاكتظاظ ونقص الموارد البشرية.

"تطوير العيادات الخصوصية كان سيكون له نفع عظيم على الدولة، لو كانت العروض الخصوصية في المناطق التي يعاني فيها القطاع العمومي من النقص. لكن، تتركز العيادات الخصوصية، بشكل كبير، حاليا، بمحور الدار البيضاء-القنيطرة؛ ما يؤثر سلبا على القطاع العمومي، ويحرمه من موارده البشرية وعملائه المحتملين"، يلاحظ الخبير.

عرض عمومي يعاني من النقص

ومع ذلك، فإن وجود قطاع عمومي قوي هو شرط أساسي لنجاح التأمين الصحي الإجباري. المبدأ بسيط: يقوم التأمين الصحي الإجباري بتعويض الرعاية المقدمة من قبل القطاع الخصوصي والعمومي".

العرض العمومي أقل تكلفة؛ ما يعني أن اللجوء إلى المؤسسات الصحية العمومية أقل تكلفة للتأمين الصحي الإجباري، وبالتالي، لميزانية الدولة التي تتحمل جزءا من الاشتراكات فيه.

ولتعزيز إنشاء هذا الدائرة الفاضلة، قام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (المسؤول عن التغطية الاجتماعية للعاملين في القطاع الخصوصي)، والصندوق الوطني للتأمين الصحي (المسؤول عن التغطية الاجتماعية لموظفي القطاع العمومي)، بتكثيف المبادرات.

إحدى هذه المبادرات تتيح، في الواقع، إعفاء جميع المستفيدين من "AMO تضامن" (الذي يغطي الفئات الأكثر ضعفا) من التكاليف الطبية، إذا اختاروا العلاج في القطاع العمومي، فيما تتولى الدولة التسوية.

وعلى الجانب المقابل، إذا توجهوا إلى مؤسسة خصوصية، سيتعين على المستفيدين من "AMO تضامن" دفع نسبة مشاركة تعادل جزءا من التكاليف غير المغطاة ضمن نظام التأمين.

ومن بين المبادرات الأخرى، تقوم المستشفيات العمومية بتحصيل تكاليف علاج المرضى المشمولين بتأمين "CNOPS" مباشرة من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، دون الطلب من المؤمن عليهم تقديم موافقة مسبقة. ومع ذلك، يرى بعض مراقبي القطاع أن سياسة الدولة في مجال التأمين لم تُدرس، بشكل كاف، لضمان نجاحها.

على سبيل المثال، "AMO تضامن" هو خطأ في السياسة؛ إذ كان ينبغي تعميمه لجميع المواطنين؛ بحيث يمنح الوصول المجاني إلى المستشفيات العمومية.

يمكن أن نتصوّر تأمينا شاملا للجميع يضمن سلة من الخدمات، بتكلفة متوسطة تبلغ 1500 درهم، سنويا، للفرد، والذي يمكن أن يضمن التوازن المالي للنظام.

سيدفع أولئك الذين لديهم القدرة على الدفع مساهماتهم، بينما سيتم تعويض الأشد فقرا من قبل الدولة.

هذا الموقف سيمكن الأنظمة المختلفة؛ مثل "CNOPS" أو "CNSS"، من تقديم تأميناتها الإضافية، مع إشراك قطاع خصوصي يشعر، حاليا، بالإقصاء، كما يوضح المختص في القطاع.

باختصار، كان بإمكان المستشفيات العمومية أن تجذب عددا أكبر من المرضى على حساب القطاع الخصوصي، من خلال عرض "AMO". رأي يتمتع بتأييد من قبل مدير "CNOPS"، الذي يدعو، على أي حال، إلى تحقيق توحيد تدريجي.

ويقدر المسؤول أن هذا الإجراء يجب أن يسبقه إجراء دراسة عملياتية لتقييم تكلفة هذا التوحيد، مع مراعاة تأثير مراجعة التسعير الوطني المرجعي (السعر العام للخدمة أو الدواء)، لضبط الهندسة المالية، وفقا لأي قرار يؤثر ماليا على صناديق إدارة "AMO".

لكن في الوقت الحاضر، تستخدم 90 في المائة من موارد "AMO" المخصصة لسداد تكاليف الرعاية الصحية من قبل العيادات الخصوصية.

تعدد الانحرافات

في عام 2006، كانت هناك في المغرب 248 عيادة خصوصية. وبعد مرور 18 عاما، ارتفع هذا الرقم إلى قرابة الضعف؛ إذ أصبح عددها الآن 446.

