أشارت نتائج دراسة أنجزها الفريق العلمي لمؤسسة منصات للأبحاث والدراسات الاجتماعية بعنوان: "النساء، الفضاء العام والحريات الفردية"، إلى أن أكثر من 75 بالمائة من مجموع العينة، يرون بأن النساء لهن الحق في الولوج إلى جميع الأماكن العمومية (المقهى، السينما، المسرح، الحدائق العمومية، الفنادق...)، في حين عارض حوالي 21 بالمائة من العينة هذه الفكرة.
ووفقا للدراسة التي توصل موقع "تيلكيل عربي" بنسخة منها، فقد شملت عينة تمثيلية مكونة من 1528 مشاركا ومشاركة، موزعين على الجهات الإدارية الاثنتي عشرة للمغرب مع مراعاة التمثيلية وفقًا لمتغيرات الجنس والفئات العمرية ووسط وجهات الإقامة.
وذكرت الدراسة أنها عملت على رصد تمثلات وممارسات العينة المدروسة بخصوص حضور النساء في الفضاء العام، ارتداء الحجاب، والتحرش، ومدى أمان الأماكن العامة بالنسبة للنساء. كما تناولت أيضا قضايا أخرى من قبيل العلاقة بين القوانين والحريات الفردية، ومدى معرفة المشاركين بالقوانين المتعلقة بحقوق النساء في المغرب، سواء على مستوى الدستور، أو مدونة الأسرة، أو القوانين التي تجرم العنف والتحرش.
المرأة وحرياتها الفردية في الفضاء العام
وأفادت الدراسة بأن البيانات تظهر أن 5 بالمائة فقط من المشاركين يرون أن الأماكن العامة آمنة جدًا للنساء، في حين يعتبر 42 بالمائة منهم أنها آمنة إلى حد ما، و25 بالمائة يرون أنها آمنة. ومع ذلك، يرى أكثر من 20 بالمائة من العينة أن تلك الأماكن غير آمنة أو غير آمنة تمامًا، مع امتياز طفيف للمناطق الحضرية والقروية على حساب المناطق شبه الحضرية في الشعور بالأمان.
واعتبر المصدر ذاته أن أكثر من نصف العينة (57 بالمائة) يرون أن المرأة مرتاحة نسبيًا في الأماكن العامة، وترى الأغلبية الساحقة (نسبة تقارب 90 بالمائة) أن درجة حريتها تتزايد بهذه الأماكن، مما يشير إلى أن معظم الأفراد يؤيدون حق المرأة في الولوج إلى الأماكن العامة، ولكن مع بعض التباينات بين المناطق الحضرية والقروية.
وكشفت الدراسة أن فئة الشباب هي الأكثر تقبلاً لحق النساء في ولوج الأماكن العامة دون استثناء، وكلما ارتفع السن زادت نسبة الرفض. بحيث يوافق أكثر من 80 بالمائة من الفئة العمرية 25-34 وأكثر من 77 بالمائة من الفئة العمرية 18-24 و35-44 على حق النساء في الولوج إلى الفضاء العام. بينما كانت النسبة لدى الفئة العمرية 65 سنة فما فوق، حوالي 55.9 بالمائة.
وأشارت إلى أنه كلما ارتفع المستوى التعليمي، زاد الاعتقاد بحق النساء في الولوج إلى الأماكن العامة وزادت نسبة قبول عمل المرأة خارج المنزل، حيث وصلت إلى 70 بالمائة بالنسبة لغير المتمدرسين، مقابل 87 بالمائة لفئة التعليم العالي. أي أن نسبة القبول تظل مرتفعة بشكل عام (أكثر من 50 بالمائة) باختلاف المستويات التعليمية وحتى لدى الفئة التي لم تنل حظها من التعليم. وهذا تحول قيمي له أهمية ودلالة.
وجاء في الدراسة أن البيانات تظهر أن النساء يعبرن عن نسبة أعلى من الموافقة على حق النساء في الولوج إلى الفضاء العام بنسبة 83.7 بالمائة، مقارنة بنسبة 66.4 بالمائة للرجال. يبدو أن الفروق في المواقف بين الجنسين واضحة، مما يشير إلى وجود تفاوت في الإدراك والتصورات حول هذا الحق بين الجنسين. أي ثمة تأثير نسبي لمتغير الجنس على الموقف المتخذ تجاه المسألة.
