بدون ضجيج أو فرقعات، استطاعت الصين، مؤخراً أن تؤطر وترعى في العاصمة بيكين ، لقائا جمع أربعة عشر فصيلا فلسطينيا ، انتهى بتوقيع اتفاق حول حكومة مصالحة وطنية ، وخاصة اتفاق بين حركة المقامة الإسلامية (حماس) ،وحركة فتح ، رغم الإكراهات التي تواجهها، كل منهما.
بعد الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة والحرب الباردة وحرب الفيتنام والحرب الكورية وتفكك الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين،لم تكف دول العالم عن الطموح والتوق الى نظام عالمي جديد مبني على التوازن والاستقرار والسلام الدائم،
فما هو الدور الذي ستلعبه الصين كقوة أصبحت عملاقة على كل المستويات، في تحقيق هذا الحلم؟
تعتبر الصين من اعرق الحضارات التي عرفها تاريخ البشرية،حيث عرف هذا البلد حضارة تجاوزت الأربعة آلاف سنة ،بدون انقطاع( كما يحلو للصينيين التذكير به ،اعتزازا.)
تمتد الصين على مساحة تفوق تسعة مليون ونصف كلم2 وتحتضن اكبر عدد السكان في العالم بمليار ونصف المليارنسمة.
إلا ان الصين عمرت طويلا تحت وطأة النظام الاقطاعي ،قرون من الزمن ،مما نتج عنه ويلات لا تحصى عانى منها الصينيون،التخلف والأوبئة والمجاعة والامية ،و جعلها فريسة سهلة وعرضة للأطماع الاستعمارية،اليابانية والفرنسية والبريطانية.
ويعد مطلع القرن العشرين،فتحت صفحة جديدة ،دشنت بالثورة الوطنية سنة 1911، وتوجت بثورة 1949، التي قادها الحزب الشيوعي الصيني بزعامة ماو تسي تونغ.
وبعد ستين سنة أصبحت الصين ثاني قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة الامريكية،متجاوزة بذلك اليابان وألمانيا .
فما هو سر هذا النجاح الباهر الذي حققته الصين على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والديبلوماسي والعلمي ؟وما هو الدور الذي ستلعبه في النظام العالمي القادم الذي أصبحت معالمه تلوح في الأفق ؟
منذ الإعلان عن تأسيس جمهورية الصين الشعبية يمكن الإشارة الى ثلاثة مراحل أفرزت القوة الاقتصادية والتنموية التي تعرفها الصين الآن:
١:مرحلة الثورة بشقيها السياسي المجتمعي والثقافي وهي المرحلة التي دبرها الزعيم ماو تسي تونغ.
٢:مرحلة البراغماتية الاقتصادية والإنتاج والانفتاح وهي مرحلة الرئيس دينغ زياو بينغ.
٣:مرحلة التصنيع والنمو والانفتاح على العالم والدبلوماسية الصينية الجديدة وهي مرحلة الرئيس الحالي شي جين بينغ .
إن الأسس الحقيقية للنهضة التنموية الصينية يمكن حصرها فيما يلي:
التكوين والتعليم تحت قواعد اعلى مستويات الانضباط وروح المسؤولية المرتبطة بالمحاسبة ارتباطا وطيدا.
نهج الاشتراكية ذات الخصائص الصينية،او صيننة الاشتراكية.
اعتماد المخططات الخماسية وتقييم نتائجها.
فالمخطط الخماسي (الثالث عشر)مثلا ،والذي انطلق سنة 2016 و صادفت نهايته 2021، الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني،يعتمد على خمسة رؤى(جمع رؤية)وهي:
الابتكار،و التناغم،والتقاسم،و البيئة الخضراء،ووالانفتاح.
ويلزم هذا المخطط اتمام مشروع إجبارية وتعميم التعليم الإعدادي في كل أنحاء الصين ،هذا على مستوى التعليم.
على المستوى الاقتصادي والتجاري فقد دشنت الصين مشروعا عملاقا يتمحور حول طريق الحرير البحرية ،الذي يمتد من ميناء شنغهاي الى حدود مضيق جبل طارق شمال المغرب وجنوب اسبانيا.،والحزام الاقتصادي الذان سيمكنان الصين من تبوؤ الصدارة في التعامل التجاري العالمي.
كما يجب الإشارة الى ان التعليم والتكوين والقيم والمثل العليا التي يؤمن بها الصينيون لها دور كبير في الإنجاز ات العملاقة والباهرة الذي حققتها الصين على المستوى الاقتصادي والتنموي والعلمي.
الانفتاح على العالم:
إن ما يميز عهد الرئيس شي جين بينغ ،هو الانفتاح الغير مسبوق على العالم ،الذي تعرفه الصين،وعلى جميع المستويات.
على المستوى السياسي والدبلوماسي تنظم الصين سنويا مؤتمرات للحوار مع الاحزاب العالمية وخاصة منها احزاب العالم العربي وافريقيا وآسيا الوسطى، وتلتزم عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والنزاعات الإقليمية.
على المستوى الاقتصادي، إطلاق تكثل دول البريكس وهي الدول صاحبة اسرع نمو اقتصادي في العالم :البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا ،وانطلاقا من مبدأ رابح/رابح وعلى قاعدة المشروع العملاق والغير مسبوق الذي يحمل اسم طريق الحرير البحرية والحزام الاقتصادي شرعت ١الصين في بناء موانئ كبرى في آسيا واليونان وسري لانكا ومكنت دول افريقية عديدة من قروض لتجهيز البنيات التحتية الطرقية والصناعية والتجارية.
على المستوى العسكري الاستراتيجي ارست الصين قواتها في مناطق استراتيجية كآسيا وتجيبوتي في القرن الأفريقي وبحر الصين والمحيط الهادئ.وتتوفر اليوم على جيش من اقوى جيوش العالم ويعد بالملايين ويتوفر على احدث الاسلحة والعتاد والمهارات العالية.
كما ان القيادة الصينية لا تخفي طموحها في ان تحتل الصين مركز العالم الدبلوماسية العالمية والمساهمة في تقدم البشرية كما عبر على ذلك في اكثر من مرة ، الرئيس الصيني شي جين بينغ .
إن التمركز القوي الذي حققته جمهورية الصين الشعبية في القارة السمراء والتي تعتبر مستقل العالم الاقتصادي والتجاري ، والشعبية التي يتوفر عليها الرئيس شي جين بينغ في أوساط صناع القرار الأفارقة ،بالإضافة إلى تخلخل الاتحاد الأوروبي والبركسيت (خروج ببطانيات من الاتحاد)واستقواء التعامل التجاري الصيني في القارة السمراء وفي العالم،وماضي الصين الغير استعماري ،(لم يسبق لها أن استعمرت بلدا آخر، أبدا)كما هو حال أوربا وأمريكا )والإمكانيات التي تتوفر عليها في جميع المجالات، سيجعل منها معادلة قوية وجوهرية لبلورة وتحقيق نظام عالمي جديد بديلا للنظام الحالي المبني على أحادية القطبية والذي يعيش العالم تحت وطأته، ويلات الحروب والتطاحنات وعدم الاستقرار والإرهاب والأزمات .
فهل سيعرف العالم ،تغييرا في العلاقات الدولية وبداية لعهد جديد،للدبلوماسية العالمية،بعد أن أصبحت جمهورية الصين الشعبية ،طرفا لا يستهان به؟