شهد رواق النقابة الوطنية للصحافة المغربية، يوم الخميس 24 أبريل 2025 على الساعة الخامسة، توقيع إصدار جديد، بعنوان "هوية المهاجرين المغاربة وسؤال الاختلاف الثقافي في السياق الألماني: دراسة سوسيولوجية"، من تأليف ماجدة بوعزة، الإعلامية المغربية المقيمة في الديار الألمانية، وذلك خلال فعاليات الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب التي تحتفي هذه السنة بمغاربة العالم.
وتتوخى هذه الدراسة،الصادرة عن مؤسسة باحثون، والتي قام بتقديمها الأنثربولوجي المغربي د. عياد أبلال، فهم التجربة الهجروية للمغاربة الذين حلوا بألمانيا حديثا، بعد أن تبدد جزءٌ مهم من أحلامهم التي كانت من أهم محركات قرار الهجرة. كما ترسم الدراسة السمات الجديدة للهوية التي تتشكل عقب هذه التجارب، من خلال مقارنة التصورات القبلية مع التجارب الفعلية، وما تحدثه المواجهة مع الواقع الأوروبي المختلف من تفاعلات في ظل الاختلافات الثقافية المطروحة بين السياقين المغربي والألماني على مختلف المستويات.
تعتبر الإعلامية التي زاوجت في مسارها بين عملها الإعلامي وبحثها الأكاديمي على موضوع الهجرة واللجوء، أن كتابها هو محاولة لتسليط الضوء على تجربة هجرة المغاربة إلى ألمانيا التي تحاوطها التحديات الثقافية المرتبطة خاصة بالجانب الديني والقيمي، في محاولة لفهم تصورات تبناها المهاجرون اعتمادا على صور وتمثلات بُنِيَت حول الغرب عموما، تناقض أحيانا ما يعايشونه خلال خوض التجربة.
وقد جاء طرح موضوع هذه الدراسة، حسب مضمون الكتاب "في ظل التعقيدات المعاصرة التي تطال قضايا الهجرة والهوية الثقافية، وكمحاولة لفهم تجارب المهاجرين المغاربة ومدى انعكاسها على تشكل هوياتهم". إن الأمر حسب الكاتبة "يحدث لدى فئة من المهاجرين انكسارات متفاوتة، يكون رد الفعل حولها محاولات لتعريف الذات من جديد، والبحث عن تشكيل هوية تعينهم على الاستمرار، إما بالتأقلم والمقاومة".
يركز المؤلف، أيضا، على إبرز الظروف التاريخية والاجتماعية المؤطرة لحركة الهجرة المغربية إلى ألمانيا منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي إلى اليوم، وتحلل مدى انفتاح ألمانيا على المغرب، بصفة خاصة، كوجهة لجلب اليد العاملة، رغم التحديات السياسية والاجتماعية، المتمثلة خاصة في تصاعد اليمين المتطرف ومعاداة الإسلام، اللذين يعدان حجر عثرة في طريق الاندماج.
وتولي الدراسة، أهمية كبرى لتأثير النقاشات السياسية والإعلامية على المهاجرين المغاربة، في محاولة للإحاطة بكل ما من شأنه المساس بهوية المهاجر المغربي وتغيير أفكاره والتأثير على قراراته. وحظيت تجربة هجرة المرأة المغربية إلى ألمانيا باهتمام خاص، إذ تعتبر الكاتبة أن "هجرة المرأة المغربية نحو ألمانيا، كانت مرتبطة في البداية بالتحاقها بالزوج الذي وصل إلى ألمانيا عاملا، فأثرت عليها بعد ذلك تغييرات شهدتها القوانين الألمانية المتعلقة بالهجرة وقوانين سوق العمل".
وإن الدراسة، لم تقتصر فقط على تقديم رؤية أكاديمية، بل سعت أيضا إلى الاستجابة للاحتياجات الواقعية للمهاجرين المغاربة من خلال تقديم توصيات واستراتيجيات يمكنها أن تساعد صانعي السياسات العمومية والفاعلين في المجتمع المدني، على خلق بيئات أكثر احتواءً وتفاهمًا بين الثقافات المختلفة.