وبينت الدراسة أنه يظهر من البيانات أن الحالة العائلية تؤثر على مدى تقبل المجتمع لعمل المرأة خارج البيت، حيث يتباين التقبل وفقًا للحالة العائلية، فالذين يعيشون حالة طلاق أو عزوبية يظهرون أعلى معدلات قبول تصل إلى أكثر من 60 بالمائة، بينما يبدو الرفض أكثر نسبيا بين المتزوجين.
وورد في الدراسة أن العازبين والمطلقين يظهرون نسبة عالية جدًا من الموافقة على حق المرأة في الولوج إلى الفضاء العام، حيث تقترب من 80 بالمائة. بينما يبدو أن الأرامل والمتزوجين يعبرون عن مستويات تقبل أقل، حيث تتراوح نسب الموافقة بين 45 و70 بالمائة على التوالي.
بالنسبة لولوج المرأة للمقاهي، عبر 60 بالمائة من العزاب عن قبولهم لولوج المرأة للمقاهي، في حين تصل نسبة القبول لدى المطلقين كما الحال بالنسبة للمتزوجين إلى حاولي 45 بالمائة، حيث يظهر أن الحالة العائلية تلعب دورًا في تحديد مدى التقبل، مع أعلى معدلات قبول لدى العزاب.
وفي ما يتعلق بالنسبة لحرية السفر للمرأة وولوجها للفنادق، فإن العزاب يظهرون أعلى معدلات قبول، تصل إلى حوالي 62 بالمائة بينما تختلف معدلات القبول بين الفئات العائلية الأخرى؛ 51 بالمائة لدى المطلقين، و34 بالمائة لدى الأرامل، و50 بالمائة لدى المتزوجين. على الرغم من التباين في مدى التقبل، إلا أن الجميع يتفق على أن الأماكن العامة آمنة إلى حد ما بالنسبة للنساء، وأن درجة الحرية تزداد مقارنة بالماضي.
حرية الجسد في الفضاء العام
في هذا السياق، كشفت الدراسة أن أكثر من 67 بالمائة من أفراد العينة يتفقون أو يتفقون بشدة مع حرية المرأة في التصرف في جسدها داخل البيت. هذا الموقف يبدو مفهوما على اعتبار أن المرأة أكثر دفاعًا عن حقوقها في الفضاء الخاص باعتبارها أكثر استثمارًا لهذا الفضاء وأكثر الأفراد قضاء للوقت بداخله.
وأشارت إلى أن أكثر من 55 بالمائة من المشاركين في البحث يعبرون عن عدم قبولهم حرية المرأة في التصرف في جسدها في الفضاء العام، في مقابل 42 بالمائة يتفقون مع هذه الحرية. التباين واضح بين سكان المجال القروي والمجال الحضري، حيث تبلغ نسبة الموافقة 33.13 بالمائة من الساكنة الحضرية، مقابل 19.82 بالمائة من الساكنة القروية. وعند إضافة نسبة 26.17 بالمائة التي تمثلها الساكنة شبه الحضرية الموافقة، يصبح الفارق أكثر وضوحًا.
ولفتت الدراسة الانتباه إلى أن الفئة العمرية الشابة هي الأكثر تعبيرًا عن مواقف إيجابية تجاه حرية تصرف المرأة في جسدها في الفضاء الخاص والعام. أكثر من 9.19 بالمائة من الفئة العمرية 18-24 سنة و10.76 بالمائة من الفئة العمرية 25-34 سنة يتفقون بشدة مع حرية المرأة في التصرف في جسدها داخل الفضاء الخاص، بينما لا تتجاوز نسبة المتفقين بشدة في الفئة العمرية 65 سنة فما فوق 0.52 بالمائة.
وذكر المصدر ذاته أن النساء أكثر تعرضا للتحرش بالفضاءات العامة من الرجال، حيث عبرت أكثر من 82 بالمائة من النساء عن كون المرأة تتعرض أكثر للتحرش بالفضاء العام، وفي نفس الاتجاه يعتبر الذكور أن المرأة هي الأكثر تعرضا للتحرش بنسبة 81 بالمائة. في حين عبر أكثر من 52 بالمائة من المشاركين والمشاركات في البحث عن عدم تعرضهم للتحرش في الفضاء العام.