بعض هذه العيادات تنتمي إلى مجموعات منظمة؛ مثل "Akdital" (المُدرجة في بورصة الدار البيضاء)، و"CIM Santé"، أو "Oncologie et diagnostic du Maroc".

بعض هذه الهياكل تلبي، حقا، احتياجات المواطنين، من خلال تعويض النقائص في القطاع العمومي. وفي السنوات الأخيرة، تميزت بعض هذه الهياكل بتحسين ملحوظ في عرض خدماتها الصحية، وفي مواردها الفنية والبشرية، بالإضافة إلى حوكمتها.

كممثل رئيسي في السوق، يعاني القطاع الخصوصي من العديد من النقائص؛ حيث يشمل ذلك نقص الشفافية، كمثال.

وتتجلى هذه النقطة، على سبيل المثال، في غياب مرجعية صحية تضمن الوصول إلى جميع المعلومات الأساسية حول عيادة خصوصية.

"المشكلة هي أن أصحاب القطاع الخصوصي يقدمون، فقط، السجل التجاري للعيادة، واسم المدير الطبي المسؤول. لكن لا تتوفر أي معلومات حول التجهيزات الفنية التي يديرونها. هل لديهم جهاز الرنين المغناطيسي؟ هل هم مؤهلون لتقديم خدمات الإنعاش؟"، يتساءل عبد العزيز عدنان، المدير العام لـ"CNOPS".

لكن المسؤول العام قد تقدم بعدة طلبات إلى "ANAM" (التي تنظم قطاع التأمين الصحي، في انتظار تأسيس الهيئة العليا للصحة المستقبلية)، لتوضيح الأمور. إلا أن طلباته قوبلت بالصمت التام، ولم يحصل على أي إجابات.

إلى هذا الغياب في الشفافية، تضاف أيضا، في بعض الحالات، "ممارسات غير مألوفة وخاصة غير قانونية"، تمت إدانتها من قبل المسؤولين في كل من "CNSS" و"CNOPS".

"نحن نحدد هياكل خاصة؛ حيث ارتفعت النفقات، بشكل كبير، أو تطورت، بشكل ملحوظ، ونشرع، دائما، في مهام الرقابة، لفهم الوضع"، يؤكد حسن بوبريك.

لقد طورت الـ"CNOPS" من جانبها منصة تسمى "CNOPS 360°"، تمكّنها من اكتشاف أي سلوكات غير عادية أو مسيئة من أعضائها أو من أطبائها.

وبفضل هذه الأداة، استطاعت المؤسسة اكتشاف ممارسات الفوترة المزدوجة للإجراءات الطبية، أو فوترة إجراءات وهمية. كما يسمح البرنامج، أيضا، بالكشف عن زيادة استهلاك بعض الإجراءات الطبية المكلفة.

وهكذا تمكنت "CNOPS" من تحديد عيادات خاصة حيث كان الأطباء يلجؤون، بشكل منتظم، إلى وضع الشبكات الوعائية النشطة (الأجهزة الطبية المستخدمة لعلاج تضيقات أو انسدادات الشرايين) لدى المرضى الذين لم يكونوا بحاجة إليها.

وبالإضافة إلى مجرد مكافحة الاحتيال، من الضروري، أيضا، تعزيز الحماية المالية للمؤمنين، أثناء إقامتهم في المستشفى.

من جانب "CNOPS"، يُعتبر أنه يجب تعزيز "حظر شيكات الضمان، والفوترة المفرطة، ورفض تغطية التكاليف، بالإضافة إلى اختيار الإجراءات"، بشكل نهائي.

وللحد من هذه التجاوزات، يمكن إنشاء لجنة وطنية لمكافحة الاحتيال في التأمين الصحي، تشمل، بالإضافة إلى الهيئات المسؤولة عن إدارة الضمان الصحي الإجباري، المديرية العامة للأمن الوطني، والإدارة العامة للضرائب، فضلا عن خدمات إدارة الجمارك، والضرائب غير المباشرة.

وتتمثل مهام هذه اللجنة في "تنسيق التكنولوجيا والأجهزة، ورصد الاحتيال، وتحليل السلوكيات المشبوهة، وتعزيز نظام الإنذار والمكافحة، وفي النهاية، القيام بإجراءات تنسيقية في مجال التحكيم"، كما يوضح عبد العزيز عدنان.

لوبي القطاع الصحي الخصوصي

مع هذا الواقع الذي يتمثل في عرض عمومي ضعيف، وعرض خصوصي متزايد الأداء، لكنه مكلف، يجب على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني للتأمين الصحي أن يتعاملان من أجل ضمان استدامة التأمين الصحي الإجباري.

