في الآونة الأخيرة، شهد المغرب تقلبات مناخية شديدة، حيث ارتفعت درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، تزامنًا مع أمطار غزيرة وغير اعتيادية، مما خلف تأثيرات واضحة على الإنتاج الفلاحي والموارد المائية.
تفاوت الأمطار يضعف الموسم الفلاحي الحالي
وفي هذا السياق، صرح محمد بازة، الخبير الدولي في الموارد المائية، أن "الموسم الفلاحي الحالي بدأ رسميًا قبل ما يقرب من شهر ونصف، إلا أن الأمطار سجلت حضورها فعليًا منذ مطلع شهر شتنبر. وقد شهدت البلاد تساقطات مطرية على ثلاث مراحل، كانت أولها خلال شهر شتنبر، حيث تميزت هذه الفترة بأمطار غزيرة جدًا، خاصة في المناطق الجنوبية الشرقية والجنوبية الوسطى".
وأشار بازة، إلى أن "هذه الأمطار كانت ذات فوائد كبيرة، حيث ساهمت في تغذية التربة بالمياه على عمق تجاوز المتر، مع تراكمها على سطح الأرض، ما سمح بتسربها لفترة طويلة، وهو ما ساهم بدوره في تغذية المياه الجوفية على امتداد الوديان. كما أن الأمطار التي شهدتها المنطقة خلال تلك الفترة كانت استثنائية وغير مسبوقة، مع تأثيرات إيجابية ملحوظة على الفلاحة. ويبدو واعدًا، سواء بالنسبة للنباتات، الزراعة التقليدية، أو الماشية، حيث أسهمت الأمطار في إنبات الأعشاب واستعادتها بشكل جيد".
وأوضح الخبير أن "ما يميز هذه الأمطار هو تفاوتها بين المناطق، حيث تركزت أمطار أكتوبر بشكل خاص في الجنوب الشرقي والوسط، إضافة إلى الشمال الغربي للبلاد. وقد كانت الأمطار في الجنوب الشرقي مرتفعة، وجيدة في الشمال الغربي، مما يعكس التباين في كمياتها وتأثيرها على مختلف المناطق".
وأضاف بازة، أن "أمطار شهر نونبر بدأت بكميات محدودة، حيث تراوحت غالباً بين 15 و25 ملم. وكانت هذه التساقطات متفاوتة ومركزة في بعض المناطق، خاصة المدن الجنوبية، وامتدت من أكادير إلى مراكش وصولاً إلى بني ملال، لكنها لم تشمل جميع المناطق بشكل متساوٍ، وهو ما يتشابه مع نمط الأمطار المسجلة في شهر أكتوبر".
وتابع قائلاً إن "الموسم الزراعي الحالي يمكن وصفه بأنه ضعيف إلى حد كبير في الوقت الراهن، نظراً لغياب الأمطار العامة في المناطق الرئيسية المعروفة بإنتاج المحاصيل الزراعية، مثل القمح والشعير في الشاوية وغيرها". وأشار إلى "أن العديد من مناطق المغرب لا تزال تفتقر إلى التساقطات الكافية لضمان موسم زراعي عادي".
ضعف الموارد المائية يهدد الموسم الفلاحي والمخزون الوطني
وأكد بازة، أن "الأمطار، رغم أهميتها، لم تحقق أثراً إيجابياً ملحوظاً على الموارد المائية في السدود. فقد شهدت بعض السدود انتعاشاً محدوداً مع تسجيل واردات مائية تجاوزت مليار متر مكعب. كما أن متوسط ملء السدود حالياً يبلغ حوالي 29 بالمائة، وهو مستوى يزيد بأربع أو خمس نقاط مئوية مقارنة بالعام الماضي، لكنه لا يزال بعيداً عن المستوى المطلوب، ويظل ضعيفاً للغاية".
وأشار الخبير إلى أن "إجمالي كميات المياه المتوفرة حالياً في السدود، بما في ذلك المخزون السابق وما أضيف بعد الأمطار الأخيرة، لا يتجاوز 5 مليارات متر مكعب، وهي كمية ضئيلة للغاية، تكفي بالكاد لتغطية احتياجات مياه الشرب لمدة سنتين على المستوى الوطني".
