أحمد مدياني: "الشعب" وغزة.. المملكة وفلسطين

أحمد مدياني
أحمد مدياني

دخل ما يوصف، عنوة، بـ"وقف إطلاق النار" بقطاع غزة، حيز التنفيذ، يوم أمس الأحد. لا أهضم الوصف؛ لأنه لا يستقيم، بالنظر إلى ما عاشه كل تراب فلسطين المحتلة على مدار 15 شهرا، قبل 7 أكتوبر 2023 بعقود، وسوف يكون ما بعده.

ما كان يحدث في غزة إبادة جماعية؛ استعان فيها المحتل بأطنان من المتفجرات والأسلحة الفتاكة التي يلجأ إليها جيش دولة في مواجهة جيش آخر، وليس في مواجهة مقاومة مسلحة تعتمد، بالأساس، على ما تنتجه من معدات حربية محلية الصنع.

ما حدث في غزة اقترفه المحتل بدعم حلفائه الكبار، برا وبحرا وجوا، مع تمكينه من خطوط إمداد مالية وعسكرية وسياسية ودبلوماسية لا تنضب، يقابلها تحرك لوبيات الصهاينة فوق كل شبر من العالم، وخوض معركة منع أي تحولات لصالح قضية تحرر الشعب الفلسطيني، وهي المعركة التي خسرها، وهذا ما يهمنا نحن المغاربة في هذا الجزء من حكاية الإبادة.

يوم 7 ماي 2024، نشرت افتتاحية بعنوان: "الملك يربح معركة للمستقبل"، وكانت المناسبة الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس، يوم 5 من نفس الشهر، إلى القمة الـ15 لمنظمة التعاون الإسلامي.

خطاب حسم، حينها، الجدل الذي أثير، اليوم، بخصوص ضرورة توجيه قادة "حماس" الشكر إلى المغرب من عدمه.

ولفهم الرسالة بشكل أوضح، لا مانع من استحضار جواب قاله أحد قادة الحوار بين الفرقاء الليبيين للزميل محمد فرنان، خلال آخر جولة تفاوض لهم بالمغرب.

سأل فرنان المسؤول الليبي: "لماذا تتمسكون بالحوار والتفاوض بالمغرب، رغم وجود دول إقليمية أقرب إليكم جغرافيا وسياسيا؟!"

الجواب كان: "المملكة المغربية تحترم سيادة القرار الليبي، ولا تفرض قراءة البيانات الختامية قبل إعلانها. نحن نأتي إلى هنا وكلنا قناعة بأن المغرب لن يبتز الليبيين بكافة أشكال التدخل التي نهتجها بعض الدول، فيما تواصل أخرى المحاولة بخصوصها".

هذه هي قناعة الدبلوماسية المغربية، وكيف تُصرف علاقاته الدولية من منطلق الدعم والمساهمة، وليس الابتزاز والتوظيف السياسوي الضيق، مهما كانت كلفته.

وبالعودة إلى خطاب الملك الموجه إلى القمة الإسلامية، وجب الوقوف عند فقرة مهمة جاءت فيه، تضمنت خارطة طريق ما يجب أن يكون، وليس ما يجب المزايدة به، مقابل أقل مما هو ممكن.

وهي أن "الحديث الرائج عن مستقبل قطاع غزة لا يستقيم إلا في ظل وقف الاعتداءات، ورفع كافة أشكال المعاناة عن الشعب الفلسطيني. فقطاع غزة شأن فلسطيني وجزء من الأراضي الفلسطينية الموحدة، التي يجب أن تنعم بالسلم والاستقلال ضمن رؤية حل الدولتين، ووفقا للقرارات الدولية ذات الصلة".

واليوم وبالأمس وغدا، وضع المغرب، بكل جرأة، قناعاته المعلنة تجاه نهجه في نصرة القضية الفلسطينية، نصرة تهم كافة التراب الفلسطيني، وليس القطاع وحده. نصرة تنسجم فيها الخطابات والمواقف المعلنة مع القناعات التي تروج داخل الغرف المغلقة، نصرة لا رياء ولا نفاق ولا استرزاق ولا ابتزاز فيها.

حين يتحرك المغرب في الملف أو يبادر أو يساهم ويساعد، يكون ذلك لأجل كافة فلسطين، وليس لأجل غزة؛ لأنها خاضعت لإدارة "حماس"، كما يفعل محور قطر وتركيا وإيران، وليس لأجل الضفة الغربية، كما تقوم بذلك دول الخليج؛ لأنها تحت حكم السلطة الفلسطينية الرسمية.

في هذا السياق، يؤكد الملك، ودائما، حسب نص خطابه للقمة الإسلامية الأخيرة، على أن "العدوان الغاشم على غزة، الذي جعل الشعب الفلسطيني الأبي يعيش أوضاعا بالغة الخطورة، تشكل وصمة عار على جبين الإنسانية. ومما يزيد من تفاقم هذه الأوضاع، ارتفاع وتيرة الاعتداءات الممنهجة من طرف المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية، بإيعاز من مسؤولين حكوميين إسرائيليين".

ويشدد الملك على أن ما عشناه ونعيشه من أوضاع هو نتاج "الإجراءات الإسرائيلية الأحادية غير الشرعية، التي تطال الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك، بهدف تغيير الوضع القانوني والحضاري لمدينة القدس الشريف".

هذه الكلمات تلخص كل شيء، وتحسم التساؤل تجاه نطق كلمة الشكر على لسان قادة "حماس" من عدمها.

أخيرا، يحق لفئات من شعب المغرب، بالنظر إلى شحنات التعاطف والنصرة، طيلة أشهر، انتظار كلمة الشكر. لكن مملكة المغرب لا يجب أن يفرض عليها البعض التفاعل مع الفصائل وما يصدر عنها، وكذلك تفعل.

لأجل ذلك، لا حرج من القول والاعتراف بأن النظرة إلى قطاع غزة وحده تختلف عن النظرة إلى فلسطين كاملة. وهنا الفرق الذي يجب أن يكون ويستمر، فرق ما بين معادلة "الشعب" وغزة.. المملكة وفلسطين.