حصري/"تيلكيل عربي" يحاور سيناريست المسلسل المصري "منتهي الصلاحية".. عمل درامي يفضح جحيم المراهنات غير القانونية

بشرى الردادي

في موسم رمضاني مشحون بالقصص والرهانات، جاء مسلسل "منتهي الصلاحية" مختلفا. لا لأنه يتناول فقط ظاهرة المراهنات الرقمية غير القانونية، بل لأنه اقترب من عالم مسكوت عنه، يقع عند تقاطع التسلية والإدمان، ويكشف أن "اللعب" أحيانا لا يُكلّف مجرد مال.. بل حياة بأكملها.

لم يكن الهدف تقديم محاضرة على الشاشة، بل فتح أسئلة، وإثارة قلق واعٍ يعيد للمشاهد حيرته الأولى: لماذا يُقامر الناس عند جهات مجهولة بمالهم وأسرهم وحياتهم؟ وهل نملك فعلا فرصة للنجاة؟

في هذا الحوار مع "تيلكيل عربي"، بمصر، يكشف السيناريست محمد هشام عبية كواليس كتابة المسلسل: كيف وُلدت الفكرة، ولماذا آثر التركيز على النفس البشرية بدلا من الشعارات المباشرة؟

يتحدث عن لقاءاته مع ضحايا وسماسرة، وعن المسارات التي أُجهضت بسبب ضغط الإنتاج، وعن الرسائل الصادمة التي وصلته بعد عرض العمل من أشخاص لم يتخيّلوا أن تُعرَض قصتهم في عمل درامي، لكنها كانت هناك، بكل قسوتها.

حوار يتجاوز حدود مسلسل، ليكشف عن رهانات الكتابة ذاتها: كيف نكتب دون أن نُروّج؟ وكيف نحذّر دون أن نُضعف القصة؟ ومتى يصبح الغوص في العتمة هو السبيل الوحيد لمواجهة الواقع؟

1- هل هناك حدث معين أو قصة واقعية كانت الشرارة الأولى لكتابة العمل؟

لم تكن بداية الحكاية مرتبطة بحادثة بعينها، بل وُلدت الفكرة من اقتراح قدّمه المخرج تامر نادي، الذي جمعني به تعاون سابق في مسلسل "صلة رحم"، خلال رمضان قبل الماضي.

بعد ذلك التعاون، شعرنا بأن بيننا كيمياء فنية تستحق أن تتكرر، فبدأنا في البحث عن مشروع جديد يعيد تلك الروح. طرح علي المخرج فكرة المسلسل، وقال إن ظاهرة المراهنات الرقمية غير القانونية تغلغلت، بصمت، في أكثر من طبقة اجتماعية، وتزداد خطورتها؛ لأنها لا تُرى بالعين المجردة. ولم أدرك حجم هذا الامتداد إلا حين غُصت في البحث والتقصي، وفتحت أبوابا لم أكن أعلم بوجودها.

اقترح نادي الخطوط الأولى لقصة البطل. ومن هناك، شرعنا في نسج البناء الدرامي، حجرا فوق حجر، حتى تشكّل العمل كما ظهر في صورته النهائية على الشاشة.

2- ما الذي دفعك إلى دخول هذا العالم؟ هل كانت المسؤولية الاجتماعية، أم الجاذبية الدرامية؟ أم أن الدافعين التقيا في لحظة ما؟

ما حفّزني على اقتحام هذا العالم، بالدرجة الأولى، كان ما يحتويه من دراما إنسانية عميقة ومكثفة، وقوة سردية تُغري أي كاتب بالانخراط في تفاصيله.

الجاذبية الدرامية كانت هي الدافع الأصيل الذي لا يمكن الكتابة من دونه. أما التفكير في المسؤولية الاجتماعية والقلق المشروع حول تأثير هذه الظاهرة على المجتمع، فقد جاء في المرتبة الثانية؛ لا لضعف أهميته، بل لأنني أؤمن أن الاشتباك الحقيقي مع العمل لا يتحقق إلا إذا شعرت بجاذبية داخلية تجاه مادته الدرامية، ووجدت فيها مناطق تستفز الكاتب الكامن بداخلي.

