أحمد مدياني: خلايا تفتيت الثقة

أحمد مدياني
أحمد مدياني

يعقد المكتب المركزي للأبحاث القضائية، صباح اليوم الاثنين، 24 فبراير، ندوة صحفية على ضوء تفكيك خلية إرهابية امتد استقطابها، بتعلميات من قيادي في تنظيم "داعش" بمنطقة الساحل الإفريقي، إلى عدد من المدن المغربية، وبلغت، حسب الصور التي نشرتها المصالح الأمنية، مستويات متقدمة من تنفيذ مخططاتها، فضلا عن تأمينها لإمدادات مهمة من الأسلحة الخفيفة والأتوماتيكية.

ندوة اليوم، أتمنى أن تتجاوز حدود الخطاب الأمني وبسط المعلومات التقنية حول الخلية وأعضائها وارتباطاتها.

لماذا؟

لأن ناقوس خطر محدق دق أكثر من مرة، وخطر صدى ضجيجه يمكن أن يدك الحجر ويجعل من البشر ضحايا، دون انفجار عبوة ناسفة أو إطلاق رصاصة واحدة.

ناقوس خطر تفتيت الثقة. وتصوير أي عملية أمنية بهذا الحجم على أنها "مسرحية" فقط، قامت أجهزة الأمن بكتابة سيناريو عرضها للعموم لغاية في نفس يعقوب.

خطاب التشكيك الذي يجتاح وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح يتحرك وفق قاعدتين.

الأولى، قاعدة ردود فعل مواطنين بتعبيرات افتراضية، عفوية، تُصدر ردود فعلٍ مصدرها فقدان الثقة في من يقود تفاصيل حياتهم اليومية، ثم تأتي تحركات الأمن، لتتحول إلى ما يشبه "بارشوك"، يمتص مكرها، نتائج أخطاء المسؤولين.

وبتحليل أدق لهذه القاعدة، فإن تعبيراتها، وإن كانت حادة، فهي تخبر الأمن، بأن له دورا حاسما في حماية المغاربة من الفساد ونهب المال العام واستغلال النفوذ والسلطة لأجل بضعة أفراد على حساب الشعب.

أي أن تدوينات هذه القاعدة تذهب كلها في اتجاه مساءلة الثقة التي يضعونها في الأمن، وليس العكس، كما تتحرك وفقه القاعدة الثانية التي سوف نأتي على ذكرها لاحقا.

المواطن بدأ، اليوم، يطرح أمام خطاب الاستقرار سؤال: أين هي التنمية؟

ويدخل تحت مظلة الجواب عن الحاجة إليها، كل ما هو مرتبط بتوفير مناصب الشغل والصحة والتعليم وفرص الانعتاق من كماشة ضنك العيش الذي أصبح يخنق فئات أوسع من المجتمع المغربي.

بدأ المغاربة في تكوين قناعة سيكون لها ما بعدها، إن لم يتم استدراك الكثير مما فات ويفوت، حجر زاويتها التساؤل حول من يستفيد من هذا الاستقرار؟ وإلى متى؟

وهنا، تجد القاعدة الثانية الأرض الخصبة لزرع ثمار تفتيت الثقة الحقيقي.

هذه القاعدة، أصبحت لها منصات افتراضية قارة ومعروفة. كلما أعلنت المصالح الأمنية خبر تفكيك خلية إرهابية فوق التراب الوطني أو ساهمت في ذلك خارجه، تخرج بخطة دعاية منسقة، لتسويق أن كل ما تم التواصل بشأنه مجرد "إلهاء ودعاية وتضخيم لأخطار غير حقيقية".

والأخطر، أن السواد الأعظم من القاعدة الثانية يتحرك وفق نهج يتقاطع عند نقط كثيرة، مع من يشكلون الخلايا الإرهابية النائمة والنشطة.

أي أنها ترى، وفق عقيدتها الأصلية، أن الأجهزة الأمنية، وإن كانت صادقة، فهي عدو يجب هزيمته بالدعاية ضده، قبل استهدافه على أرض الواقع.

جعل الأجهزة الأمنية، بمختلف تعبيراتها، جهازا وجب شيطنته ما أمكن، ومنازعته على أدواره داخل المجتمع. مع من؟ وضد من؟

وفي هذه المرحلة، تحقن القاعدة الثانية من هم ضمن نطاق الأولى، بجرعات من الاستقطاب، وفق نهج التدرج في رفع سقف تشكيكها، والنزوح نحو تعويض قناعة الانتقاد مع حضور الحاجة والضرورة، لقناعة انتفائهما، مع تحويل فعل الانتقاد لفعل خطاب الهجوم المباشر.

وللأسف، ما يعيشه المغاربة، اليوم، من أوضاع اقتصادية واجتماعية وحتى ثقافية، يسهل عملية تسريع التماهي بين القاعدتين.

أضف إلى ذلك، جمود النقاش السياسي، إن لم نقل أنه يُحتضر، في حضرة منح كل شيء لتكنوقراط صبغوا بألوان تنظيمات سياسية، من يتزعمها، يتحرك فقط وفق الحاجة لكسب الغنائم وليس خدمة الوطن.

هكذا هي الصورة الكاملة اليوم على حد ما حاولت فهمه طيلة الأسابيع الماضية، بعيدا عن تأثيرات اللحظة.

صورة يتم ملء ما ترك عليها من فراغات، بما تنتجه عن سبق إصرار وترصد خلايا تفتيت الثقة.