أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، يوم الأحد الماضي، أن دولا جديدة، من بينها المغرب، أعربت عن اهتمامها بالانضمام إلى الشراكة العالمية للذكاء الاصطناعي "Current AI"، وذلك خلال اجتماع وزاري للدول الأعضاء.
وفي هذا الإطار، قال أمين سامي، خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير للشركات والمؤسسات والاستراتيجيات التنموية، اليوم الجمعة، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، إن انضمام المغرب يعكس سعيه ليكون لاعبا إقليميا في اقتصاد المعرفة ويعزز مكانته كجسر بين إفريقيا وأوروبا.
وسجل سامي أن مشاركة المغرب في هذه المبادرة تعتبر بوابة جديدة نحو آفاق مستقبلية في قطاع الذكاء الاصطناعي، خاصة فيما يتعلق بتطوير السياسات الرقمية، وتحسين الأمن السيبراني، وجذب الاستثمارات التقنية، قبل أن يستدرك: "لكن بالمقابل، يجب مواجهة التحدي الأصعب؛ وهو الاستفادة من المبادرة، مع الحفاظ على السيادة الرقمية".
ولفت الخبير إلى أن المغرب، قبل انضمامه إلى المبادرة، يحمل تراكما قويا في المجال الرقمي، يتمثل في كونه الدولة الإفريقية الوحيدة التي تنظم أكبر معرض للتكنولوجيا في القارة الإفريقية "Gitex Africa"، وأول دولة إفريقية قامت بتنزيل توصية من توصيات اليونسكو بشأن الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى قيامه، رفقة الولايات المتحدة الأمريكية، بالمساهمة في إصدار قرار أممي غير ملزم بشأن تقنين الذكاء الاصطناعي، وكذلك مساهمته في تنظيم أول منتدى رفيع المستوى بشأن الذكاء الاصطناعي على الصعيد الإفريقي، فضلا عن تنظيمه للعديد من اللقاءات الدولية والمؤتمرات فيما يخص الأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة،... وإنشائه مركزا للذكاء الاصطناعي بجامعة محمد السادس المتعددة التخصصات.
وتابع سامي: "ناهيك عن الموقع الاستراتيجي للمغرب، وترتيبه المشرف في العديد من المؤشرات الدولية والعالمية، بسبب استمرار الإصلاحات الهيكلية (مثل تعزيز الصناعة الخضراء، ومشاريع الطاقة الشمسية)، والتي نذكر منها؛ "مؤشر التنويع الاقتصادي" (Economic Diversification Index)؛ حيث يحتل المغرب مركزا متقدما نسبيا بإفريقيا (مثلا: 7 في إفريقيا، عام 2022)، بسبب استثماراته في الزراعة، والسياحة، والطاقات المتجددة، والصناعات التحويلية (مثل السيارات)، و"مؤشر سهولة ممارسة الأعمال" (Ease of Doing Business) الذي توقف البنك الدولي عن نشره، عام 2021، لكن مؤشرات وتقارير أخرى؛ مثل "مؤشر الحرية الاقتصادية" و تقرير "المنتدى الاقتصادي العالمي" تُستخدم كبديل؛ إذ يُعتبر المغرب بيئة أعمال أكثر جذبا بسبب إصلاحات؛ مثل تبسيط الإجراءات الضريبية، وتشجيع الاستثمار الأجنبي (مشروع "شباك واحد" كمثال).
وذكر المتحدث نفسه أنه من المؤشرات، أيضا، "مؤشر التنافسية العالمية" (Global Competitiveness Index) الذي يصنف المغرب الأفضل في شمال إفريقيا (مرتبة 54 عالميا، عام 2023)، بسبب البنية التحتية المتطورة (موانئ، وطرق سريعة)، وقطاع خدمات قوي، بالإضافة إلى "مؤشر المعرفة العالمي" (Global Knowledge Index)؛ حيث احتلت المملكة المرتبة 98 عالميا، عام 2024، بسبب استثماراتها في التعليم العالي والبحث العلمي، حتى وإن كانت محدودة النتائج، فضلا عن "مؤشر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات"؛ حيث احتل المغرب الرتبة 77 عالميا، و"مؤشر الابتكار العالمي" (Global Innovation Index)؛ إذ حصلت المملكة على الرتبة 66 عالميا، عام 2024؛ حيث يتضح تقدم في ريادة الأعمال الرقمية والمشاريع الناشئة (مثل قطاع FinTech)، فيما احتلت الرتبة 9 إقليميا.
وأضاف سامي: "كما أن هناك "مؤشر الاقتصاد الرقمي" (Digital Economy Index)؛ حيث احتل المغرب الرتبة 58 عالميا، عام 2023. وأخيرا، "مؤشر الحكومة الإلكترونية" (E-Government Development Index)؛ إذ احتل المغرب الرتبة 90 عالميا، عام 2024، محققا تقدما بـ11 مركزا".