وأوضح الخبير، أن "الطلب على المياه بالمغرب لا يقتصر على مياه الشرب فقط، بل يشمل أيضاً احتياجات أخرى، لا سيما في المجال الزراعي. ورغم أن الزراعة قد تستفيد بشكل محدود من مياه السدود في بعض المناطق مثل الشمال الغربي والجنوب الشرقي، إلا أن هذه الاستفادة ستكون ضمن نطاق محدود. كما أن الزراعة تعتمد بشكل كبير على المياه الجوفية، حيث أشارت وزارة المياه إلى أن الاستهلاك السنوي من هذه الموارد يبلغ حوالي 5 مليارات متر مكعب خلال السنوات الخمس إلى الست الماضية".
وأشار بازة، إلى أن "ضعف الموارد المائية يفرض تحدياً كبيراً، مما يستدعي الإجابة عن السؤال: ما الذي يجب فعله لضمان تدبير أفضل لهذه المياه؟ وأكد أن الخطوة الأولى تكمن في ترشيد استخدام المياه والمحافظة على أكبر كمية ممكنة منها، خصوصاً أن المستقبل قد يحمل تحديات كبيرة، مثل استمرار الجفاف خلال العامين المقبلين، مما قد يؤدي إلى نقص حاد في مياه الشرب".
ضرورة ترشيد استهلاك المياه لمواجهة تحديات الجفاف
وشدد على "ضرورة تجنب الإسراف في استهلاك المياه المتوفرة حالياً في السدود، إلى جانب الحرص على الاستخدام العقلاني للمياه الجوفية المخزنة في الطبقات المائية. لكنه نبه إلى أن غياب الرقابة الفعالة على استغلال المياه الجوفية يشكل أزمة كبيرة تتطلب حلولاً عاجلة".
وأفاد أنه "يتوجب على الأقل ترشيد استخدام مياه السدود واعتماد إدارة عقلانية صارمة لها، لضمان الحفاظ على أكبر قدر ممكن منها، خصوصاً في ظل احتمالية أن تكون السنة الحالية جافة. وأشار إلى أن احتمالات الجفاف قائمة وبنسبة غير قليلة، مما يتطلب الاستعداد لجميع السيناريوهات الممكنة".
وأوضح أن "ما يميز الموسم الحالي، منذ أشهر شتنبر وأكتوبر ونونبر، هو الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة، حيث شهد المغرب خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة درجات حرارة قياسية في عدد من المدن. وأضاف أنه من المنتظر صدور تقرير عن المديرية العامة للأرصاد الجوية لتوضيح تفاصيل هذا الارتفاع الاستثنائي".
وتابع بازة، قائلاً إن "لهذا الارتفاع في درجات الحرارة تأثيرات إيجابية وسلبية، حيث كانت إيجابياته واضحة في المناطق التي شهدت تساقطات مطرية أو التي لا تزال تتوفر على موارد مائية، سواء جوفية أو سطحية تُستخدم للري. فقد ساهمت هذه الحرارة في خلق أجواء أشبه بفصل الربيع في تلك المناطق، مما انعكس إيجاباً على الغطاء النباتي والزراعي".
تأثير ارتفاع درجات الحرارة على الموسم الفلاحي والمخاوف من الوضع الراهن
أضاف الخبير أن "ارتفاع درجات الحرارة كان له تأثير سلبي واضح في المناطق التي شهدت تساقطات مطرية قليلة أو لم تشهدها إطلاقاً. ففي المناطق التي سجلت حوالي 20 ملم فقط، قام المزارعون بحرث الأرض وبدأت المحاصيل بالنمو، إلا أن ارتفاع الحرارة لاحقاً أثر سلباً على هذه المحاصيل، حيث تسبب في تراجع الغطاء النباتي وزيادة الحاجة إلى المياه. كما انعكس ذلك سلباً على الماشية، التي تعاني من نقص التغذية نتيجة ندرة العشب، إضافة إلى تعرضها للإجهاد بسبب الحرارة المرتفعة، لكن لا يمكن التنبؤ بنتيجة الموسم الفلاحي حاليا لأننا لا زلنا في بدايته وتبقى كل الاحتمالات ممكنة بشأنه".
واختتم حديثه قائلاً إن الوضع الحالي للمخزون المائي لا يمكن وصفه بالمقلق فقط، بل يقترب من أن يكون شبه كارثي، ما يستدعي الحذر والتروي في التعامل معه. وأعرب عن أسفه الشديد كخبير في المجال لغياب أي إشارات من المسؤولين توحي بقلقهم إزاء هذا الوضع، أو خطوات ملموسة تدل على اتخاذهم احتياطات لمواجهته. وأكد على ضرورة أن تبادر الحكومة بوضع خطط واضحة واتخاذ تدابير عاجلة للتعامل مع هذه التحديات.