أعرب المكتب المحلي للنقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، عن أسفه الشديد إزاء ما أسماه "التراجع الخطير" الذي شهده المعهد خلال السنوات الأربع الأخيرة، خاصة على مستوى الحكامة والتدبير الإداري.
ووفقاً للبيان الذي توصل موقع "تيلكيل عربي" بنسخة منه، اليوم الاثنين، أدى "غياب رؤية استراتيجية واضحة لتطوير المؤسسة وتجويد خدماتها إلى قرارات متخبطة وتدبير ارتجالي، ما أثر سلباً على سير العمل داخلها. ويعكس هذا الوضع بوضوح الإشكالات المرتبطة بطريقة تعيين المدير الحالي للمعهد.
وسجل المكتب أن المؤسسة تشهد تأخراً غير مسبوق في معالجة الملفات والمراسلات الإدارية، إلى جانب غياب التوافق داخل الفريق الإداري، مما يؤثر سلباً على السير العادي للمؤسسة ويضر بمصالح الأساتذة والطلبة.
وأضاف البيان أن المؤسسة تشهد عرقلة ممنهجة لمشاريع البحث والتنمية التي ينجزها بعض الأساتذة الباحثين، مما يشكل تهديداً خطيراً لمستقبل البحث العلمي داخلها. كما يتم انتهاج سياسة إقصائية تستهدف الأساتذة الباحثين، خصوصاً أولئك الذين يعبرون عن مواقف مستقلة. ويزداد الوضع تعقيداً بتهميش دور الهياكل البيداغوجية في اتخاذ القرارات، والتدخل غير المشروع في الشؤون الداخلية للأقسام والوحدات البيداغوجية، في خرق واضح للقوانين المنظمة للمؤسسة.
وفي سياق متصل، أضاف المكتب المحلي أنه يُلاحظ هدرا للمال العام في مشاريع تفتقر إلى الدراسة والتخطيط، مثل تغيير المباني وإعادة تهيئتها دون مبررات واضحة، إضافة إلى تخصيص ميزانية كبيرة من أموال المعهد لتجديد وتجهيز السكن الوظيفي للمدير، في وقت تواجه فيه المؤسسة أزمة مالية حادة. كما أثار الانتباه إلى مشروع تهيئة حضرية قد يتسبب في تقسيم مرافق المؤسسة وإعادة تشكيل فضائها، مع اتخاذ القرارات بشأنه بشكل أحادي دون الرجوع إلى هياكل المؤسسة المعنية.
أما على المستوى البيداغوجي والعلمي، فقد ذكر المكتب المحلي أن السياسة التدبيرية الحالية أسفرت عن تراجع خطير في الأداء الأكاديمي للمؤسسة، حيث لوحظ انخفاض ملحوظ في جودة التكوين والتأطير، مما أثر سلباً على الكفاءة العلمية والتقنية للخريجين. وقد أكدت عدة جهات شريكة، من بينها مؤسسات التوظيف في القطاعين العام والخاص، هذا التراجع استناداً إلى تقييماتها وخبراتها الميدانية.
وأشار البيان إلى أن ذلك تجلى، على سبيل المثال لا الحصر، في تدمير المحطة البحثية الخاصة بمعالجة المياه العادمة في المعهد، والتي كانت تعتبر رائدة على المستوى الوطني، ليتم استبدالها بمشروع آخر بتكلفة بلغت 8 ملايين درهم، ولكن هذا المشروع لم يكتمل بسبب عيوب في التصور، فضلاً عن تكليف أستاذ عديم الكفاءة لمتابعته.
ولفت إلى أن من مظاهر سوء التدبير، أيضا، هدم مختبرات علمية قبل الاستلام النهائي للمبنى الذي يضمها، والذي خصصت له ميزانية قدرها 4 ملايين درهم لتهيئته. وتم تحويله إلى مركز رقمي دون جدوى ودون استشارة الهيئات المتخصصة بالمعهد. والأدهى أن التجهيزات العلمية التي اقتُنيت بأكثر من 8 ملايين درهم لتجهيز تلك المختبرات التي لم يُكتب لها الوجود، ولم تُستخدم حتى الآن لمدة تزيد عن ثلاث سنوات، مما يعرضها للتلف.
