أوصت ورقة لتحليل السياسات، حول موضوع "الشركات الجهوية متعددة الخدمات: هل يوجد المستهلكون في مأمن؟" بـ"الإبقاء على مفهوم التعريفة الاجتماعية لحماية القدرة الشرائية للساكنة الهشة وتكريس مبدأ المساواة الاجتماعية بين مستخدمي الشركات الجهوية في الحقوق والالتزامات".
وطالبت الورقة التي نشرها المعهد المغربي لتحليل السياسات، حديثا، بـ"عدم التسرع في فتح رأسمال الشركات الجهوية أمام الفاعلين الخواص وتأهيل الجماعات الترابية لتكون فاعلا حقيقيا في المشروع وضرورة التشاور مستقبلا مع الفاعلين الاجتماعيين في كل مراحل تنزيل القانون، كما اقترحت الورقة ضرورة استحضار الأبعاد الاجتماعية وأهمية التشاور الواسع مع مختلف الفاعلين الاجتماعيين أثناء تنزيل المشروع".
وأبرز سفيان الكمري، أن "موضوع حماية الأبعاد الاجتماعية يشكلُ محورا للجدل المجتمعي القائم حول قانون الشركات الجهوية منذ أكثر من سنة، وذلك بسبب التخوف من التخلي عن مفهوم "التعريفة الاجتماعية" الذي كان سائدا من ذي قبل، وهو التوجس الذي تحكم حتى في بعض الفعاليات الرسمية التي دعت في العديد من المناسبات إلى ضرورة "إرساء آلية لتعديل التعريفة بصفة دورية وبطريقة تعكس التكلفة الحقيقية للكهرباء وتحمي القدرة الشرائية للساكنة الهشة".
ودعا إلى "حماية منظومة مستخدمي قطاع الكهرباء والماء بمختلف أطرهم وتنوع إنتماءاتهم الإدارية، فإذا كان قانون الشركات الجهوية والقرار التطبيقي لوزير الداخلية المشار إليه سابقا قد أشاروا جميعا إلى حماية "الامتيازات" السابقة التي كان يتمتع المستخدمون بها، إلا أن تنوع الأنظمة الإدارية والاجتماعية التي يخضعون لها بحسب قطاعاتهم المنقولين منها (المستخدمين المنقولين من المكتب الوطني للكهرباء والماء، المستخدمين المنقولين من الوكالات المستقلة، المستخدمين المنقولين من شركات التدبير المفوض، المستخدمين الذين يتم تشغيلهم طبقا لأحكام نظام المستخدمين الخاص بالشركة)، وتفاوتها من حيث الحوافز المادية وخدمات الأعمال الاجتماعية، قد يؤدي إلى خلق نوع من "الاحتقان" داخل القطاع، وبالتالي يعيد إلى الأذهان إشكال الاحتقان الذي ساد قطاع التربية الوطنية بسبب التمييز في الوضعية الإدارية بين الموظفين التابعين للإدارة المركزية والموظفين التابعين للأكاديميات الجهوية".
وأكد على ضرورة "تملك الفاعل العمومي "للروح التشاركية" من خلال استدعاء مبدأ التشاور مع مختلف الفاعلين الاجتماعين في كل مراحل الفعل العمومي المتعلق بتدبير القطاع، فالأمر في النهاية يتعلق بثروتين عموميتين هامتين هما الكهرباء والماء، وهما ملك للجميع، ومن ثم فإن تدبيرهما؛ ينبغي أن يكون أيضا ملكا للجميع".
وصدر في يوليوز 2023 الظهير الشريف رقم 1.23.53 بتنفيذ القانون رقم 83.21 المتعلق بالشركات الجهوية متعددة الخدمات، وولد جدلا كبيرا في الأوساط السياسية والاجتماعية.
وأوردت الورقة أن "قانون الشركات الجهوية فتح الباب ليس فقط أمام الجدل المجتمعي، بل كذلك أمام "فورة احتجاجية"، تجسدت بداية في أشكال مختلفة من التظاهر والإضرابات عن العمل في قطاع الماء والكهرباء بقيادة مجموعة من الفعاليات النقابية التي عبرت عن رفض المضامين الجديدة للقانون، لا سيما في ظل عزم الدولة الإسراع بإخراج القانون إلى الوجود، غير أن السلوك الاحتجاجي المذكور عرف تراجعا (إن لم يكن خفوتا) كبيرا بمجرد صدور القانون".
وأوضح أنه "مجتمعيا شهدت بعض مناطق المغرب مدا احتجاجيا متناميا رفضا لتنفيذ قانون الشركات الجهوية، وذلك كما هو حال منطقة فكيك التي اندلعت فيها العديد من الأشكال الاحتجاجية (وقفات، مسيرات…) المناهضة لقرار تطبيق قانون الشركات الجهوية، وقد بدا وكأن الدولة تواجه "تكلفة احتجاجية بعدية" باهظة الثمن، نتيجة عدم أخذ الوقت الكافي في النقاش والتداول العموميين حول القانون أسوة بالقوانين الأخرى التي خضعت للمقاربة التشاركية، وذلك من قبيل مدونة الأسرة والقانون الجنائي".
وذكر أنه "في السياقات العالمية؛ عرف تدبير قطاع الكهرباء والماء خلال القرن المنصرم تدخلا عموميا تمثل في تدبيره المباشر من لدن الهيئات والأجهزة الحكومية، وذلك بالنظر لمزايا هذا النموذج، والتي تتمثل في تكامل مراحل الإنتاج والنقل والتوزيع، وإتاحة إمكانيات واسعة لتنفيذ استثمارات ضخمة ومنسقة، غير أنه سرعان ما تبدى للعديد من الدول التي خطت هذا المسار أن هناك "ضرورة ملحة" لاتخاذ سياسة عمومية تروم تحرير قطاع الكهرباء والماء بشكل تدريجي لفائدة القطاع الخاص".
وأفاد أنه "منذ منتصف القرن الماضي؛ طفت إلى السطح بعض النماذج العالمية التي حاولت تنفيذ المقاربة السابقة، إن الحديث هنا عن دول مثل المملكة المتحدة والنرويج والشيلي، والتي قامت تحت مبرر دعم "المبادرات الخاصة" بتقييد تدخلات الدولة في كل تفاصيل القطاع، ففي قطاع الكهرباء مثلا، تم تنفيذ سياسة التحرير عبر مجموعة من التدابير الرامية إلى فصل "الأنشطة المنفتحة" على المنافسة كالإنتاج، عن "الأنشطة الاحتكارية" الأخرى لا سيما النقل والتوزيع، وهو ما تطلب إحداث هيئات إدارية وتنظيمية مستقلة هدفها الأساسي مراقبة النشاط الاحتكاري في السوق؛ أي مراقبة تدبير عمليات التوزيع والنقل".
وأشار إلى أنه "لم يستثن المغرب من هذه "النزعة التحريرية"، فبحكم الخيارات الليبرالية التي اتخذتها الدولة منذ ثمانينيات القرن الماضي، والمتمثلة أساسا في تحرير العديد من القطاعات منها: المواصلات، البريد…، سيكون قطاع الكهرباء والماء مشمولا بهذا التحرير، فبعد أن كان خاضعا في أغلب عملياته لتدبير الدولة إلى حدود التسعينيات، سيعرف انفتاحا على الخواص تزامنا مع السياسة العامة للدولة القائمة على الانفتاح التدريجي لاقتصاده من خلال إعادة هيكلة المنشآت العمومية والاستراتيجية".