أؤمن أن العمل الفني، كي يكون صادقا ومتماسكا، لابد، أولا، أن تستهويني القصة أو أن تتولد بيني وبينها علاقة وجدانية. فهناك خطر أن يأتي العمل باهتا، يفتقر إلى البناء الدرامي المحكم.

باختصار، الدراما أولا؛ فهي بوابة العبور نحو أي تناول عميق للمجتمع.

3- كيف عملت على بناء مصداقية هذا العالم؟ هل استندت إلى روايات واقعية، أم ملاحظات ميدانية، أم مشورة خبراء؟

بالفعل، قمت بكل ما يلزم للدخول إلى هذا العالم بمعرفة دقيقة وسرد موثوق. التقيت بأشخاص خاضوا تجربة المراهنات عبر هذه التطبيقات بأنفسهم، وتحدثت إلى سماسرة يعملون داخل هذه المنظومة، كما اطلعت على العديد من التحقيقات الصحفية المتعمقة، وشاهدت لقاءات تلفزيونية تناولت القضية من زوايا مختلفة.

وللإشارة، لم أكن وحدي في هذا المسار، بل كان إلى جانبي صديقي الأستاذ عزمي، وهو باحث درامي مخضرم، لعب دورا محوريا في مساعدتي على فهم التفاصيل الدقيقة لهذا العالم.

كان اتفاق فريق العمل، منذ البداية: ما دمنا قررنا طرق هذا الباب، فعلينا أن نتعامل معه بجدية، وأن نُظهر جميع أبعاده، بقدر ما تسمح به الدراما. كنا نؤمن أن المصداقية في التناول تبدأ من الغوص العميق، لا من الاكتفاء بالسطح.

4- في تناولك للروابط الأسرية داخل العمل، هل أردت التحذير من تداعيات مراهنات التطبيقات غير القانونية؟ أم كان هدفك فهما أعمق لدوافع من ينخرطون فيها؟

سؤال ذكي فعلا؛ لأن الدخول إلى عمل درامي انطلاقا من نية تقديم "نصيحة" مباشرة قد يُفقد العمل عمقه ويحوّله إلى خطاب تقليدي نمطي.

الأعمال المبنية على نية الوعظ قد تحقق تأثيرا لحظيا عند عرضها، لكنها عادة ما تفقد قيمتها بمرور الوقت وإعادة المشاهدة؛ لأنها تظل مرتبطة بسياق زمني محدد. فربما تتراجع ظاهرة المراهنات الرقمية لاحقا، ويتحوّل اهتمام الناس إلى قضايا أخرى، وتفقد تلك المعالجة آنذاك مبررها.

لهذا، كنت حريصا على أن يكون الهدف أعمق من التحذير السطحي؛ سعيت إلى الدخول في دهاليز النفس البشرية، إلى تلك المساحات الرمادية التي تشكّل الدوافع والأهواء والاختيارات.

أؤمن أن أي مشروع فني يريد أن يخلّد أثره لا بد أن ينشغل بالإنسان، لا بالظاهرة فقط. فكلما اقتربنا من جوهر الشخصية، ازداد العمل صدقا، وصار أكثر تلامسا مع وجدان المتفرج، وأكثر بقاء في ذاكرته.

5- غاب عن العمل تمثيل واضح للبُنى الفاسدة التي تدير هذا "الاقتصاد الخفي". هل كان ذلك قرارا دراميا مقصودا؟ أم أن هناك عوائق إنتاجية حالت دون الغوص في هذا الجانب؟

هذا أيضا سؤال ذكي للغاية. في الحقيقة، كانت لدينا نية واضحة للتطرق إلى تلك العوالم الخفية، وكانت حاضرة في أذهاننا منذ البداية كجزء أصيل من البناء الدرامي للمسلسل. غير أن ضيق الوقت المتبقي قبل التصوير حال دون التوسع في هذا الجانب كما كنا نطمح.

