ما سوف يرد في هذه المحاولة للفهم، يعنيك مباشرة، سواء كنت ضحية أو مستفيدا.
"القاعدة الأساسية عندنا: تشتغل كتير... تغلط كتير... تترفد. تشتغل نص نص.. تغلط نص نص... تتجازى. ماتشتغلش خالص... ماتغلطش خالص... تترقى"، كلمات جاءت على لسان الفنان المصري، محمد صبحي، خلال أدائه لأحد فصول واحدة من المسرحيات الهادفة.
وحين قال الفنان صبحي إنها قاعدة، كان يدرك، جيدا، ما يبوح به.
ولو أن الأصل، يجب أن يكون عكس ما جاء على لسانه، لأنه استثناء نادر جدا؛ حيث تتطور الدول لأجل مواطنيها. لكن الواقع أمامنا جميعا يؤكد صحة مضمون جزءٍ من حواره المسرحي.
حوار يجيب عن استغراب الملايين من الذين يعيشون صدمة وضع الكفاءة في نفس ميزان أشياء أخرى أقوى منها، بالنظر إلى تفاصيل أخرى تنتصر لأجل ذاتها، وليس لغرض تحقيق المنفعة العامة.
في شهر شتنبر من العام 2020، نشر الكاتب الكويتي، محمد النغيمش، مقالا على صفحات جريدة "الشرق الأوسط"، بعنوان: "تحطيم معنويات الكفاءات".
وجاء مقاله تفاعلا مع ردود الفعل التي صدمته على حد تعبيره من مقاله الأول بعنوان: "سرعة التخلص من الكفاءات".
وقبل الخوض في ما نحن بصدده، يجب أن نشدد على أن إمارة الكويت مهد حقيقي مغيب عن الجمهور؛ حيث تم التأسيس للاجتهادات الدستورية، وضمان تنزيل فصل السلط، وقوة الشرعية دون حاجة لشرائها.
يعني أن ما ينبع من البلد هناك في الخليج استثنائي، ويساوي ما تعيش تفاصيله الدول الحديثة. وهذا الفاصل مهم جدا لمن يرغب في فهم منبع استحضار هذا الرأي.
يقول الكاتب الكويتي، محمد النغيمش، في مقاله الثاني: "فاجأتني ردود فعل القراء من شتى أنحاء الوطن العربي، بعد مقالي المتواضع بعنوان: (سرعة التخلص من الكفاءات). هذا المقال رغم أنه كان بديلا مؤقتا، وكتبته في 25 دقيقة، على غير عادتي؛ حيث أمضي عادة أياما في التفكير بموضوع جيد، فإنه مازالت تأتيني بسببه اتصالات، وعلاقات جديدة، بعد انتشاره في وسائل التواصل ومجموعات (واتساب) الهاتفية".
وأضاف: "قرأت المقال مرتين لأعرف سبب كل ذلك التفاعل المحير، فلم أجد فيه سوى أن موضوعه (محاربة الكفاءات) قد لمس وجدان الناس. وهو مؤشر على عمق ما يعانيه قطاع عريض من (المهمشين). ولأنني لم أقل كل شيء فيه، فرغبت في أن أزيد أن هناك أمورا عديدة يمكن من خلالها تحطيم معنويات الكفاءات، وهي المهمة الأولى".
ما هي "المهمة الأولى"؟
يجيب الكاتب: "المسؤول الضعيف يرى في المميزين من حوله مشروع تهديد لوجوده. وهذا باختصار، دليل ضعف؛ لأن القوي يحب الأقوياء، والنشيط يحب النشيطين، والمبدع لا يطيق من يرفضون التفكير (خارج الصندوق). وإحاطة أنفسنا بالكفاءات يضمن جودة عملنا الجماعي. فلا يعقل أن نشيد بيتا مع فريق يفتقر إلى مؤشرات الكفاءة. تحطيم معنويات الكفاءات هو الشغل الشاغل للمسؤول الذي تعوزه الثقة بنفسه وقدراته. وهو يدرك جيدا أن منافسة هذه الثلة المميزة ليست يسيرة، بسبب كتلة الكسل أو الخوف أو الحسد التي تخيم على تفكيره ويومياته. كما أن كفاءة المرء ليست وليدة الصدفة. فهي تراكم من الجد والاجتهاد وشيء من المهارات. وربما هذا ما يدفع البعض إلى حل سريع بتحجيم البارزين في العمل، اعتقادا منهم بأنها وسيلة "لتطويق المخاطر". من يفكر بهذه الطريقة، فليس مشروع قائد فعال. فهل رأيت قائدا أو مدربا لفريق كرة قدم يحارب لاعبا مميزا؟! هل يمكن أن تتصور قبطان طائرة أو سفينة محترما يُحَجّم تألق نجم من نجوم فريق عمله؟!".
أخذت الكثير من مقال الكاتب الكويتي، على غير العادة في المقالات التي أقترف فيها شرف محاولات الفهم الجماعي؛ لأن ما جاء به يلخص الكثير مما يمكن البوح به.
ركزت مع الكثير من الاقتباس؛ لأن المناسبة شرط.
والمناسبة أنه، اليوم، يطرح المغاربة أسئلة كثيرة حول الكفاءة، تجاه من يستحق أن ينال المسؤولية من عدمها، وكيف يفضل من يتقلدون المسؤولية تعويض الكفاءة بالولاء الأعمى.
مسؤولو الغفلة يهابون الذين يفكرون من خارج الصندوق، بل حتى من داخله بوعي.
يخافون من يقولون "لا"، حين يجب قول ذلك. من يضيفون بعد قول "نعم"... عندنا ما يجب شرحه ونحن لا نتفق...
مع ذلك، يمكن أن يستفيدوا منهم، من حين إلى آخر، حين تفرض عليهم ظروف وشروط الانتهازية الحاجة، وتكون الاستفادة في السر طبعا.
كم من جُرمٍ قَتل الكفاءات، أفشل مشاريع وخطط وبرامج، أفلس مؤسسات، بل وزعزع استقرار الدول.
لأن محترفي هذا الجُرم يختارون التضحية بمصلحة الجماعة لأجل الفرد الذي يخاف الفضح... فضح أنفسهم أولا.
لن أطيل أكثر؛ لأن مضمون الرسالة واضح. من يخاف الكفاءات ويعوضها بالفشل والكسل الممزوج بالمصالح أو القرابة وحتى الطاعة، يحفر قبر المستقبل.
أبدعت البشرية لأجل خلاصها، أو على الأقل، فهمها لعدد من الأمراض غير العضوية، عددا من التشخيصات والتسميات لها، وأعتقد أنه حان الوقت ليعتكف العارفون بأحوالنا، من أجل منحنا العلاج ضد "متلازمة الخوف من الكفاءات"!