وفاة ياسين الشبلي.. محام: أشرطة الفيديو وثقت حصص تعذيب وحشي لم نكن نتصور حدوثها في زمن ما بعد الإنصاف والمصالحة

تيل كيل عربي

في أول تعليق له على الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية ببنجرير في قضية ياسين الشبلي، كشف المحامي رشيد آيت بلعربي، عن تفاصيل صادمة وردت في محتويات الأقراص المدمجة التي تم عرضها أمام المحكمة.

وقال بلعربي: "استكملت المحكمة الابتدائية ببنجرير مناقشتها لقضية لم نشهد لها مثيلا في محاكمنا في مغرب القرن الواحد والعشرين. إنها قضية المرحوم ياسين الشبلي الذي قتل في أحد مخافر الشرطة بمدينة بنجرير". وأضاف: "بعد عرض المحكمة لأشرطة الفيديو المسجلة بالكاميرات الصدرية لرجال الشرطة الذين أوقفوه، وكذا الأشرطة المسجلة بمقر المنطقة الإقليمية للشرطة ببنجرير خلال الجلسة الفارطة، تركزت المرافعات بالأساس حول التكييف القانوني لمحتوى أشرطة الفيديو المفرغة في محاضر من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، والتي وثقت حصص التعذيب الوحشي والهمجي الذي لم نكن نتصور حدوثه في زمن ما بعد تجربة الإنصاف والمصالحة الأولى، ولا زمن ما بعد دستور 2011".

وذكر "نعم، سمعنا عن وقوع هذا النوع من الأفعال الإجرامية الفظيعة من طرف رجال الشرطة في زمن الجمر والرصاص في حق معارضين للنظام، وفي حق المتهمين بالانقلابات على نظام الملك الراحل الحسن الثاني، وفي حق المتهمين بقيادة الحركات الاحتجاجية التي هزت المغرب. وبعد ذلك في حق إرهابيين كانوا يخططون لأفعال إجرامية خطيرة تمس الأمن والنظام العام. لكن لم يسبق لنا أن سمعنا أو تخيلنا وقوع هذا في حق مواطن أعزل في سنة 2022. فهل نحتاج لإطلاق تجربة جديدة للإنصاف والمصالحة في نسخة ثانية؟".

وأوضح أن "القصة انطلقت في أكتوبر من سنة 2022 عندما كان المرحوم ياسين الشبلي يجلس في فضاء عام وسط المدينة رفقة صديقته، ليتقدم منه رجال الأمن ويطالبونه بمرافقتهم إلى مقر مفوضية الشرطة، لكن استفساره عن السبب كان كافيا ليودّع الدنيا، حيث نال بداية ما ناله من الصفع والركل والرفس بعدما تم تصفيد يديه للوراء بدون أدنى قدرة على المقاومة. أما في زنزانة القهر والتعذيب، التي سميت زورا بـ"غرفة الأمان"، ورغم الزج به فيها وإغلاق بابها فقد تركت يداه مصفدتان للخلف لمدة تفوق ست ساعات تقيأ خلالها أكثر من مرة، وظل يتمرغ فوق قيئه من شدة الألم الذي كانت تسببه له الأصفاد".