بل على العكس، كنا قد بدأنا، بالفعل، في كتابة مسارات درامية ضمن الحلقات الأخيرة، تحاول اختراق هذا العالم وتسليط الضوء على تشابكه المعقد مع مستويات عليا من رجال الأعمال وأطراف تتحرك في الظل، وتدير هذا النشاط بأساليب أقرب إلى ممارسات "المافيا". لكن، للأسف، ضغوط الجدول الزمني حالت دون استكمال هذا الخيط، رغم إدراكنا لأهميته وحضوره في الواقع.

6- في أثناء تصوير هذا العالم بصريا بشكل جذّاب، هل شعرت بخطورة أن يتحوّل التحذير إلى ترويج غير مقصود؟ وكيف تعاملت مع التحدي بين الحفاظ على التشويق الدرامي وبين إيصال الرسالة بوضوح؟

لم يكن لديّ هاجس بأننا سنقع في فخ الترويج غير المقصود؛ لأن هذه التطبيقات والمواقع منتشرة بالفعل، بشكل واسع، في مصر، وكذلك في المغرب، كما سبق أن أشرت لي.

الجمهور في البلدين يُشكّل نموذجا مثاليا للجمهور المستهدف من قِبَل هذه المنصات، نظرا إلى التركيبة الاقتصادية التي يعيشها كثيرون فيهما، إلى جانب الحضور الطاغي لكرة القدم في حياته اليومية، باعتبارها مصدرا مهما للإشباع الذاتي والنفسي والذهني، وهذا ما تعول عليه تلك المنصات لتوسيع قاعدتها.

ومن الطبيعي أن يُطرح هذا الإشكال عند التناول الدرامي لقضية حساسة: هل نحن نحذّر، أم نُغري؟ هو سؤال مشروع، والقلق المصاحب له مفهوم، بل ويُفترض أن يكون حاضرا في ذهن صانع العمل. لكن في المقابل، هذا القلق، إن لم تتم إدارته بشكل متوازن، قد يُضعف النص ويُقيّده.

لذلك، قررت أن أذهب في اتجاه واضح: تقديم الواقع كما هو، بتفاصيله وجاذبيته، مع بناء درامي يُبرز مآلات الشخصيات وانهياراتها الأخلاقية والإنسانية؛ بحيث تصبح النهاية رسالة في ذاتها، وتقدّم عبرة صامتة لمن يتلقاها.

7- ما الرسالة التي كنت تخشى ألا تصل للجمهور بالشكل الصحيح؟

الرسالة التي حرصتُ على إيصالها، وكنت أخشى ألا تلامس المتلقي كما يجب؛ هي إثارة القلق والتفكير لدى المشاهد. القلق تحديدا من المسلّمات التي اعتاد أن يمرّ عليها مرورا عابرا، دون تأمل أو مساءلة. أردت أن أدفعه للتفكير في العالم من حوله، في سلوكيات قد تبدو بعيدة عنه، لكنها قد تخصه أو تخص من يجاوره في الحياة، من دون أن يدري.

أتمنى أن يكون المسلسل قد نجح في تنبيه الجمهور إلى ظاهرة المراهنات الرقمية، التي قد لا يكون البعض على دراية بوجودها أو بحجم تغلغلها، وأن يتساءل: ما الذي يدفع الإنسان إلى المراهنة؟ وهل الأمر دائما مرتبط بالحاجة إلى المال؟ أم أن هناك دوافع نفسية أعمق؟

في الواقع، المراهنة ليست، دائما، فعلا يائسا ناتجا عن ضائقة؛ فأحيانا، يكون المراهن في وضع مريح ماديا، لكن داخله توقٌ للمغامرة، لا ترويه إلا المخاطرة.

ومن هنا، جاءت قناعتي بأن المراهنة ليست ظاهرة اجتماعية عابرة، بل سلوك إنساني مركّب، متجذر في طبيعة البشر. فالإنسان، في جوهره، يُراهن باستمرار: على اختياراته، على قراراته، على من يحب، على مستقبله. وما المراهنة المالية إلا امتداد لذلك الميل الفطري إلى المجازفة. وبالتالي، فإن الظاهرة في حد ذاتها لن تزول مهما نبّهنا وحذّرنا.

