"عندما أموت، لا أريد أن أُدفن هنا، أريد أن أرى وطني، وأن أُدفن هناك". كانت هذه إحدى العبارات التي نقلها في إحاطته لمجلس الأمن، منتصف شهر أبريل الجاري، المبعوث الأممي الخاص إلى الصحراء، ستيفان ديمستورا، على لسان شابة مغربية تتحدر أسرتها من الأقاليم الجنوبية، وتعيش قهر الاحتجاز في مخيمات تندوف داخل الجزائر، بعيدا عن تراب وطنها.
سوف يتساءل القارئون لمقدمة هذا المقال: لماذا يجب أن نتذكر الآن هذا المقطع من الإحاطة وغيره؟
الجواب: هناك مستجدات طرأت وتطرأ تحت خيم الاحتجاز، ووسط ما يشبه دروب وأزقة المخيمات. مستجدات مختلطة برائحة الدماء التي تريقها بنادق عصابات التهريب الدولي للمخدرات والاتجار في البشر والسلاح، أمام أعين الجيش الجزائري، وصمت عناصر "البوليساريو"، إن لم نقل مباركتها.
هناك في تندوف، الأوضاع الميدانية تختلف كثيرا عما تحاول الآلة الإعلامية لجنرالات الجزائر الترويج له، باستقدام وجوه كانت تطمع في إمدادات أثداء الريع، رغم أنها لا تنتمي أصلا، بحكم مسقط رأسها، لما يوصف بـ"الأراضي المتنازع عليها".
هناك، وحسب إحاطة ديمستورا، الاحتياجات الإنسانية للمحتجزين في المخيمات مستمرة داخل وحول منطقة تندوف.
يقول المبعوث الأممي في إحاطته أمام مجلس الأمن: "خلال زيارتي للمخيمات هذا الشهر، التقيت بزملاء من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي، الذين أعربوا لي عن قلقهم العميق من تقليص الحصص الغذائية، والتي قد يتم وقفها تماماً خلال الصيف المقبل في أسوأ الأحوال، إذا لم يتم تأمين تمويل جديد".
هذه الفقرة وحدها، تزيد من فضح من يدعم الانفصال ويرعاه، إذ يمكن له صرف ملايير الدولارات بغرض معاداة المغرب، ولا يصرف دولارا واحدا لإطعام الجائعين داخل مخيمات يشاء لها هو أن تعيش يوميات البؤس والجوع والحرمان من أبسط أساسيات وشروط العيش.
فقرة تفضح سياسة فتح إمدادات الأرصدة البنكية وحقائب الظهر، لإرشاء صناع القرار ومن يدور في فلكهم، عوض توفير كسرة خبز وماء صالح للشرب، لمن يعيشون قهر الاحتجاز، وإن حاولوا الهروب منه، منعوا أو قتلوا، أو تم استقدام من يرهبهم.
فضحت حرص جنرالات الجزائر على ضمان إمدادات السلاح عوض تأمين قوت اليوم والأمن والسلام.
هل نملك دلائل عما سبق؟ نعم.
الجزء الأول من الدلائل، جاء دائما في إحاطة المسؤول الأممي، إذ أورد في جزء منها بصيغة أقرب إلى الحكي:
"خلال زيارتي لتندوف، عقدتُ اجتماعات مع ممثلي المجتمع المدني والمنظمات النسائية. سمعتُ تعبيرات كثيرة عن اليأس والنفاد والصبر، لا سيما من الجيل الشاب من اللاجئين الصحراويين، الذين يزدادون تململاً".
عبرة "التململ" أعقبتها شهادة الشابة التي أوردنا صرختها في بداية هذا المقال.
وأضاف ديمستورا بشأن شهادتها التي باحت بها له:
"قالت لي شابة إنها وُلدت في المخيمات ولم تعرف واقعاً آخر طوال حياتها. وأضافت أنها دفنت جدّيها ووالديها هناك.
ثم قالت لي هذه العبارة المؤلمة: (عندما أموت، لا أريد أن أُدفن هنا. أريد أن أرى وطني، وأن أُدفن هناك). وقع كلماتها العاطفية قادني إلى النقطة الثالثة والأخيرة، وهي:
المشاركة الكاملة والفاعلة للنساء الصحراويات في العملية السياسية التي نأمل أن تُسهم في تحديد مستقبل شعبهن".
وإن كانت مسألة تحديد مفهوم "الشعب"، حسمتها كل الوقائع الميدانية التي عاشها المبعوث الأممي بمخيمات "تندوف" ونقل بعضا من حقائقها لا غير، وهو أن هناك شعبا واحدا، اسمه المغاربة، يشمل أيضا إخوانهم المحتجزين عند الجزائر.
حسمت بتوصله بما يفيد اعتراف أقوى طرف حول طاولة مجلس الأمن بمغربية الصحراء وسيادة المملكة على كافة ترابها الوطني.
أما الجزء الثاني من الدلائل، فهي الفيديوهات التي انتشرت نهاية الأسبوع المنصرم، تنقل لعلعة الرصاص فوق رؤوس المحتجزين، وأيضا مواجهة عدد منهم للجيش الجزائري بشعارات الرغبة في العودة إلى وطنهم المغرب، والهتاف برموزه، دون أن نغفل تسليم عدد من مسلحي "البوليساريو" لأنفسهم وسلاحهم عند الجدار الأمني العازل، بين يدي أفراد القوات المسلحة الملكية.
من ينشر هذه الفيديوهات بمواقع التواصل الاجتماعي؟
ينشرها شباب خرجوا من تندوف يوما ما، أو منحهم المغرب وفق شروط المواطنة الكاملة تعليما خول لهم اتمام دراستهم في الخارج، رغم ولائهم المعلن لأطروحة الانفصال. وها هم اليوم، يصلون محطة مراجعة التغرير بهم.
أمام كل ما سبق. ما هو الواقع اليوم بتندوف؟
الواقع هو أن المحتجزين يعيشون تحت خيامهم غروب أطماع الانفصال، وإن هم بحثوا عن الانعتاق للاستمتاع بشروق شمس الوحدة من الداخلة أو العيون أو سمارة... ووجهوا وووجهن بالتجويع والقتل.