أعادت التساقطات المطرية الأخيرة في عدد من المدن المغربية، وعلى رأسها بركان، الجدل حول هشاشة البنية التحتية التي كشفت عن ضعف واضح في تدبير المرافق الأساسية، خاصة قنوات تصريف المياه.
وسلط الحادث الأليم الذي شهدته مدينة بركان؛ حيث لقيت طفلة مصرعها غرقا في إحدى البالوعات المفتوحة، الضوء على واقع مأساوي تعيشه العديد من المناطق الحضرية والقروية بالمغرب، وسط تساؤلات حول المسؤولية والحلول الممكنة.
الأمطار تعري هشاشة البنية التحتية
وعرفت مدن مغربية عديدة، خلال الفترة الماضية، تساقطات مطرية غزيرة تسببت في فيضانات شلت حركة السير وأغرقت شوارع وأحياء بكاملها؛ مما أدى إلى وقوع خسائر بشرية ومادية جسيمة، سواء على مستوى المحلات التجارية، أو المنازل والممتلكات الخاصة.
لكن الكارثة الكبرى كانت بمدينة بركان؛ حيث سقطت طفلة في بالوعة مفتوحة وسط الشارع العام، وغرقت بسبب قوة تدفق المياه.
مشهد مأساوي هز الرأي العام، وأثار غضبا واسعا، خصوصا مع تواتر الحوادث المشابهة في مختلف المناطق؛ مما يطرح أسئلة ملحة حول مدى نجاعة البنية التحتية وقدرة السلطات على تفادي كوارث مماثلة.
تكرار السيناريو ذاته
ولا يعتبر ما وقع في بركان حادثا معزولا، بل هو جزء من أزمة أكبر تتكرر كل سنة؛ حيث شهد المغرب، خلال السنوات الماضية، العديد من الكوارث التي كشفت عن ضعف بنيته التحتية وعدم جاهزيتها لمواجهة التقلبات المناخية؛ من بينها كارثة تارودانت (عام 2019)، عندما جرفت السيول ملعبا لكرة القدم خلال مباراة محلية؛ مما أدى إلى وفاة عدد من الأشخاص، ثم فيضانات الدار البيضاء (عام 2021) التي تسبب في خسائر فادحة، جراء سوء تصريف مياه الأمطار؛ حيث غمرت المياه منازل وسيارات وأدت إلى تسجيل خسائر مادية ضخمة، تلتها فيضانات تطوان (عام 2022) التي أدت إلى انهيار بعض الطرقات وإتلاف ممتلكات المواطنين، بسبب ضعف شبكات الصرف الصحي.
وأبرزت هذه الوقائع المتكررة أن الإشكال ليس في كمية الأمطار التي تتساقط، بل في مدى جاهزية البنية التحتية لاستيعابها؛ إذ في الوقت الذي يفترض أن تكون شبكات الصرف الصحي مجهزة لمواجهة التساقطات القوية، نجد أن ضعف الصيانة وسوء التخطيط يجعلان من الأمطار تهديدا سنويا بدل أن تكون نعمة طبيعية.
من يتحمل المسؤولية؟
وأمام هذه الأحداث المتكررة، تتجه أصابع الاتهام إلى السلطات المحلية، والجماعات الترابية، وشركات التدبير المفوض المسؤولة عن الصرف الصحي وتدبير المياه؛ حيث يعتبر المواطنون أن هذه الجهات لم تقم بعملها بالشكل المطلوب، سواء من حيث الصيانة الاستباقية، أو مراقبة المرافق، أو التدخل السريع عند حدوث أزمات.
وفي ظل موجة الغضب الشعبي، خرجت العديد من الفعاليات الحقوقية والمدنية للمطالبة بفتح تحقيقات شفافة لتحديد المسؤوليات ومعاقبة المتورطين في الإهمال، الذي أدى إلى وفاة الطفلة ببركان، وأيضا، لوضع استراتيجية واضحة لتأهيل البنية التحتية حتى لا تتكرر هذه الحوادث المؤلمة.
ما الحلول الممكنة؟
وأمام هذا الواقع، تجد الحكومة نفسها مطالبة بضرورة اعتماد مخطط وطني عاجل لإصلاح البنية التحتية في المدن المغربية، عبر إعادة تأهيل شبكات الصرف الصحي وتوسيع قدرتها على استيعاب مياه الأمطار القوية، بالإضافة إلى تحسين التخطيط الحضري، وتجنب بناء أحياء جديدة في مناطق مهددة بالفيضانات، وتفعيل آليات المراقبة والصيانة الدورية لضمان جاهزية البنية التحتية قبل موسم الأمطار، فضلا عن محاسبة المسؤولين عن التقصير في تنفيذ المشاريع المتعلقة بتدبير المياه والصرف الصحي، وتعزيز البنيات التحتية الذكية التي تعتمد على تكنولوجيا حديثة لاستشعار ارتفاع منسوب المياه والتدخل بشكل استباقي.