لكن السؤال الحقيقي هو: كيف نُعيد توجيه هذا الميل الفطري نحو رهانات إيجابية؟ كيف نغرس في الإنسان القدرة على التمييز بين المراهنة كاختبار للحظ، والمقامرة التي تنزلق به إلى الإدمان؟ هنا تكمن الرسالة التي سعيت إلى التعبير عنها دون مباشرة أو وعظ، بل من خلال سلوك الشخصيات ومساراتها، وأين يمكن أن ينتهي الطريق.

8- بعد عرض المسلسل، هل تلقّيت رسائل أو تواصلا من ضحايا حقيقيين للمراهنات عبر هذه التطبيقات الرقمية غير القانونية؟

نعم. تلقيت، بعد عرض المسلسل، عددا من الرسائل من أشخاص خاضوا تجربة المراهنات بشكل فعلي. بعضهم كان محظوظا بما يكفي للخروج من الدائرة في مرحلة مبكرة، وقد أدرك بنفسه أن المراهنة ليست مجرد تسلية عابرة، بل تجربة قاسية قد تكون، في بعض الحالات، أشد ألما من الإدمان التقليدي؛ كإدمان المخدرات. هؤلاء استطاعوا النجاة؛ لأنهم امتلكوا لحظة وعي، وربما ساعدهم وجود دعم من الأسرة أو الأصدقاء.

لكن البعض الآخر لا يزال عالقا داخل هذه الدائرة، عاجزا عن الخروج منها. وقد عبّروا لي عن مدى صعوبة الانفكاك عنها، خاصة حين يتحوّل الأمر إلى نمط يومي يشبه الإدمان النفسي والسلوكي.

هي بالفعل دائرة مخيفة، والخروج منها ليس أمرا هيّنا، بل يتطلب وعيا داخليا، وإرادة قوية، إضافة إلى دعم حقيقي.

تلك الرسائل كانت صادمة في بعض الأحيان، ومؤثرة في أحيان أخرى، لكنها أكدت لي أن ما طرحناه في المسلسل لم يكن خيالا، بل امتدادا لما يحدث فعلا في حياة كثيرين، في صمت.

9- لو كانت لديك فرصة لإعادة كتابة العمل الآن، ما المشهد الذي كنت ستقوم بتعديله؟ ولماذا؟

لا يمكنني أن أحدد مشهدا بعينه كنت سأعدّل كتابته، لكن ما كنت سأعيد النظر فيه، حقا، هو جانب جوهري سبق أن أشرت إليه في أسئلتك، ويتعلق بالبُنى أو الكيانات التي تقف خلف منظومة المراهنات الرقمية غير القانونية.

هذا الجانب كان حاضرا في تصوري بقوة، وكنت أتمنى أن يحظى بحيّز واضح داخل العمل. بل أعتبر غيابه من النقاط التي تركت لديّ شيئا من الإحباط؛ لأنني كنت مُدركا لأهمية هذا العالم على المستوى الدرامي، ولحاجة المشاهد إلى أن يعرف من يقف فعليا وراء هذه التطبيقات، ومن يدير هذه الأنشطة من خلف الستار.

كان من الضروري، في رأيي، أن يُطرح سؤال: إلى أين تذهب أموال المستخدمين؟ وهل يمكن أن تُستعمل في أنشطة أكثر ظلمة؛ كتمويل تجارة المخدرات، أو السلاح، أو غيرها من الشبكات غير المشروعة؟

لكن، للأسف، لم تسعفنا الظروف لإدخال هذا المسار ضمن البناء الدرامي بالشكل الذي يستحقه. وربما لو أُتيح لي أن أعود إلى الكتابة من جديد، لجعلت هذا المحور حاضرا بوضوح كاشف؛ لأنه لا يُغني العمل دراميا فقط، بل يضيف إليه بعدا توعويا عميقا.