يدير اكيندي-مهتم بقضايا الإعاقة وحقوق الإنسان
الكلمة تُشكل الواقع: لماذا يجب تغيير لغة الحديث عن الإعاقة؟ متى نتحرر من المصطلحات المحبطة؟"
في ظل التحولات العالمية نحو تعزيز حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، تبرز أهمية استخدام اللغة بدقة ووعي عند التحدث عن هذه الفئة. الإعلام، بكل أشكاله – سواءً كان مكتوباً، مرئياً، أو رقمياً – يلعب دوراً محورياً في صياغة المفاهيم المجتمعية وتوجيه الرأي العام. لكنه يحمل أيضاً مسؤولية ثقيلة في كسر الصور النمطية والمفاهيم الخاطئة التي طالما أحاطت بموضوع الإعاقة.
اللغة ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي أيضاً أداة قوية في تشكيل العقول. الطريقة التي نتحدث بها عن الأشخاص في وضعية إعاقة تحدد بشكل كبير نظرة المجتمع لهم، ومن هنا تبرز ضرورة الابتعاد عن المصطلحات التي تحمل في طياتها دلالات دونية أو إحسانية، مثل "المعاق" أو "المصاب بإعاقة". هذه التعبيرات لا تليق بالتقدم الذي حققناه في فهم حقوق الإنسان، خصوصاً ونحن نعيش في عام 2024.
التطور في استخدام المصطلحات
على الصعيد العالمي والمحلي، شهدنا تطوراً ملحوظاً في استخدام المصطلحات المتعلقة بالإعاقة. سابقاً، كانت المصطلحات تركز على الجوانب الطبية أو الصحية للإعاقة، وكأنها "مشكلة" يجب "تصحيحها". ومن بين هذه المصطلحات مصطلح "أشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة"، الذي كان رائجاً لفترة طويلة. هذا المصطلح، رغم نيته الحسنة، يحمل في طياته تصوراً بأن هؤلاء الأشخاص بحاجة إلى "عناية خاصة"، متجاهلاً المسؤولية المجتمعية في توفير بيئة ملائمة للجميع.
في المقابل، أصبح اليوم مصطلح "الأشخاص ذوو الإعاقة" هو المصطلح المعتمد من قبل الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة، ليعكس فهماً أعمق للإعاقة. فهذا المصطلح يُقر بالإعاقة كجزء من التنوع البشري الطبيعي، ويؤكد أن التحدي الحقيقي يكمن في العقبات البيئية والاجتماعية التي تعيق هؤلاء الأفراد عن المشاركة الكاملة في المجتمع.
دور الإعلام في تغيير المفاهيم
إلى جانب التشريعات والقوانين، فإن الإعلام هو أحد أهم الأدوات لتغيير المفاهيم الخاطئة وتوجيه المجتمع نحو فهم أكثر شمولية واحتراماً. هنا، يتعين على وسائل الإعلام التوقف عن استخدام المصطلحات التي تقلل من شأن الأشخاص ذوي الإعاقة أو تضعهم في إطار إحساني. بدلاً من ذلك، يجب أن يركز الإعلام على تسليط الضوء على إمكانيات هؤلاء الأشخاص وحقوقهم المشروعة، وفقاً للمواثيق الدولية والدستور المغربي لعام 2011.
الإعاقة ليست مشكلة طبية أو حالة تستوجب الشفقة. إنها جزء من التنوع البشري الطبيعي، والتحدي يكمن في العقبات التي يضعها المجتمع أمام الأشخاص في وضعية إعاقة. لذلك، يجب أن يتبنى الإعلام لغة تعزز من كرامتهم وتؤكد على حقوقهم. على سبيل المثال، بدلاً من استخدام تعابير مثل "مهمش" أو "يعاني من إعاقة"، يمكن القول "هذه الشريحة التي تواجه تمييزاً" أو "التنوع البشري".
تأثير المصطلحات السلبية
على الرغم من التقدم المحرز، لا تزال العديد من وسائل الإعلام تستخدم تعابير تمييزية ومهينة، مثل "معاق"، "يعاني من إعاقة"، أو "أطرش"، وهي تعابير تعزز الصور النمطية السلبية تجاه الأشخاص في وضعية إعاقة. إن استخدام مثل هذه المصطلحات يعكس فهماً قديماً وغير متطور للإعاقة، ويجب أن يعمل الإعلام على التخلص من هذه المصطلحات ونشر لغة أكثر احتراماً وإنصافاً.
الإعاقة: تنوع بشري طبيعي
الإعاقة ليست حالة استثنائية تتطلب "علاجاً"، بل هي جزء من التنوع البشري الطبيعي الذي يجب أن يحتفى به. يجب أن يكون الهدف هو تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص، وليس مجرد "التخفيف من آثار الإعاقة" أو "التعامل معها". الأشخاص ذوو الإعاقة لهم حقوقهم كاملة، ومن واجب المجتمع والدولة تمكينهم من ممارسة هذه الحقوق دون تمييز.
من الضروري أن نعيد النظر في لغة الإعلام والمجتمع بشكل عام، بحيث تكون أكثر شمولية واحتراماً للأشخاص في وضعية إعاقة. كما يجب أن نتوقف عن التعامل مع قضايا الإعاقة من منظور فردي أو إحساني، والتركيز بدلاً من ذلك على المقاربة الحقوقية التي تضع المسؤولية على عاتق الجميع في إزالة الحواجز البيئية والسلوكية التي تعيق هؤلاء الأشخاص عن المشاركة الكاملة في المجتمع.
نحو مجتمع أكثر شمولية
إذا أردنا بناء مجتمع شامل، يبدأ الأمر من الكلمة. الكلمة ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي عاكسة للفكر والمفاهيم التي يحملها المجتمع. علينا أن نحرص على استخدام مصطلحات مثل "الأشخاص ذوو الإعاقة"، والابتعاد عن تلك التي تحمل في طياتها نظرة دونية أو تمييزية. فالمجتمع الشامل يبدأ من تغيير طريقة تفكيرنا ولغتنا.
في النهاية، يبقى الإعلام أداة قوية في تغيير المفاهيم وتحقيق التغيير المنشود. وعليه، فإن المسؤولية تقع على عاتقنا جميعاً في نشر ثقافة حقوق الإنسان، والمساواة، والاحترام للأشخاص في وضعية إعاقة، لأنهم ليسوا بحاجة إلى شفقة، بل إلى تمكين كامل من حقوقهم في بيئة داعمة خالية من الحواجز..