كما بينت الدراسة أن التحرش يبقى ظاهرة حضرية وشبه حضرية تخص المدن الكبرى بشكل خاص. حيث سجلت نسب أعلى للتحرش في المجال الحضري قاربت 20 بالمائة. ووصلت إلى حوالي 13.48 بالمائة في المجال شبه الحضري، بينما لم تتجاوز 10 بالمائة في المجال القروي. الفئة الأكثر تعرضًا لهذه الظاهرة هي الفئة العمرية بين 18 إلى 34 سنة والتي تبلغ فيها نسبة الإناث 52 بالمائة، ونسبة الذكور 48 بالمائة.
حرية المرأة في الفضاء العام بين الشريعة والقانون
في هذا الصدد، أفادت الدراسة بأن أكثر من 66.8 بالمائة من المشاركين في الدراسة عبروا عن مواقف مدافعة عن ارتداء الحجاب في الفضاء العام. إذ هناك اتجاه عام نحو تقبل بل تحيز نحو تواجد الحجاب في الفضاء العام باعتباره استجابة لتعاليم دينية وأخلاقية، إضافة إلى اعتباره سترة ووقارًا. يزداد هذا الاعتقاد كلما كان المستوى التعليمي أعلى.
وذكرت الدراسة أن أكثر من 71.68 بالمائة من أفراد العينة اعتبروا ممارسة المرأة لحرياتها الفردية بمثابة حق الاختيار بدون ضغوط، أو كاستقلالية فردية، أو عدم تدخل في الحياة الشخصية. في حين لم تتجاوز نسبة الذين اعتبروا الحرية الفردية للمرأة كفوضى وتسيب وانفلات 13.27 بالمائة. بينما بقي حوالي 15 بالمائة من أفراد العينة بدون موقف محدد.
كما كشفت الدراسة أن 45.1 بالمائة من أفراد العينة وقفوا موقفًا وسطيا توفيقيا، حيث يرون أن وضعية المرأة ستكون أحسن عند تطبيق مبادئ كل من الشريعة ومنظومة حقوق الإنسان في آن واحد. غير أن هذا الموقف الوسطي التوفيقي، وإن كان يعكس إمكانية انفتاح المجتمع على المنظومة الحقوقية الحديثة، فإنه يظل مطبوعًا بقدر كبير من الالتباس والازدواجية.
جاء أيضا في الدراسة أن نسبة 33.2 بالمائة من أفراد العينة أكدت بأن وضعية المرأة عموما ستكون أفضل بتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية وحدها، في حين قال 14.98 بالمائة فقط بوضوح أن وضعية المرأة ستكون أفضل بتطبيق مبادئ حقوق الإنسان حصرا. ولم يتحدد موقف 6.77 بالمائة من الأفراد في هذا الشأن.
ولفت المصدر ذاته الانتباه إلى أن 86.79 بالمائة من العينة متفقون بدرجة شديدة أو معتدلة على ضرورة مراعاة الخصوصيات المحلية للمجتمع المغربي (العادات، التقاليد، الأعراف، الشريعة...) عند التعامل مع حرية المرأة وفقًا لمبادئ حقوق الإنسان الكونية. في المقابل، لم تتجاوز نسبة الرافضين لهذا الطرح، سواء بشكل كلي أو نسبي 6.24 بالمائة.
حسب نتائج الدراسة، فإن 57 بالمائة من عينة الدراسة تعتقد أن مبادئ الشريعة داعمة ومعززة لحرية المرأة في الفضاء العام، بينما الذين لا يعتبرونها كذلك، أي أنها تحد منها، لم تتجاوز نسبتهم 28.38 بالمائة. في حين بقي 14.65 بالمائة بدون موقف محدد.
حرية المرأة في الفضاء العام وواقع الثقافة القانونية
وفي هذا الإطار، بينت الدراسة أن 37 بالمائة من أفراد العينة اعتبروا أن معرفتهم بالفصل 24 من الدستور المغربي (المتعلق بحرية التنقل لمجموع المواطنين) تتراوح بين ضعيفة إلى ضعيفة جدًا، بينما قيمها 36.07 بالمائة بأنها متوسطة. في المقابل، لم تتجاوز نسبة الذين اعتبروا معرفتهم جيدة به 5.12 بالمائة، فيما لم يقدم 19.71 بالمائة تقييمًا محددًا لمعرفتهم القانونية بهذا الخصوص. هذا الاعتراف الذاتي بضعف الثقافة القانونية يظهر بنسب متقاربة بين الجنسين، حيث تراوحت التقييمات بين ضعيف جدًا وضعيف إلى متوسط عند 36.13 بالمائة من الذكور و36.93 بالمائة من الإناث.
