من يملك الأولوية في إبداء الرأي حول مراجعة قانون المسطرة الجنائية؟

تيل كيل عربي

بقلم: هشام زوبير

نشر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بلاغا صحفيا بموقعه الالكتروني يخبر بمقتضاه أنه عقد جمعيته العامة، في دورة استثنائية، يوم 9 أبريل 2025، برئاسة رئيسه السيد عبد القادر أعمارة، للتداول والمصادقة على مشروع رأي المجلس حول “مشروع قانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية”، الذي كان موضوع طلب مجلس النواب بتاريخ 11 فبراير 2025.

هذا البلاغ يثير مجموعة من الملاحظات القانونية:

- القانون التنظيمي 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية ينص في المادة 112 منه على أنه يصدر بطلب من الملك أو الحكومة أو أحد مجلسي البرلمان، أراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بالعدالة مع مراعاة فصل السلط، ولاسيما في المشاريع والقضايا المتعلقة بمشاريع ومقترحات القوانين المتعلقة بوضعية القضاء ومنظومة العدالة واستراتيجيات وبرامج الإصلاح ومجال العدالة التي تحيلها الحكومة إليه، وأن هذا الرأي يدلي به خلال مدة لا تزيد عن 60 يوما، أو 20 يوما في حالة الاستعجال مع ضروه تضمين رسالة الاستعجال الاسباب.

القانون التنظيمي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي 128.12 تنص المادة 4 منه على أنه يمكن للحكومة ولمجلس النواب ولمجلس المستشارين طلب استشارة المجلس بخصوص مشاريع ومقترحات القوانين ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ولاسيما الرامية منها إلى تنظيم العلاقات بين الاجراء والمشغلين وإلى سن أنظمة للتغطية الاجتماعية وكذا كل ما له علاقة بسياسة عمومية ذات طابع اقتصادي أو اجتماعي أو بيئي وأن هذا الرأي يدلي به هو الاخر في اجل شهرين أو عشرين يوما في حالة الاستعجال

أن النظام الداخلي لمجلس النواب الصادر سنة 2024 نظم مسألة الإحالة والعلاقة مع المؤسسات الدستورية، وبخصوص علاقة مجلس النواب بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية فقد نظمها في الباب الثاني لاسيما في المواد 353 و354 و535 والتي أعطلت لمجلس النواب صلاحية طلب الرأي من المجلس الأعلى للسلطة القضائية حول كل مسألة تتعلق بالعدالة لاسيما آراءه في شأن مشاريع ومقترحات القوانين المتعلقة بوضعية القضاء ومنظومة العدالة.

بناء على ما سبق، يتضح لكل من يتصفح المقتضيات القانونية المنظمة للاستشارة العمومية بين المؤسسات الدستورية، أنه كان من اللازم على مجلس النواب باعتباره هو صاحب المبادرة أن يقوم باستشارة المجلس الأعلى للسلطة القضائية باعتباره مؤسسة دستورية تسهر على تطبيق القواعد الموضوعية والاجرائية للعدالة

المجلس الأعلى للسلطة القضائية هو الجهة الوحيدة المؤهلة لإبداء الآراء حول قضايا العدالة على اعتبار أنه يتولى إعداد تقارير سنوية حول منظومة العدالة ويقوم برفعها إلى الملك باعتبار رئيس المجلس.

أن عرض النص على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لا يجد تفسيرا قانونيا بالنظر لما سبق ذكره ولكن يمكن ادراجه ضمن نطاق الاستشارة العامة لكون هذا المجلس له الولاية العامة لدراسة النصوص والمشاريع والمقترحات، وليس بالاستشارة المتخصصة والتي لا يمكن لأي جهة تقديمها سوى مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية خاصة عندما يتعلق الأمر بمنظومة العدالة.

أن المعرفة القضائية والقانونية والتجربة التي راكمها المجلس الأعلى للسلطة القضائية من خلال سهره على سير منظومة العدالة تجعله ملما بأدق الأمور والتفاصيل

إذا لم تتم استشارة المجلس الأعلى للسلطة القضائية في هذه المرحلة التشريعية المتعلقة بمراجعة أهم قانون يمس حقوق وحريات الأشخاص فمتى سيتم استشارته.

إشراك المجلس الأعلى للسلطة القضائية بخصوص مضامين مشروع قانون المسطرة الجنائية مسألة ذات أهمية بالغة تجسد مبدأ التعاون والتوازن ما بين السلطة التشريعية والقضائية، أخذا بعين الاعتبار التعاون المِؤطر بين المجلس والحكومة عبر الهيئة المشتركة المكلفة بالتنسيق في مجال الإدارة القضائية.

إن الاستشارة العمومية المتعلقة بمشروع مراجعة قانون المسطرة الجنائية كانت تتطلب بالأحرى طلب رأي رئاسة النيابة العامة باعتبارها مؤسسة تضطلع بأدوار أساسية في مشهد العدالة ببلادنا عبر بوابة المجلس الأعلى للسلطة القضائية باعتبار أن رئيسها عضو بحكم الدستور في هذا المجلس.

ولذلك فإن المجلس الأعلى للسلطة القضائية كسلطة مستقلة يجب أن تكون حاضرة كشريك أساسي في مجال العدالة وهو امر ينبغي استدراكه في القادم من المحطات التشريعية ببلادنا سواء تعلق الأمر بمشروع المسطرة الجنائية أو المسطرة المدنية، وذلك على اعتبار أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية له من المكانيزمات والاليات التي لا شك أنها ستساعد في تجويد وإغناء النصوص القانونية المراد مراجعتها.

إن هذه الملاحظات الهدف منها إثارة الانتباه إلى كون أن توسيع قاعدة المشاركة المسؤولة والبناءة في تنزيل النموذج التنموي الجديد تتطلب فتح النقاش العميق مع الفاعلين الحقيقين في تنفيذ السياسات العمومية، ومراجعة مشروع قانون المسطرة الجنائية كانت محطة أساسية تستدعي من مجلس النواب أن يقوم بطلب رأي المجلس الأعلى للسلطة القضائية باعتباره جهاز للحكامة القضائية

أستاذ القانون العام والعلوم السياسية

محاضر بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –أكدال-الرباط