ينضاف إلى هذا الوضع جهود الضغط التي يبذلها أصحاب القطاع الخصوصي، لفرض مراجعة مرتفعة للتسعيرة الوطنية المرجعية (TNR، التي يُحدد بموجبها سعر الخدمة الطبية)؛ مما يفرض مزيدا من الضغوط على التأمين الصحي الإجباري، من خلال زيادة أسعار بعض الخدمات.

"لست ضد مراجعة التسعيرة الوطنية المرجعية؛ لأن هدفنا الرئيسي هو تقليل النفقات الإضافية على مؤمنينا. ومع ذلك، يجب أن نأخذ في اعتبارنا التوازن المالي للأنظمة، وخصوصا وجوب النظر في مراجعة التسعيرة الوطنية المرجعية في كلا الاتجاهين؛ لأن هناك العديد من الأعمال التي تستحق أن يتم مراجعتها للتقليل منها"، يقول حسن بوبريك.

الصندوق ينعم، حاليا، براحة مالية نسبية؛ حيث يتمتع بفائض بقيمة 40 مليار درهم. ومع ذلك، فإن هذه الاحتياطات قد تتلاشى بسرعة.

"الفائض الذي يحققه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بمشاركة جميع السكان المشمولين في النظام، قد يختفي كما حدث، مؤخرا، مع الصندوق الوطني للتأمين الصحي"، حذر خبير في تصريح لـ"Telquel".

ووفقا للأرقام الأخيرة المنشورة، سجل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي اختلالات مالية كبيرة، بالفعل. ففي عام 2023، تم دفع 793 مليون درهم كاشتراكات في فئة العمال غير الأجراء، بينما بلغت نفقات الصندوق على الخدمات الطبية 1.3 مليار درهم. ويمكن أن تتفاقم هذه الظاهرة مع تقدم تعميم التأمين الصحي الإجباري.

من جهته، يواجه الصندوق الوطني للتأمين الصحي صعوبات مالية، منذ ثلاث سنوات.

ويشهد النظام عجزا متتاليا؛ حيث بلغ 1.5 مليار درهم، في عام 2021، و878 مليون درهم، في عام 2022، و1 مليار درهم، في عام 2023، ومن المتوقع أن يبلغ 1.34 مليار درهم، في عام 2024.

"هذا العجز أثر على فترات السداد لمقدمي الخدمات الصحية، واسترداد الأموال للمؤمنين، في حين أن الصندوق قام بسحب 1.6 مليار درهم من احتياطاته، في عام 2023، للاستمرار في تنفيذ التزاماته"، يوضح عبد العزيز عدنان.

إلى حدود الساعة، لا يبدو أن الوضع المالي الحرج للصندوق الوطني للتأمين الصحي (CNOPS) قد أثار استجابة أو تدخلا من طرف "ANAM" أو الحكومة. ومع ذلك، تم تحديد الحلول في هذا الصدد.

وتتعلق هذه الحلول بجوانب الإيرادات والنفقات، وتمت الموافقة عليها من قبل مجلس إدارة الهيئة. وهذه الحلول لا تنتظر سوى قرار من الحكومة لتنفيذها.

"AMO" في مفترق الطرق

على الرغم من الخطر الذي يلوح في الأفق، إلا أن الهدوء يسود في العاصمة.

فعندما نمر عبر شارع عبد الرحيم بوعبيد، نفكر في أن مستشفى ابن سينا الجديد يمثل تجسيدا مثاليا لمشروع التأمين الصحي الإجباري.

يعتبر هذا المستشفى باهظ التكلفة، كما يمثل واحدا من الأعلام الرئيسية لمشروع إصلاح الصحة في البلاد، وقد يضمن حتى نجاحه. ومع ذلك، يمكن أن يتحول، تماما، مثل إصلاح التأمين الصحي الإجباري، إلى هاوية مالية للدولة، في السنوات القادمة.

ويواجه التأمين الصحي الإجباري، اليوم، مرحلة حرجة من تطوره. وبدون تدخل عاجل من الحكومة، يمكن أن يتجه هذا العنصر الأساسي للحماية الاجتماعية الشاملة، التي يرغب فيها ويدعمها الملك، نحو الفشل التام.

لذلك، وجبت إعادة النظر في كل جوانب الحوكمة والتنظيم والرقابة، لضمان استدامة هذا المشروع، على المدى الطويل، وضمان وصول المواطنين المغاربة إلى الرعاية الصحية التي يستحقونها.