وأفادت الدراسة بأن 39 بالمائة من المشاركين قيموا معرفتهم بمقتضيات مدونة الأسرة الحالية بأنها ضعيفة أو ضعيفة جدًا، بينما رأى 42.51 بالمائة أن معرفتهم بها متوسطة. في المقابل، لم تتجاوز نسبة الذين قيموا معرفتهم بها بالجيدة 5 بالمائة، مما يشير إلى ضعف عام في الإلمام بهذا القانون الذي يمس الحياة الخاصة والعائلية.
وذكرت أن 86.2 بالمائة من العينة ليس لديهم أي فكرة عن الفصل 1-1-503 من القانون 103.13 (المتعلق بتجريم التحرش الجنسي الواقعي والافتراضي)، مقابل 13.8 بالمائة فقط عبروا عن معرفة مسبقة به. كما أن نسبة الإناث اللواتي يعرفن هذا النص لم تتعدَّ 5.06 بالمائة، رغم أنهن الفئة المستهدفة به بالدرجة الأولى، مقابل 8.74 بالمائة من الذكور الذين أظهروا معرفة به.
كما أشارت إلى أن 73 بالمائة من المشاركين وافقوا بدون تردد على مضمون الفصل 1-1-503 من القانون 103.13 بعد تعريفهم بمقتضياته، بينما عارضه بوضوح 2.63 بالمائة فقط. أما النسب المتبقية فتوزعت بين الحياد أو عدم القدرة على تحديد موقف أو القبول المشروط تبعًا للحالات، مما يعكس حاجة المجتمع إلى التوعية بمثل هذه النصوص القانونية لحماية النساء وحفظ حقوقهن في الفضاء العام.
حماية حرية المرأة في الفضاء العام: دور القوانين والتعبئة الجماعية
في هذا السياق، أفادت الدراسة بأن 53.29 بالمائة من العينة يعتبرون أن القوانين الجارية التي تحفظ حريات النساء وكرامتهن وتضمن ولوجهن للأماكن العامة بحرية وأمان غير كافية، مقابل 22.27 بالمائة يرونها كافية، في حين لم يعبر 25 بالمائة عن موقف محدد بهذا الخصوص.
ولفتت إلى أن 15.70 بالمائة من الذكور و17.67 بالمائة من الإناث يعتقدون أن القوانين الموجودة لحفظ حريات المرأة الفردية في الفضاء العام لا تُطبَّق. بينما يرى 19.19 بالمائة من الذكور و17.94 بالمائة من الإناث أنها تُطبَّق حسب الحالات. أما الذين أكدوا أنها تُطبَّق بالفعل، فلم تتجاوز نسبتهم 7.82 بالمائة عند الذكور و5.06 بالمائة عند الإناث.
وأضافت أن 50.33 بالمائة من المبحوثين يتفقون مع ضرورة إدخال تعديلات على مدونة الأسرة الحالية لتعزيز حرية النساء، مقابل 12.48 % لا يرون ضرورة لذلك، في حين عبّر حوالي 33 % عن موقف "لا أعرف"، والبقية رفضوا الإجابة.
وذكرت أن 40.29 بالمائة من الفئة الموافقة على إدخال تعديلات على المدونة الحالية يطالبون بالمساواة المطلقة بين الرجال والنساء، و36.54 % يرون ضرورة تمكين النساء من حقوق أكثر. بينما لم تتجاوز نسبة الذين طالبوا بمزيد من الحقوق للرجال 22.28 بالمائة. مما يدل على أن المرأة وحقوقها وحرياتها تبقى في صلب التعديلات القانونية المأمولة، سواء في الفضاء العام أو الخاص.
وجاء في الدراسة أن 90.93 بالمائة من أفراد العينة غير منخرطين في أي جمعية حقوقية أو إطار جمعوي يهتم بقضايا المرأة في المغرب، مقابل 6.96 بالمائة فقط صرحوا بانتمائهم إلى أحد هذه الأطر. وتشكل نسبة النساء 3 بالمائة من الذين صرحوا بهذا الانتماء مقابل نفس النسبة بالنسبة للرجال.