وسجل الخبير أن المبادرة ستعزز من مكانة المغرب كمنصة لنقل المعرفة بين إفريقيا وأوروبا، وجعله منصة إقليمية قارية رقمية تصدر الخدمات الرقمية إلى الدول الإفريقية، وتساهم في تعزيز مكانته كمركز إقليمي للذكاء الاصطناعي في إفريقيا.
بالمقابل، أوصى بـ"العمل على تطوير منظومة ذكاء اصطناعي محلية، والزيادة في ميزانية البحث العلمي والابتكار، من أجل الرفع من القدرات والمواهب الرقمية في هذا الإطار، والعمل على ضمان السيادة الرقمية بمكونيها الاثنين؛ سيادة البيانات والسيادة المعلوماتية".
كما شدد سامي على أن "مبادرة "Current AI" ليست مجرد مشروع تقني، بل هي فرصة حقيقية للدول المشاركة لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي محلية تخدم التنمية المستدامة، وتحقق الرفاهية الاقتصادية لشعوب الدول المشاركة في المبادرة".
وفيما يخص الاستفادة الحقيقية للمغرب من هذه المبادرة، أفاد الخبير بأنها تكمن في عدة نقاط أهمها؛ تعزيز قدراته الذاتية في الذكاء الاصطناعي، بدلا من الاعتماد الكامل على التكنولوجيا المستوردة، والمحافظة على سيادته الرقمية عبر التحكم في بياناته، وعدم السماح بفتحها بشكل غير مدروس، بالإضافة إلى استغلاله المبادرة كمنصة للتأثير في صنع السياسات بدلا من مجرد تنفيذها، والربط بين المبادرة واستراتيجيته الوطنية للذكاء الاصطناعي لضمان التكامل بين المشاركة الدولية والتطوير المحلي.
وتابع أن اختيار المغرب إلى جانب الدول الإفريقية المشاركة (نيجيريا، وكينيا) يتجلى في الرغبة في تعزيز النفوذ الرقمي في الجنوب العالمي. وبالتالي، فهذا الأخير يعتبر مركزا رقميا ناشئا في شمال إفريقيا، وله شراكات قوية مع أوروبا، كما يسعى إلى أن يكون رائدا إفريقيا في الذكاء الاصطناعي.
وعن الهدف الأساسي من إشراك هذه الدول، كشف سامي أن هناك رغبة في الحد من هيمنة الصين على التكنولوجيا في إفريقيا، وإشراك الدول النامية في تشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي، ودعم تطوير الذكاء الاصطناعي في مجالات حيوية؛ مثل الصحة، والزراعة، والاقتصاد الرقمي، مؤكدا أن اختيار هذه الدول لم يكن اعتباطيا، بل كان استراتيجيا واستشرافيا، ويكشف ثلاثة معايير رئيسية. أولا، التوازن الجيوسياسي؛ حيث أن المبادرة تجمع بين أوروبا، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية؛ مما يسمح ببناء نموذج عالمي للذكاء الاصطناعي ينافس الصين وأمريكا. ثانيا، تنوع القدرات التكنولوجية؛ إذ هناك دول رائدة في الأبحاث (ألمانيا، وسويسرا، وفنلندا)، وأخرى ناشئة في التكنولوجيا (المغرب، ونيجيريا، وكينيا، وتشيلي)؛ مما يضمن دمج الأفكار الجديدة مع الخبرة التقنية. ثالثا، النفوذ الرقمي والمصالح الاقتصادية؛ حيث تسعى المبادرة إلى دمج الأسواق الرقمية الناشئة مع التقنيات الأوروبية، ما يخلق فرصا اقتصادية جديدة، ويحد من الاعتماد على أمريكا والصين.
واعتبر الخبير، في تصريحه لـ"تيلكيل عربي"، أن المغرب أمام فرصة استراتيجية كبيرة، لكن عليه أن يحرص على عدم الوقوع في التبعية الرقمية، بل استغلال هذه المبادرة لنقل التكنولوجيا وتطوير الكفاءات المحلية، بالإضافة إلى توظيف الذكاء الاصطناعي لتعزيز الاقتصاد المحلي، بدلا من الاعتماد على حلول مستوردة بالكامل، فضلا عن العمل على شراكات إقليمية مع باقي الدول الإفريقية لتعزيز مكانته كمركز رقمي في إفريقيا.
وفي هذا الإطار، اقترح سامي توصيات عديدة متمثلة في "العمل على بناء نظام ذكاء اصطناعي وطني قوي، من خلال الاستثمار في تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي محلية، بدلا من الاعتماد على الحلول المستوردة؛ ما يعزز استقلاله الرقمي"، و"العمل على تعزيز الشراكات مع باقي الدول الإفريقية، من خلال بناء تحالفات رقمية داخل القارة لتطوير حلول تلائم السياقات المحلية"، و"العمل على تعزيز وتقوية الإطار القانوني لحماية البيانات الوطنية، من خلال تشريعات قوية حول حماية البيانات، وسياسات قوية وواضحة حول استخدام الذكاء الاصطناعي، لضمان عدم استغلال موارده الرقمية من قبل الشركات العالمية".