قدوري خديجة - صحفية متدربة
يشهد المغرب، شأنه شأن العديد من دول العالم، تزايدا ملحوظا في حدة أزمة المياه، والتي تفاقمت بسبب التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة، هذه الأزمة ليست مجرد تحد يواجه القطاع الزراعي، بل تتعداه لتؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين، وتهدد استدامة الموارد الطبيعية.
وفي هذا الصدد، عاش إقليم بني ملال في الأيام الماضية على واقعة وفاة 21 شخصا في يوم واحد بسبب الحرارة الشديدة.
في هذا السياق، أكد محمد بازة، الخبير الدولي في الموارد المائية، أن "السبب الرئيسي وراء ارتفاع درجات الحرارة في بني ملال بشكل خاص، يرتبط ارتباطا وثيقا بندرة المياه".
وأضاف في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، "في الظروف الطبيعية، يلعب الماء دورا أساسيا في تحويل الحرارة إلى بخار من خلال ما يعرف بالطاقة الكامنة للتبخر (l'énergie latente de vaporisation). هذه العملية تتيح للماء امتصاص الحرارة الإضافية من البيئة، حيث تتحول جزء من أشعة الشمس التي تصل إلى الأرض إلى بخار بدلا من زيادة درجات الحرارة مباشرة، مما يساهم في تنظيم الحرارة والحفاظ على توازنها. لكن في ظل ندرة المياه، تتوقف هذه الآلية الفعالة، مما يؤدي إلى تفاقم درجات الحرارة بشكل ملحوظ وتزايد تأثيراتها السلبية على البيئة والصحة العامة".
وأوضح أن "ارتفاع درجة الحرارة في المياه في المستنقعات بما فيها السدود يؤدي إلى ارتفاع نسبة الطحالب في المياه، التي تؤدي بدورها إلى تقليص نسبة الأكسجين في المياه، وبالتالي تقليص من التنوع البيولوجي وهذ ا يعتبر من الآثار السلبية لارتفاع الحرارة على المياه".
وشدد المتحدث ذاته، على "أننا نواجه اليوم أزمة مائية حادة تفاقمت بفعل التغيرات المناخية، حيث أصبحت بعض المناطق والقرى تعتمد بشكل متزايد على إمدادات المياه عبر صهاريج. مع استمرار التغيرات المناخية وتأثيراتها السلبية على الموارد المائية، يبرز القلق من أن تصبح القدرة على توفير المياه الصالحة للشرب غير كافية في المستقبل القريب. هذا الوضع يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان استدامة الموارد المائية وتطوير استراتيجيات فعالة للتعامل مع أزمة المياه المتفاقمة التي تأثرت بشكل كبير بالتغيرات المناخية".
ونوه المتحدث بـ"مثال حوض أم الربيع، أكبر الأحواض المائية في المغرب، كمثال على التغيرات التي شهدتها مستويات المياه. ففي السابق، كان هذا الحوض يضم كميات كبيرة من المياه، لكن اليوم تحتوي السدود الموجودة فيه، والتي تبلغ عددها 11 سدا، على حوالي 244 مليون متر مكعب فقط من المياه".
ومن جهته أبرز محمد جليل خبير المناخ والموارد المائية، من خلال تصريح لـ"تيلكيل عربي"، أنه "في ظل الجفاف المستمر في المغرب الذي استمر ما يقرب من سبع سنوات، بما في ذلك أربع سنوات من الجفاف الشديد، تواجه البلاد أزمة حقيقية في إدارة الموارد المائية، لم يكن من الشائع أن يتجاوز الجفاف أربع سنوات، حيث كانت السياسات المبنية على نماذج علمية وفنية تعتمد على تنظيم المياه على مدار أربع إلى خمس سنوات."
وأشار إلى أنه "لو أننا أخذنا في الاعتبار على مدى الأعوام الثلاثين الماضية مسألة تجميع مياه الأمطار، ولو على نطاق متواضع، لكان من الممكن أن يقدم ذلك مساهمة كبيرة في إدارة المياه. وعلى نحو مماثل، لو كنا قد شرعنا الآن في تطوير الصرف الصحي وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي".
أكد محمد بازة على "أهمية اتخاذ تدابير معينة لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة، مثل شرب كميات كبيرة من الماء للحفاظ على الترطيب، والحد من التعرض المباشر لأشعة الشمس. كما أوصى باستخدام واقي الشمس والقبعات لحماية البشرة، مشددا على أن شرب الماء بشكل منتظم يلعب دورا حاسما في التخفيف من آثار الحرارة".
وفي نفس الإطار، دعت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية إلى اتخاذ تدابير وقائية لحماية المواطنين من الآثار الصحية لارتفاع درجات الحرارة، مع التركيز على الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة. وشملت التوصيات شرب الماء بانتظام، ترطيب الجسم بالماء، تجنب الخروج خلال الفترات الحارة، الحفاظ على برودة المنازل، واستشارة الطبيب عند الحاجة، وذلك من خلال بلاغ صحفي صدر يوم 25 يوليوز 2024.
ولفت بازة الانتباه إلى أن "التعامل مع الأزمة المائية الحالية يتطلب تنفيذ مجموعة من التدابير الهامة، تبدأ بالامتثال الصارم لتقنين استخدام المياه. من بين هذه التدابير، تجنب غسل السيارات وعدم ملء المسابح، وكذلك ترشيد استهلاك المياه في الأنشطة اليومية. علاوة على ذلك، يجب تبني استراتيجيات الري التكميلي في الزراعة لضمان الاستخدام الأمثل للموارد المائية. إن تنفيذ هذه الإرشادات بفعالية يمكن أن يساهم بشكل كبير في التخفيف من آثار أزمة المياه الحالية وضمان استدامة الموارد في المستقبل".