"لا خوف من الفشل".. منصف السلاوي يوجه رسائل أمل إلى شباب المغرب

تيل كيل عربي

لطالما أثار اهتمامي كيف تتطور الحياة في عالم الحيوان بناء على مبدأ "البقاء للأقوى"، وكأس العالم تجسد هذا المفهوم في أبسط وأقسى صوره؛ حيث تتقلص قائمة أفضل 32 منتخبا في العالم تدريجيا إلى 16، ثم 8، ثم 4، ثم 2، حتى يبقى منتخب واحد فقط هو الأقوى والأفضل. وهنا نستحضر منتخبنا الوطني المغربي، "أسود الأطلس"، الذي قدم أداء باهرا خلال منافسات كأس العالم 2022 بقطر.

أبان اللاعبون المغاربة عن مهارات عالية جدا؛ فعلى هذا المستوى من المنافسة، إن لم تمتلك المهارة والانضباط، فلا أمل لك في التقدم. بهذه العبارات الدالة، عبر العالم المغربي منصف السلاوي عن بعض من هواجسه في كتابه السير-ذاتي الصادر حديثا، والذي كان محور لقاء نظمه مجلس الجالية المغربية بالخارج ضمن فعاليات المعرض الدولي للكتاب، يوم السبت 26 أبريل 2025، احتفاء بالجالية المغربية.

"الأفق المفتوح: مسار حياة" هو عنوان النسخة العربية من الكتاب، المترجم عن الإنجليزية، والمتوفر أيضا بنسختين عربية وفرنسية عن منشورات "أفريقيا الشرق"، ويقع في 262 صفحة.

يسرد السلاوي في هذا الكتاب مساره المذهل، من طفولته في الدار البيضاء إلى تعيينه على رأس عملية "وارب سبيد" بالولايات المتحدة لتسريع تطوير اللقاحات ضد فيروس كوفيد-19، وهي المهمة التي كلفه بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، بعد أن رفضها باحثون آخرون.

بالنسبة للسلاوي، "لم تكن هناك مخاطرة شخصية بالنسبة لي؛ بل كانت المخاطرة الحقيقية هي آلاف الضحايا الذين كان يسقطون يوميا بسبب الفيروس، ومئات المليارات التي كان يخسرها الاقتصاد العالمي يوميا"، مضيفا أن الاقتصاد الأميركي وحده كان يفقد 23 مليار دولار يوميا.

وأوضح أن الأميركيين وفروا كل الإمكانيات اللازمة، بخلاف الأوروبيين الذين اتسم موقفهم بالتردد والخوف، قائلا: "لقد كانت حربا ضد أقوى وباء، وكان لا بد من تشكيل جيش مجهز بكل الوسائل"، مشيرا إلى أن العالم اليوم يستعد عبر طائرات تكلف مئات الملايين لمواجهة المخاطر، وعلينا كذلك أن نستعد للحروب ضد الأوبئة.

أمام الحضور الغفير في قاعة مجلس الجالية المغربية بالخارج، عبر السلاوي عن رغبته في إلهام الشباب المغاربة، قائلا: «إنها سلسلة من الخيارات المتتالية، دون خوف من الفشل، هي التي سمحت لي بالتقدم».

كما كشف عن مساهمته في تطوير أول لقاح ضد مرض الملاريا، وهو إنجاز استغرق 27 سنة من الجهد المتواصل.

وحول الإلهام الذي استمده من كرة القدم، قال السلاوي: "لاعبونا لم يبرعوا فقط تقنيا، بل أظهروا انضباطا كبيرا واستعدادا بدنيا ممتازا تحت إشراف المدرب وليد الركراكي. كانت لياقتهم البدنية العالية تتيح لهم اللعب بوتيرة مرتفعة طوال المباريات. وعندما كانوا يبطئون نسق اللعب، كان ذلك بدافع تكتيكي لإرباك الخصم".

