الاعتداء على أستاذة خنيفرة.. قاشا: مذكرة البستنة ليست حلا لخفض العنف

خديجة قدوري

تعرضت أستاذة بسبت أيت رحو التابع لإقليم خنيفرة لاعتداء جسدي أثناء محاولتها الحصول على الماء، ليعيد الحادث ذكرى وفاة أستاذة اللغة الفرنسية، يوم 13 أبريل الماضي، متأثرة بجروح بالغة إثر الاعتداء عليها من طرف أحد طلبتها بمدينة أرفود.

المحيط والتنشئة الثقافية للطفل

وفي هذا السياق، قال قاشا الكبير، عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم، في تصريح لـ"تيلكيل عربي" اليوم الجمعة، إن ما حصل لأستاذة المدرسة الجماعاتية بسبت أيت رحو بمديرية التعليم بخنيفرة، والتي كانت تحاول الحصول على الماء الصالح للشرب، ليس سوى جزء من التعديات التي باتت الأسرة التعليمية ضحيتها في مختلف مناطق المغرب، مع اختلاف في مستويات خطورتها الإجرامية، والتي وصلت لدرجة الوفاة في أرفود.

وأوضح قاشا أن "الأسباب الرئيسية الكامنة وراء هذه الأشكال من الإذلال والتهديد والضرب والجرح، تكمن في الهجمة الشرسة التي ترعاها قنوات الإعلام الرسمي في احتقار الأستاذ وعرض مجموعة من الأفلام والمسلسلات والوصلات الفكاهية والبرامج، التي تتخذ من رجال ونساء التعليم موضوعا دسما لاستجلاب القهقهات وتفريغ شحنات فائض القهر التي يستشعرها المواطن تجاه كل ما يحيل على الدولة ومؤسساتها وسياساتها، عبر تحقير الأساتذة والحط من قيمتهم واعتبارهم".

وأبرز في معرض حديثه، أن هذا هو المدخل الذي بات المتحكمون في هذه الأدوات يعتبرونه وسيلة للحط من المدرسة العمومية في أفق نفض اليد من هذه الخدمة التي يعتبرونها مكلفة وغير ذات جدوى مالية، ناهيك عن التنشئة على ثقافة العنف منذ المراحل الأولى الحرجة في حياة الطفل.

وقال قاشا، "يكفي في هذا السياق أن نستحضر بعض المسلسلات التي تم عرضها خلال شهر رمضان، في فترات ذروة المشاهدة وتجمع الأسر حول موائد الإفطار، زيادة على ارتفاع نسب استهلاك المواد المخدرة بين صفوف التلاميذ، وتعمق مشاكل الأسر بالنظر للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي فتحت أبواب المغرب على سياسات نيو ليبرالية همجية عملت على تفتيت كيان الأسر وتحييد دورها في التربية".

خفض العنف عن طريق مذكرة البستنة

واسترسل قائلا: "يمكن أن أضيف في هذا السياق العمل الدؤوب للوزارة على خفض مستويات العنف داخل فضاء المدرسة وتنميته من خلال ما بات يسمى بمذكرة البستنة، وهي معاقبة التلاميذ الذين يبدون سلوكيات عنيفة تجاه أطر القطاع بتكليفهم بتشذيب حشائش المؤسسة، وهذا يشكل جريمة بمقتضى نصوص مدونة الشغل، ويعكس الجهل القانوني المتفشي في المستويات العليا من تدبير شؤون القطاع، بالإضافة إلى محاصرة عمل الجمعيات الجادة والنوادي التعليمية وإغلاق دور الشباب وكلها عوامل تتشابك لإنتاج هذه الظاهرة".

وتعتبر مذكرة البستنة رقم 14-867 والصادرة بتاريخ 17 أكتوبر 2014 بشأن العنف المدرسي، إجراء تأديبيا يتخذ من طرف مجالس الأقسام في حق التلميذات والتلاميذ غير المنضبطين، عبر تكليفهم بتنظيف ساحة ومرافق المؤسسة، وإنجاز أشغال البستنة، والقيام بأشغال داخل المكتبة المدرسية كالتنظيف وترتيب الكتب والمراجع، والمساعدة في الأشغال المرتبطة بتقديم خدمات المطاعم والداخليات المدرسية، والمساعدة في تحضير الأنشطة الرياضية.

مداخل لوقف الانهيار داخل المؤسسات التعليمية

في هذا الإطار، ذكر قاشا أن "بعض المداخل لوقف هذا التردي المخيف لمؤسساتنا التعليمية وتقزيم أدوارها وتحويلها لفضاء عنف ومبارزة وتلاسن بين التلاميذ وأوليائهم وباقي الأطر.. تكمن في مواجهة هذه السياسات التعليمية المستهدفة للأطر والقطاع، والتي باتت تكثف إفلاس المدرسة العمومية وتعزوه للأستاذ والمدير".

واستطرد قائلا: "كما يكمن أيضا في ضرورة الانفتاح والشراكة مع الجمعيات الحقوقية الجادة، وتفعيل أدوار المختصين الاجتماعيين في المؤسسات التعليمية، وتزويدهم بأدوات العمل عوض تكليفهم بمهام إدارية لتعويض الخصاص في أطر الحراسة العامة، بالإضافة إلى توظيف أطر مسرح وموسيقى وتحضير فضاءات هذه الأنشطة، والاهتمام بمكتبات المؤسسات التعليمية وتخصيص حصص إلزامية لها، ووقف تكالب الإعلام الرسمي على القطاع وتبخيس أدواره".

وشدد على أهمية الاهتمام بالصحة النفسية للتلاميذ ضحايا المشاكل الأسرية والاجتماعية، وتوفير مساكن للأستاذات تحترم الكرامة الانسانية في العالم القروي، وربطها بشبكة الماء والكهرباء والصرف الصحي، حتى لا يتعرضن لما تعرضت له أستاذة سبت أيت رحو، التي أريد تضييق الخناق عليها لتهجيرها قسرا، بالإضافة إلى حالات أخرى تعرضت للسرقة أو التحرش الجنسي، وحتى الاغتصاب واقتحام المساكن ليلا وغيره".

وخلص قاشا إلى القول بأنه "يجب على الدرك والشرطة والنيابة العامة مضاعفة المجهودات للتعامل بصرامة مع الانتهاكات التي تتعرض لها شغيلة المدرسة العمومية.. كما على الوزارة مراجعة مذكرة بستنتها بما يليق بحفظ الفضاء الآمن لنساء ورجال التعليم من أجل أداء وظيفتهم النبيلة، خصوصا وأن الرهان على الجهل لن يصنع لنا مجتمع ضباع فقط، بل أيضا مجتمع ضواري لن يفلت من مخالبها أحد".