وجاء في البيان أنه لوحظ تراجع ملحوظ في مستوى البحث العلمي والإشعاع الدولي للمؤسسة، مع غياب استراتيجية واضحة لتطوير البحث العلمي وتشجيع الابتكار. هذا التراجع أدى إلى انخفاض في عدد المنشورات العلمية وبراءات الاختراع. وقد انعكس هذا سلباً على مجال التعاون الدولي، الذي شهد تراجعاً ملحوظاً، تزامناً مع تراجع مشاركة الأساتذة في المؤتمرات العلمية الدولية.
وأفاد أنه على مستوى تدبير الموارد البشرية، يشهد هذا المجال اختلالات وصفها بالخطيرة تتجلى في إسناد مسؤوليات إدارية وبيداغوجية لأساتذة معروفين بتغيبهم لفترات طويلة عن المؤسسة، وعدم احترام معايير الكفاءة والاستحقاق في التعيينات في مناصب المسؤولية. كما نلاحظ تهميشاً للكفاءات العلمية المشهود لها بالكفاءة والنزاهة، مع غياب خطة واضحة لتعويض الأساتذة المحالين على التقاعد.
وسجل المكتب أنه يُضاف إلى ذلك التعسف في منح التراخيص للمهمات العلمية في الخارج، وعدم احترام الحقوق المكتسبة للأساتذة الباحثين، مع غياب سياسة واضحة لتحفيز الأساتذة وتشجيع المبادرات العلمية. كما يُسجل عدم احترام القانون وغياب الشفافية في توظيف الأساتذة الباحثين، مما يستوجب فتح تحقيقات في مدى نزاهة بعض الاختبارات، والتحقيق في معايير ومصداقية منح التمديد لبعض الأساتذة دون غيرهم.
وأفاد أن هذه الممارسات السلبية مجتمعة أفضت إلى تأثيرات نفسية عميقة على الأساتذة الباحثين، انعكست بشكل جلي في تراجع حماسهم وفقدان دافعيتهم للعمل. وقد تجلى ذلك في تزايد ظاهرة الغياب وخلو المكاتب والأقسام من روادها المعتادين، مما خلق أجواء من الكآبة والإحباط.
وأدان بشدة السياسة التدبيرية الحالية التي أدت إلى تراجع مكانة المؤسسة وإضعاف دورها الريادي في المشهد الجامعي الوطني والدولي.
وطالب البيان بفتح تحقيق شامل وموضوعي حول الاختلالات التدبيرية والمالية التي تعرفها المؤسسة، مع ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذا التدهور. كما دعا إلى إعادة النظر في طريقة تدبير المؤسسة بما يضمن الشفافية والنجاعة والحكامة الجيدة، من خلال اعتماد معايير موضوعية وشفافة في التدبير، واحترام القوانين والأنظمة المعمول بها، وتفعيل دور الهيئات التمثيلية للأساتذة، وإشراك جميع المكونات في اتخاذ القرارات المصيرية للمؤسسة.
وأكد على ضرورة احترام استقلالية المؤسسة والهياكل البيداغوجية والعلمية لها، ومنحها الصلاحيات اللازمة للقيام بدورها. كما طالب باحترام الحقوق المشروعة للأساتذة الباحثين وضمان تكافؤ الفرص في الترقيات والتعيينات والمهام العلمية والمشاركة في المؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الاستفادة من التجهيزات والموارد.
وطالب بتفعيل توصيات الكتاب الأبيض الذي قدمه المكتب النقابي كخارطة طريق للإصلاح، والذي يتضمن رؤية متكاملة لتطوير المؤسسة. كما دعا السلطات المعنية للتدخل العاجل لإنقاذ هذا الصرح العلمي العريق من التدهور المستمر الذي يهدد مستقبله ومستقبل أجيال من الطلبة والباحثين.
وأكد البيان على احتفاظ المكتب بحقه في اتخاذ كافة الأشكال النضالية المشروعة للدفاع عن حقوق الأساتذة الباحثين وكرامتهم. واستعداده للحوار البناء والمسؤول من أجل إيجاد الحلول المناسبة. ودعا جميع الأساتذة الباحثين إلى التعبئة والتضامن من أجل الدفاع عن مصالح المؤسسة ومستقبلها، وطالب بتفعيل آليات المراقبة والتتبع لضمان حسن تدبير المؤسسة.