وأضاف أن اللاعبين كانوا يدركون جيدا ما يسعى إليه كل خصم هجوميا، ويتمكنون من تعطيل خططه باستمرار، بينما كانوا في الهجوم يستغلون اللحظات المناسبة لدفع الكرة إلى الأمام وخلق فرص حقيقية للتسجيل.

قبل نسخة 2022، شارك المغرب في كأس العالم خمس مرات، لكن أداءه في قطر كان الأفضل على الإطلاق. بالنسبة للجماهير المغربية، بل وللمغاربة عامة، لم يكن الأمر مجرد حدث رياضي، بل ظاهرة اجتماعية واحتفالية وطنية وتجسيدا لهوية مغربية وعربية طالما تم تهميشها عالميا.

كان هذا النجاح كاسرا للقيود ومفاجئا حتى لأكثر المتفائلين. فبعد عامين من الإغلاق بسبب جائحة كورونا، جاءت كأس العالم كمتنفس جماعي، ولحظة وحدة وطنية وشعور بالقوة والاعتزاز. امتلأت المدرجات بالهتافات والأعلام المغربية، ولم يسبق لأي بلد عربي أو مسلم أو إفريقي أن بلغ هذا الدور المتقدم في كأس العالم. الجماهير من مصر وسوريا والجزائر والسودان شاركتنا الفرحة، ورفرفت الأعلام المغربية في كل مكان.

ورغم الهزيمة أمام فرنسا في نصف النهائي، إلا أن أداء المنتخب المغربي كان بطوليا وتاريخيا.

حين تابع السلاوي مباراة المغرب ضد إسبانيا برفقة ابنه مهدي، شعر بتحرر تام من هموم الحياة اليومية، قائلا: "كل تركيزي كان منصبا على تلك الرقصة التكتيكية بين اللاعبين. كانت الطاقة مشحونة ومليئة بالبراعة".

وتابع: "تذكرت الأطفال الذين كنت أراهم في أزقة المغرب، يلعبون بكرات مصنوعة من العلب أو الألمنيوم. اليوم صار بإمكانهم أن يحلموا أحلاما أكبر". بالنسبة له، هذه التجربة تؤكد أن الإصرار وعدم الاستسلام يصنعان النجاح.

استرجع السلاوي أيضا ذكرياته كطفل نشأ في أسرة عادية ودرس في مدرسة حكومية، ليصل إلى مستويات عالية من التأثير العالمي.

وأشار خلال تقديم كتابه إلى أنه كتب سيرته الذاتية بالتعاون مع الكاتب الأميركي أندرو زانتون، في عمل منظم حول سبعة محاور موضوعاتية، قائلا: "أتقاسم فيه فلسفة حياة قائمة على الشغف والدقة العلمية"، مشيرا إلى أن العمل استغرق عامين ونصفا من المقابلات المكثفة.

وأضاف أن تجربته مع عملية "وارب سبيد"، التي قادها لإنقاذ البشرية من الجائحة، جاءت بعد مسار طويل من العمل البحثي مع كبرى شركات الأدوية مثل "موديرنا"، مؤكدا أنه مع توفر الإمكانيات، يمكن تحقيق النجاح، وهو ما حصل بالفعل بفضل الدعم الكامل الذي وفرته إدارة دونالد ترامب.

ورغم تقاعده، لا يزال منصف السلاوي نشطا في مجال علوم الحياة، بعضويته في مجالس إدارة مختلفة واستثماراته في الابتكار العلمي.

وعن البحث العلمي في المغرب، قال السلاوي إن الطريق ما زال طويلا لبناء الكفاءات اللازمة لباحثي المستقبل، مشيدا في الوقت نفسه بإدارة المغرب لأزمة جائحة كورونا، واصفا التجربة المغربية بالناجحة، خصوصا في توفير اللقاحات وتأمين السلامة الصحية للسكان.