أحمد مدياني: الحاجة إلى تعديل سياسي

أحمد مدياني
أحمد مدياني

إذا سألت الوزراء، اليوم، عما يشغل بالهم أكثر من أي شيء آخر، ستجد أن قائمة أولوياتهم يتصدرها ترقب التعديل الحكومي. تخوفهم من النزول عند المحطة القادمة يحدد سرعة ظهورهم وتواصلهم، وكل الأمور التي تهم البلاد والعباد مؤجلة إلى حين اطمئنانهم على احتفاظهم بلقب الوزير. وبعد الاطمئان، لا شيء سيتغير طبعا!

عندنا، اليوم، وزراء منسوب الفعل السياسي عندهم يكاد يلامس الصفر، وأقرب دليل على ذلك، اختفاؤهم بعد صدور قرار محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الفلاحة بين المغرب وأوروبا.

وزراء حين يتعلق الأمر بما هو خارج الحدود يتركون كل شيء لتدبره وزارة الشؤون الخارجية، وحين يتعلق بالداخل، يختبئون خلف سيادة وزارة الداخلية.

مسؤولون حكوميون بدرجة مصرفي الأعمال. يحترفون "سياسة السلحفاة"، حين يحتاجهم وطنهم لتسديد ديونهم الثقيلة تجاهه.

لماذا نحتاج إلى الحكومة أصلا؟ وأي إضافة يقدمها أعضاؤها غير إعادة قراءة وتصريف وتنزيل ما تعده لهم مكاتب الدراسات؟ أليس من الأنفع، بغرض ترشيد النفقات، التعاقد مباشرة مع من يستفيدون من صفقات التدبير المفوض للوزارات؟

ما يدور اليوم في الكواليس بشأن قرب التعديل الحكومي مؤسف، خاصة وأن معارك طحن العظام داخل مكونات الأغلبية بلغت مستويات الفضح والضرب تحت الحزام، ليس لأجل الصالح العام، بل لغرض إعادة ترتيب البيوت الداخلية من منطلق تحصين المصالح الشخصية.

تحول أصدقاء الأمس إلى أعداء اليوم؛ مثل ما يقع مع وزير الفلاحة، واختفت عبارات المدح لتعوضها خطط وضع قشر الموز عند كل طريق؛ مثل ما يحدث مع وزيرة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، غيثة مزور، ووزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي. أيضا وزير التربية الوطنية شكيب بن موسى الذي من حقه أن يردد مع كل أزمة تنتج لازمة "ظلم ذوي القربى أشد مضاضة".

أجل "الاستقلاليون"، لشهور، إخراج أسماء لجنتهم التنفيذية، وحين جاءت الإشارة من فوق، مروا إلى سرعة "البراق" التي أسقطت أسماء سبق ووعدت بالاستوزار بعدما تم قتلها معنويا.

أما "الباميون"، كانوا ولا يزالون الأكثر تطرفا مع قرب أي تحول يهم حزبهم أو موقعه. مجتهدون في نفض الغبار عن الملفات التي تفضح تقاسم المصالح. راكبو "الجرار" يؤكدون، دائما، أنهم استثناء حقيقي في المشهد السياسي والحزبي، حين يدبرون الخلافات في ما بينهم، وفق منطق "شحال خذيتي...؟ وشحال عطيتك...؟ شحال ربحت مني...؟ وشحال ديت منك...؟"، مع وفائهم للمثل القائل: "نميلو وما نطيحوش... ويلا طحنا، نطيحو واقفين".

"الأحرار" حزب لا يحتاج كلمات كثيرة، غير وصفه بأنه شركة تُدبر بقوانين السوق الحرة، منطق الربح والخسارة في الاستثمار السياسي لأجل غنائم الاقتصادي.

ألا يتأمل من "يقودون الحكومة" حال المغرب والمغاربة؟! ألا يخجلهم أنه لم يعد يعول عليهم حتى بغرض التواصل عما يتحقق في اتجاه إيجابي، وأن السلبي الذي ينتجونه يترك للمعالجة بمقاربة أمنية أنهكت، بل أصبحت، في أحيان كثيرة، تقدم أدوارا لا تعنيها؟!

أليس من شأنهم الكم الهائل من الاختلالات التي يعرفها تدبير الجهات والمدن والجماعات والمقاطعات والأقاليم والقرى؟ حرمان المغاربة من تحسين يوميات عيشهم، بسبب النهب والسرقات وإفراغ الصناديق واستغلال النفوذ، حتى أصبحت قاعات المحاكم ومكاتب التحقيقات مكتظة بمنتخبيهم، نتاج الكم الهائل من ملفات الفساد والرشوة ونهب المال العام.

هذا جزء يسير من المشهد الحقيقي الذي نعيشه. ومعه، يحق لنا القول إن المغرب في حاجة إلى تعديل سياسي أكثر منه حكومي.