"الشمس تشرق من المغرب".. إصدار جديد يعيد الحياة إلى الجسور الثقافية

محمد فرنان

في عالم الثقافة، حيث تتشابك الأفكار وتتحاور العقول، تظل الحوارات الثقافية نافذة مشرعة على المعرفة المتجددة، كضوء يتسلل إلى الزوايا المعتمة ليكشف عن آفاق جديدة، إنها ليست مجرد تبادل للسؤال والجواب، بل هي نبض الفكر وحركية التجديد، حيث يلتقي المحاور والمحاور في فضاء من التأمل والتفاعل، ويفتح للقارئ بابا لا ينتهي من التساؤل والبوح.

وفي هذا السياق، يأتي إصدار الكاتب والصحافي عبد الحي كريط، بعنوان "مدارات ثقافية.. في الفكر والشعر والرواية، الشمس تشرق من المغرب"، ليعيد إلى الواجهة حوارا طال انتظاره بين المشرق والمغرب.

فبينما كان الحوار بين المثقفين العرب متوهجا حتى أواخر القرن العشرين، بدأ يخفت مع الألفية الجديدة، حيث انشغلت كل دولة بقضاياها المحلية، فغابت الجسور التي كانت تصل بين الفكرين الشرقي والمغربي، غير أن كريط، ومعه آخرون، يسعون اليوم إلى إحياء هذا الحوار المفقود، ليعيدوا للحرف دفئه، وللكلمة بريقها الذي لا يخبو.

الجسر الثقافي

صدر هذا الكتاب عن مؤسسة أفرا للدراسات والأبحاث، وقدمه الأديب والناقد السوداني المقيم في مصر بدر الدين العتاق، الذي مهد فيه لدور هذا الإصدار في رسم ملامح جديدة للحوار الثقافي العربي.

ويضم الكتاب حوارات مع نخبة من الأدباء والمفكرين من مختلف أرجاء العالم العربي والإسلامي، من بينهم الفيلسوف السوداني عماد البليك، والباحثة المغربية أسماء المرابط، والدكتور عبد الإله بن عرفة، رائد الرواية العرفانية في العالم العربي، إلى جانب الشاعرة اللبنانية ماري جليل، وغيرهم من الوجوه الثقافية البارزة.

ولا يقتصر الكتاب على نقل الحوارات، بل يغوص في أعماقها، مسلطا الضوء على أعمال الشخصيات المتحاور معها، بأسلوب توثيقي رصين قلما نجده في الصحافة الثقافية الحديثة، التي غالبا ما تسلك طريق الاستسهال، مكتفية بسطح الحوار من دون التوغل في أسرار التجارب أو كشف خباياها، لكن "مدارات ثقافية" يتجاوز ذلك، متمردا على التكرار، ومفضلا الأسئلة العميقة التي تضيء العتمات، بدل إعادة تدوير الأجوبة المستهلكة.

الشمس

يأتي عنوان "الشمس تشرق من المغرب" كإشارة رمزية إلى غنى التراث الثقافي المغربي، وإلى قدرة الثقافة المغربية على أن تكون منارة فكرية تشع على العالم العربي بأسره. فالمغرب، هذا المزيج الفريد من الأندلسية والأمازيغية والعربية والإفريقية، لطالما كان مصدرا للفكر والأدب والفلسفة، وهو ما يؤكده هذا الإصدار.

ويعزز هذا المعنى غلاف الكتاب، حيث تجتمع الريشة والكتاب كرمزين للفكر، بينما تشرق الشمس من خلف جبال الأطلس، حاملة معها الأمل والتجدد، وفي الخلفية، ترتفع صومعة الكتبية، أيقونة حضارية تعكس العمق الثقافي للمغرب.

الحوار

في تقديمه للكتاب، يكتب بدر الدين العتاق: "أن تتحول الصحافة من مجرد نقل الأخبار والتقارير إلى صناعة «مدارات ثقافية» تعيد توثيق الفكر وتقديم المفكرين، هو قفزة عالية في فضاء صاحبة الجلالة، لم يشهد لها عالم الصحافة مثيلا من قبل، وهذا ما يفعله عبد الحي كريط، الصحافي المغربي الذي يحمل لواء التجديد في الصحافة الحداثوية".

عبد الحي كريط ليس صحافيا ينقل فقط، بل هو باحث في عمق الفكر والثقافة، يجمع بين التوثيق الصحافي والتحليل النقدي، مساهما في إعادة بناء الجسور الفكرية بين المشرق والمغرب، ومن خلال كتاباته وحواراته، يرسخ رؤية ترى في الكلمة أكثر من أداة للتعبير؛ إنها جسد نابض بالفكر، وجسر يصل العقول قبل أن يصل بين الدول.