وأضاف أنه و"بعد أن خارت قواه تم نقله إلى المستشفى، وأرجع بعد أقل من 20 دقيقة إلى نفس الزنزانة لتستأنف حصص تعذيبه بشكل آخر، من خلاله تصليبه في وضعية وقوف على شكل T بباب الزنزانة ويداه ممدودتان واحدة في اتجاه اليمين والثانية في اتجاه الشمال وهما مربوطتان إلى القضيب الثالث من كلتا الجهتين. لكن وهو يعبر عن آهاته ويتضور ويصرخ من شدة الألم، وعوض أن تتحرك غريزة الرحمة أو الشفقة أو  الإنسانية لدى حراسه للعفو عنه، يأتي أحدهم ليوجه إليه ضربة قوية بيده على مؤخرة رأسه وهو يحمل جسما لم يظهر جيدا في الفيديو، ثم ركله بقوة على مستوى فخذيه من الخلف رغم أنه مصلب اليدين لا يقوى على المقاومة ولا حتى الحركة. لكن هذا كله لم يشف غليل الشرطي المذكور، بل جعل نار الحقد تستعر بشكل أعنف، فيستعين بشرطي آخر لفك أصفاده ثم يمددان يديه من القضيب الثالث لربطهما مع القضيب الرابع في كلا الاتجاهين، حيث تحول المرحوم من وضعية الوقوف على شكل حرف T إلى وضعية أسوأ وأكثر إيلاما تشبه وضعية الوقوف على شكل حرف Y  وهو يقف على أصابع رجليه، لتستمر هاته الوضعية حوالي ربع ساعة إلى أن انهار بشكل نهائي، فيتدخل أحدهم لفك قيده ليجد المرحوم نفسه غير قادر على الوقوف ثم يستلقي على جانبه الأيسر ليخلد إلى نومه الأبدي".

واعتبر المحامي أنه وكدفاع للطرف المدني "اقتنع بأن هاته الوقائع تشكل جنايات التعذيب والقتل العمد مع سبق الإصرار، أو على الأقل الضرب والجرح المفضي للموت دون نية إحداثه، مطالبين المحكمة بإعادة تكييفها على هذا المنوال. إلا أنه ورغم وصول التعذيب والتنكيل والهمجية والعنف إلى هاته الدرجة من السادية التي أدت في وفاة الضحية، فإن النيابة العامة لم تجد حرجا في الدفاع عن المتابعة التي سطرتها في حق المتهمين، ألا وهي جنحتا العنف أثناء القيام بالوظيفة ضد أحد الأشخاص والتسبب في القتل غير العمد الناتج عن الإهمال وعدم الاحتياط وعدم التبصر، لتقرر المحكمة، بعد المداولة، رد الدفع بعدم الاختصاص النوعي وتعتبر الأفعال المرتكبة من طرف المتهمين مجرد جنح وتصدر حكمها بإدانة المتهمين، مع الحكم على الأول بثلاث سنوات ونصف حبسا نافذا، وعلى الثاني بسنتين ونصف حبسا نافذا، فيما حكمت على الثالث بالبراءة".

وذكر المحامي أنه "كان أملنا كبيرا في أن يصحح القضاء هذا الخلل ويؤكد نهوضه بالدور الدستوري المنوط به في حماية الحقوق والحريات، والانتصار لسيادة القانون ومساواة الجميع أمامه، خصوصا بعد عرض الأقراص التي توثق فظاعة الجرم المرتكب، لكن الخيبة كانت أكبر من الأمل ونحن نستحضر شريط التعذيب السادي الذي مورس في حق المرحوم".

واعتبر "أن الغرض من هذه التدوينة ليس الإساءة إلى جهاز من أجهزة الدولة المكلف بحفظ الأمن والنظام العامين، بل إننا نعرف جيدا حجم التضحيات التي يقوم بها الرجال والنساء المنتسبون لهذا الجهاز، التي تصل أحيانا حد المغامرة بأرواحهم وسلامتهم من أجل أمن الآخرين. لكنها صرخة صادقة نابعة من حب هذا الوطن والغيرة على مؤسساته وسمعته الحقوقية، من أجل الدفع بمبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة إلى أبعد مستوياته وعدم استثناء أحد، وذلك بمحاسبة كل المتورطين في إزهاق روح بريئة، أو المتسترين عليهم، عن طريق متابعتهم بما اقترفوه من أفعال بعد تكييفها التكييف القانوني الصحيح ومعاقبتهم بالعقوبة المستحقة وتقديم القدوة لكل المغاربة بأن الأشخاص المكلفين بإنفاذ القانون هم أول الـخاضعين لنصوصه".