لم يفوت أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الاسلامية، بعد استعراضه المعطيات المتعلقة بالرأي الشرعي للمجلس العلمي الأعلى حول مدونة الأسرة، للإشارة إلى "الخلفية الدينية والتاريخية والمؤسساتية لهذا الاستفتاء".
وقال وزير الأوقاف في كلمته، اليوم الثلاثاء، باللقاء التواصلي حول مقترحات مدونة الأسرة، أن "استفتاء العلماء من قبل أمير المؤمنين يدخل في ما أنيط به من حفظ الدين، وأن حفظ الدين التزام في البيعة الشرعية لإمام الأمة".
وأضاف أن "البيعة من فعل "باع" والمراد هو أن الأمة تبيع المشروعية لولي الأمر مقابل التزامه بما تقوم عليه الأمة والدولة والمجتمع، ويتعلق الأمر بما سماه علماء الإسلام بالكليات الخمس وهي: حفظ الدين (لأن الدين هو الذي يعطي المعنى للحياة)، وحفظ النفس (بالأمة والصحة) وحفظ العقل (بالتعليم والنظام العام المبني على المعروف) وحفظ المال (وهو المعاش والتنمية والمعاملة بالحق والعدل) وحفظ العرض (وهو المصطلح عليه اليوم في باب السياسة الاجتماعية بالكرامة)".
وشدّد على أنه "لا تخرج الدساتير الحديثة عن هذه الالتزامات التي تتفرع إلى اهتمامات حكومية، غير أن دساتير البلاد العلمانية لا تنص على حفظ بهذا المعنى، علما بأن الحاجة إلى الدين ديموقراطيا حاجة اجتماعية وهي عند المؤمنين الحاجة الأولى".
وأوضح أن "أمير المؤمنين في النظام المغربي يستعين في حفظ الدين بمعناه العام لجميع مؤسسات الدولة، حكومية وغير حكومية، ويستعين بحفظ معناه الخاص أي العبادات والمعاملات بالعلماء؛ والمؤسسة العلمية في وقتنا الحاضر هي وريثة مشيخة العلماء في التاريخ، ويرأسها أمير المؤمنين، وتتكون من المجلس العلمي الأعلى بأمانته العامة وكتابته، ومن المجالس العلمية المحلية في العمالات والأقاليم وعددها اثنان وثمانون، في كل مجلس رئيس واثنا عشر عضوا من بينهم أربع من العالمات".
ولفت الانتباه إلى أن "الفتوى من جهة العلماء قائمة على الاجتهاد، وهو قائم على النظر في النصوص الشرعية، نظر وضع له علماء الإسلام قواعد وآليات تضبط فهم النصوص والاستنباط منها حتى لا تنفلت عن القصد التعبدي المقرر فيها بالامتثال والاستجابة، ولهذه الغاية رتب العلماء مصادر التشريع وجعلوا على رأسها القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والقياس وميزوا في النصوص الشرعية بين القطعية والظنية؛ فالدليل القطعي هو الذي يفيد العلم اليقيني، ويشمل الآيات القرآنية القطعية الدلالة، والأحاديث النبوية القطعية الثبوت وهي المتواترة".
وتابع: "هكذا فمجال الاجتهاد محصور في ما لم يرد فيه نص من الكتاب والسنة ولم ينعقد فيه إجماع؛ والآيات القرآنية ظنية الدلالة؛ والأحاديث النبوية ظنية الثبوت والدلالة معا. ومن مرتكزات الاجتهاد عند علماء المملكة مراعاة أمرين: اعتبار "المصلحة المرسلة"، وهي كما عرفها العلماء: المصلحة التي لم يرد في الشرع ما يدل على اعتبارها ولا ما يدل على إلغائها؛ والالتزام بالمذهب المالكي أولا؛
وأشار إلى أنه "قد صدر العلماء فتواهم في موضوع مدونة الأسرة بهذه الحيثيات المتعلقة بالاجتهاد، وذيلوها بالتفويض لأمير المؤمنين، وذلك لكونه إمام الأمة الأعظم وولي أمرها، يتخذ كل ما يراه مناسبا لحماية الدين والملة ولسياسة الدنيا به؛ ولحفظ وحدة الأمة ورعاية مصالحها ودرء المفاسد عنها. غير أن أمير المؤمنين لم يستعمل هذا التفويض، مما يفيد أنه يضع ثقته في العلماء ويحملهم مسئولياتهم".
وأبرز أن "دور العلماء في تأطير التدين لا ينحصر في الإفتاء، بل هو في الأساس دور تبليغي ومن ثمة فهو دور تخليقي، ومن قبيل هذا التخليق الحرص على العلاقة بين الرجل والمرأة، هذه العلاقة التي بناها القرآن الكريم على المعاشرة بالمعروف، هذه المعاشرة التي تصون المحبة والرحمة وتغني عن اللجوء إلى تبعات الخلاف سواء كانت مادية أو معنوية".
ونبه إلى أنه "في باب التخليق فإن العلماء واعون بواقعية القرآن في جانب ضعف الإنسان وبأن دورهم التبليغي هو تدبير هذا الضعف، مع سياق فهم تام لارتباط الاتباع بضغوط النظام الاقتصادي والاجتماعي لهذا العصر".
الرأي الشرعي للمجلس الأعلى للعلماء