أولا، وقبل الخوض في صلب الموضوع، يجب أن نبدأ من حيث يكمن خللٌ، عانى منه الجيل الذي نشأت رفقته داخل التنظيمات الجمعوية والنقابية والسياسية، وحتى الحقوقية!
خلل إبداء الرأي دون تخوين ولا تصنيف، ودون تدشين حملات أخلاقية ضد الأشخاص، مثل التي يشتكي منها اليوم الذين أسسوا لها أصلا، باعتبارها سلوكا من حقهم ارتكابه ومحرمٌ على غيرهم.
ودائما في سياق، التوطئة لما سوف يأتي، أستغرب كيف يعتبر البعض أن رفض رأي ما أو انتقاده، هجوما ممنهجا على شخصه، بشرط أن يبقى الانتقاد داخل دائرة التدافع بالرأي مهما بلغت شدة حقائقه الظاهرة والباطنة.
كثيرون يرددون منذ مدة لازمة: "ولينا ما حيلتنا لبعض الأطراف داخل الدولة، ما حيلتنا لمن يحاولون وحدهم احتكار معارضتها دون غيرهم!"
ومناسبة كل ما سبق، ما صدر عن رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عزيز غالي، بشأن قضية الصحراء المغربية، وتعبيره بصفته، عن ذلك، وهنا بالجزم، مكمن الخطأ قبل الاختلاف تجاه المواقف التي أعلنها.
التحقت بـAMDH عام 2005، حينها كنت أبلغ من العمر 18 سنة. حضرت الجموع العامة للفروع والجهات. عشت أكثر من مؤتمر وطني. شاركت وساهمت في تنظيم ملتقيات منذ أن كنت تلميذا ثم طالبا. واكبت أشد مراحل الاستئصال والفصل والمكائد التي مرت منها الجمعية.
وكان آخر ارتباط تنظيمي لي بها، عام 2010، حين قرر حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي الانسحاب من أشغال المؤتمر الحادي عشر، احتجاجا ضد الانقلاب على قيادة التنظيم الحقوقي وفق منهجية التوافق والتداول، كما كان الحال منذ لحظة التأسيس.
طيلة هذه الفترة، لم يسبق أن طالعت بيانا أو بلاغا ولا حتى ورقة تتحدث عن النزاع المفتعل بشأن الصحراء، تتضمن عبارات من قبيل "حق تقرير المصير" أو "رفض الحكم الذاتي" أو أي تعبير بحمولة سياسية صرفة.
أقول إلى حين كنت واحدا من الأسرة الحقوقية لتنظيم ساهم في بناء الوطن وناضل من أجل مواطنيه مهما كانت صفتهم وانتماءاتهم.
نعم كان النقاش يطرح من طرف بعض الشباب، بهذا الشأن، ويكون حاضرا أحيانا عند "الشياب" من منطلق المزايدة لا غير.
دون أن يعرف هذا النقاش طريقه للتعبير عنه للعلن بختم الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، سواء على المستوى المركزي أو الجهوي أو المحلي.
من حق عزيز غالي أن يعبر بصفته السياسية وانتمائه لتيار سياسي، عن وجهة نظره ونظر حزبه، بخصوص جزء من تراب المغرب، لكن ليس من حقه أن يلصق هذا الموقف بإرث الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، لأن هذا الطرح، حسمه واحد من المؤسسين التاريخيين، الهرم الحقوقي والسياسي عبد الرحمان بن عمر، حين رد على أحد المتحمسين خلال أشغال المؤتمر الخامس بعبارة "أش كتخور؟!"
كانت عبارة دارجة تحمل الكثير من الصدق والعمق ردا على من اقترح إقحام عبارة "تقرير المصير" في البلاغ الختامي للمؤتمر.
وجاء رد بن عمر ليختصر المسافة على من يرغب فهم أبجديات الفصل ما بين السياسي والحقوقي. الأول حق شامل مهما كانت حمولة مواقفه، والثاني دوره حماية التعبير عن ذلك، وليس التماهي معه حد ارتداء ثوبه والرقص فوق الوحل بحذائه.
سوف يلاحظ المتتبعون أن أشرس الرافضين لما جاء على لسان غالي، عبر مقالات وتدوينات بمواقع التواصل الاجتماعي، هم الذين عاشوا وعشن تأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وبنوا صرحها الحقوقي منذ زمن التطوع الصرف لأجل ذلك.
وأشد الرافضين من ارتبطوا بالجمعية قبل أن تتفجر حساباتها البنكية بملايير الدعم. ويصبح لكل مهمة تعويض يجب دفعه بأكثر من طريقة. الذين كانوا أيام شبابهم لا يستطيعون عد الأموال إن تجاوزت قيمة منحتهم الجامعية الهزيلة.
واستمروا في رفض أن تتحول أموال الدعم لمقابل الموقف وإن أُعدِم الفعل الحقوقي بجعله مجرد غطاء بالٍ للسياسي.
يجب أن يعرف المغاربة أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، كانت قبل سنوات، ومهما بلغت حدة تقاريرها الحقوقية، مرجعا لدى الدولة قبل المنظمات والهيئات الحقوقية الإقليمية والدولية.
كان موعد صدور تقريرها السنوي لحظة فارقة تشد أنظار الجميع. بل يجب أن يعرفوا أن أحداث كثيرة وقعت، اعتمدت فيها السلطة على ما صاغته الجمعية للترافع به أمام الخارج، وإن كان يتضمن ما يلذع بشدة أجهزتها.
ومن بين مراجع الدولة بهذا الشأن، تقرير الجمعية عن أحداث "أكديم إزيك". نعم، السلطة في المغرب تعتمد تقرير "AMDH" الذي صدر حينها على أساس أنه مرجعٌ حقوقي مستقل تعود إليه مختلف المؤسسات الوطنية حين تكون الحاجة لذلك.
كان فعل الجمعية الحقوقي يتم في استقلالية تامة عن الداخل والخارج. كانت قوتها في أن تحترم كل الأطراف مواقفها، قبل أن تتغير أشياء كثيرة.
ماذا وقع؟
الجواب عند من أدخلوا أكثر من حصان طروادة إلى أرصدتها وأجهزتها التقريرية!