في إطار التحضيرات لاستكمال مشروع المحج الملكي بالدار البيضاء، الذي يعد من أقدم المشاريع الملكية الكبرى المتعثرة منذ انطلاقه في عام 1989، شرعت السلطات المحلية في هدم المنازل الآيلة للسقوط وإزالة الأحياء العشوائية. ورغم أهمية هذا المشروع، إلا أن العديد من العقبات لاتزال تعترض طريق تنفيذه.
تعود فكرة هذا المشروع إلى ثمانينيات القرن الماضي، حيث ظلت حبيسة الرفوف لفترة طويلة بسبب التعقيدات المتعلقة بانجازه. ومع بدأ عمليات الهدم، يتزايد القلق بين السكان، الذين يرون في هذا المشروع فرصة لتحسين حياتهم، ولكنهم في ذات الوقت يخشون من فقدان ملامح هويتهم الثقافية وتاريخهم المرتبط بتلك الأحياء.
تعتبر المدينة القديمة، بأزقتها الضيقة ومعالمها التاريخية، واحدة من أقدم وأعرق مناطق المدينة، وتحتوي على موروث ثقافي أصيل. ومع ذلك، تواجه هذه المنطقة تهديدا حقيقيا، إذ تملأ المنازل الآيلة للسقوط شوارعها، مما يعرض قاطنيها لخطر انهيار الأسقف والجدران، ورغم كل التحذيرات المتكررة، لازالوا يستميتون في الدفاع عما يعتبرونه حقهم في المكوث داخله.
ومقابل قرارات الإفراغ والهدم، مازالت فئة من أهالي المدينة القديمة ترفض ذلك. خاصة وأنها تعتبر ترحيلهم اجحاف في حقهم ولا يساوي مكان إعادة الإسكان قيمة حيث كانوا يقطنون لعقود.
معاناة ومنازل آيلة للسقوط
هذا وقد شهدت بعض الأحياء المكونة للمدينة القديمة، وخاصة تلك التي تضم منازل آيلة للسقوط، عمليات هدم خلال الأيام القليلة الماضية. فقد أقدمت السلطات المحلية على تنفيذ هذه الإجراءات بعد أن أبلغت المعنيين بضرورة إفراغ منازلهم. ومع رؤية المعدات الثقيلة وهي تهدم جدران تلك البيوت المتداعية، تصاعدت مشاعر القلق والاحتجاج بين السكان، الذين يعتبرون هذه المنازل جزءا من تراثهم وهويتهم.
بعد وصول "تيلكيل عربي" إلى عين المكان، صادف بعبد الله، الذي يبلغ من العمر 34 عاما، وكان يراقب عمليات الهدم بوجه يعبر عن الحزن والأسى. كان يتأمل كيف أن فقدان هذه المنازل لا يقتصر على تدمير الحجر، يل يشمل أيضا تدمير الذكريات والأحاسيس التي ارتبطت بمكان نشأ فيه. كان يعكس بوضوح مشاعر سكان المدينة تجاه هذا التغيير الجذري الذي يطال ملامح منطقتهم، حيث يشعر الجميع بأنهم يفتقدون جزءا من هويتهم وتراثهم الثقافي. حيث صرح قائلا: "نحن نرفض هذه العروض، لأننا لا نملك حتى ما نأكله، فكيف لنا أن نجد إيجارا داخل مدينة الدار البيضاء بهذا المبلغ؟ معظمنا يعتمد على ما يجنيه من البحر، وليس لدينا وظائف ثابتة، فكيف سيكون حالنا إذا ما تم إبعادنا؟"
وفي سياق متصل، أعربت عايدة عيوش، التي تبلغ من العمر ستين عاما، عن مشاعرها بملامح تجسد سنوات من المعاناة وأعباء الحياة. عينيها، اللتين تحملان نظرات يائسة، تعكس قصصا من الصبر التي واجهتها على مر السنين. كانت تجلس هناك، محاطة بأنقاض المنازل التي كانت تعرفها، تتأمل في ما تبقى من ماضيها وتفكر في مستقبل مجهول. قائلة "مدارو معانا والو" مشيرة إلى أن "الوضع في "درب عبد الله" صعب جدا، حيث لم تقدم السلطات شيئا في سبيل مساعدتنا. هناك من لايزالون في الشارع، لأن شرط الاستفادة هو أن يكون الشخص متزوجا أو قاطنا قبل سنة 2012 لكي يستفيد".
أما لطيفة أجماني، فهي امرأة تجاوزت الستين من عمرها، التقينا بها وهي تحاول تجميع بقايا المنازل المهدومة لتعيد بيعها، ضامنتا قوت يومها، كانت ترتدي ملابس بسيطة وحذاءا قاسيا يساعدها على التنقل بين الأحجار المنتشرة في كل مكان. أخبرتنا أنها لم يتبقى لها من الحياة سوى جدار منزلها الذي تم هدمه، حيث اعتادت أن تستريح بجانبه لتسترجع ذكرياتها الجميلة مع زوجها وأبنائها، مما جعلها تتأمل فيما فقدته، وقالت بنبرة حزينة "في عام 2018 تعرضت منازل قريبة من منزلي للسقوط، مما أثر على جدار منزلي، لكنني قمت بترميمه. وفي يوم من الأيام تلقيت مكالمة من "القيد السابق" يخبرني بأنه سيتم هدم المنزل. جئت مسرعة، فوجدتهم قد هدموا كل شيء ولم يتبقى سوى الجدار، أصابني انهيار عصبي من هول ما رأيت، حيث لم يكن لدي أي مكان آخر لأذهب إليه، فقضيت اليوم في الشارع بجانب بيتي الذي هدم، ثم اقترحت على "القيد" أن أعيش في المنزل المجاور الذي تركه أصحابه، أنا وأبنائي حتى نجد حلا. والآن أخبرنا أنه سيتم هدم المنازل المتبقية، ولا أعلم أين سأذهب، لم يتبقى لي سوى الشارع كملجأ ".