وحاولت الكاتبة أن تساهم عبر مؤلفها في تقديم رؤية تساعد على فهم الأثر السيكولوجي والثقافي والاجتماعي لتجربة مرحلة ما بعد الهجرة لدى مغاربة ألمانيا، حتى لا يتم التركيز مستقبلا، عند التخطيط لسياسات الهجرة، فقط على اندماجهم في البلد المستقبل، بل أيضًا على فهم القضايا الأساسية التي تؤثر في رؤيتهم لأنفسهم، وما يحمله ذلك من أهمية في فهم تفاعلاتهم وقراراتهم.
وجاء في تقديم الأنثربولوجي د. عياد أبلال أن كتاب ماجدة بوعزة، يقدم رحلة شيقة في مسارات الهجرة المغربية في ألمانيا، بكل ما يقتضيه الأمر من منعرجات في جغرافيا الهوية والاندماج، والاقصاء والاستبعاد الناتجين عن سوء الفهم في المرجعيات والسياقات، حيث تلعب الثقافة دوراً كبيراً في تجسير الهوة بين الشعوب والانتماءات. ولعلنا نجد في التوصيات التي ينتهي بها هذا الكتاب خارطة طريق لتفعيل الحضور الحضاري والثقافي للمغرب في ألمانيا.
وإذا كانت مفاهيم الإسلام، الغربة، الهوية، العادات والتقاليد، الذاكرة الجماعية من بين أهم المفاهيم المؤسسة لخطاب ماجدة بوعزة حول هجرة المغاربة، حسب الباحث عياد أبلال، فإنها تتقاطع عملياً مع عدد من الدراسات الفكرية والعلمية حول الهجرة، والتي تؤكد على أن مسألة الهجرة والمهاجرين ليست بالأمر البسيط، المتعلق بعمل واشتغال واستقرار المهاجرين بديار المهجر، بقدر ما هي مسألة شديدة الخصوصية والتركيب، بالنظر إلى كون لقاء المهاجرين بمواطني بلد الاستقبال، هو في العمق لقاء بين ثقافتين، أو أكثر، ولقاء بين حضارتين، أو أكثر، وهو قبل هذا وذاك لقاء بين أجساد وخصوصيات متباينة.
ماجدة بوعزة، صحافية مغربية مقيمة في ألمانيا، راكمت تجربة مهنية ضمن أطقم منابر إعلامية، وطنية ودولية منذ عام 2014، تعمل اليوم ضمن فريق القسم العربي لمؤسسة DW (دي دَبليُو)، وكانت منذ سنة 2019 كاتبة أساسية ضمن فريق InfoMigrants وهو مشروع إعلامي للاتحاد الأوروبي موجه للمهاجرين، تقوده ثلاث وسائل إعلام أوروبية كبرى ويموله الاتحاد الأوروبي، كما أنها تعمل ضمن أطقم وسائل إعلامية أجنبية أخرى كمترجمة من بينها هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية.
قبل مغادرة المغرب، عملت مع مختلف المنابر الإعلامية في مجال الصحافة الورقية والإلكترونية الوطنية والدولية كمراسلة، وخاضت التجارب المهنية منذ سنوات دراستها بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، كما عملت في مجال الترويج الثقافي عبر الاشتغال كمسؤولة عن التواصل والإعلام خلال فعاليات مهرجانات وطنية ودولية وأعمال فنية مسرحية أشرفت عليها ورازة الثقافة المغربية.
كان مسارها الأكاديمي متنوعا، حيث حصلت على باكلوريا في تخصص الآداب والعلوم الإنسانية من الثانوية العسكرية الملكية الثانية، فتخرجت من قلب ثكنة عسكرية سنة 2011، لتلتحق بركب إعلاميي المغرب ضمن دفعة خريجي المعهد العالي للإعلام والاتصال سنة 2014.
حصلت بعدها على ماجستير أول في تخصص التنشيط الثقافي والإبداع الفني من كلية علوم التربية بالرباط، سنة 2018، ثم ماستر ثان في تخصص الدين والثقافة والهجرة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وعادت لتتابع دراستها اليوم بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، باحثة في سلك الدكتوراه متخصصة في مجال الإعلام والهوية الثقافية.