وأضافت قائلة: "بعد إجراء القرعة لتوزيع المنازل على الأهالي، ذهلت عندما أدركت أن المنزل الذي كان من نصيبي أصبح يشغله شخص آخر، بينما الأوراق بإسمي، وعندما استفسرت الشركة العقارية الموكل إليها مشروع الإستفادة، قالوا لي أنه كان من الواجب أن أقدم مبلغا لكي أضمن الشقة بإسمي، ولم أكن الوحيدة التي واجهت هذه المشكلة، الآن يجب علينا دفع 10 ملايين دون احتساب أتعاب الموثق".
رئيسة المقاطعة: خصصنا 30 مليون درهم من أجل تعويض السكان
في سياق متصل، قالت كنزة الشرايبي، رئيسة مجلس مقاطعة سيدي بليوط في عمالة مقاطعات آنفا إن "المواطنين الذين طالهم قرار الهدم ، نظرا لأن منازلهم آيلة للسقوط، تم إدراج أسمائهم انطلاقا من إحصاء 2012 في برنامج للاستفادة من شقق تضعها الدولة لإيوائهم. وشرط الاستفادة من هذه الشقق يتمثل في دفع مبلغ 100 ألف درهم من قبل المستفيد. أما فيما يخص السكان الذين رفضوا الخروج من منازلهم، فهنا الأمر يتعلق بأشخاص قدموا إلى حي "المدينة القديمة" بعد عام 2012 بالنسبة لفئة. أما الفئة الثانية، لازالت تقطن منازلها القديمة لكونها لم تستطع توفير مبلغ 100 ألف درهم المذكور سلفا".
وعند سؤال "تيلكيل عربي" عن بعض المزاعم التي تقول إن الشقق ورغم ما أفرزته القرعة من أسماء، فإنها تعطى لأسماء آخرين، أوضحت الشرايبي أنه "إذا كان هناك مستفيد آخر لديه الإمكانيات، فقد يحصل على الشقة حتى وإن كانت مسجلة باسم شخص آخر، في حين تأخر هذا الأخير في ضمان الشقة من خلال دفع المبلغ المتفق عليه، خاصة أن الشقق المتاحة محدودة".
وعن تأخر عملية الهدم قالت إن "السبب الرئيسي وراء ذلك هو أن بعض المواطنين وإن رغبوا في المغادرة فهم يفتقرون مع ذلك لإمكانيات إيجاد منازل بديلة وحتى توفير المبلغ للكراء، وهم الآن ينتظرون دعم الدولة. وقد خصصنا 30 مليون درهم لعمالة آنفا من مجلس العمالة في الدار البيضاء، بهدف تمكين الساكنة المعنية من تعويض".
حيكر يحمل المسؤولية للسلطات
في المقابل اعتبر عبد الصمد حيكر، رئيس فريق مستشاري العدالة والتنمية بمجلس جماعة الدار البيضاء، في تصريح لموقع "تيلكيل عربي"، أن "التأخر في هدم المنازل الآيلة للسقوط، يعود إلى مجموعة من العوامل؛ أولها عدم قيام السلطة المحلية بتفعيل قرارات الهدم، وبالتالي تظل مسؤولية إصدار قرار الهدم حصرية لرئيس الجماعة".
وأوضح رئيس فريق مستشاري العدالة والتنمية بمجلس جماعة الدار البيضاء، أنه "في كل مرة كانت الجماعة تساهم بمبالغ مالية تحول إلى شركة التنمية المحلية الدار البيضاء للتجهيز والإسكان من أجل تمكينها من هدم البنايات الآيلة للسقوط، وإذا كان من تأثير على قرار الهدم، فإنه كان ظرفيا لا يتجاوز بعض الشهور ولا يصل في جميع الأحوال لسنوات".
وأفاد المتحدث ذاته، أن العامل الثاني الذي ساهم في تأخير قرار الهدم هو المشكل المتعلق بالمواطن نفسه، حيث نجد أن هناك من يستأجر العقار، أو أن الخبرة التي تم على أساسها اتخاذ قرار الهدم غير دقيقة بنسبة للمواطن، مما يدفع البعض إلى التشكيك فيه".
كما ذكر حيكر، الاعتبار الثالث والمتمثل في "خروج المواطنين بناء على قرار الهدم سيؤدي حتما إلى فقدان حقهم في العودة إلى نفس المكان، حيث قد لا تكون لديهم القدرة على تغيير مكان إقامتهم نظرا لظروفهم الاجتماعية، أو العمل أو تعليم الأبناء، كل هذه قد تشكل عائقا أمامهم".