لا حديث في شارع محمد الخامس بوسط الرباط، الشريان النابض للعاصمة المغربية، سوى عن مصير عمارة تاريخية تقع عند زاوية شارع محمد الخامس و زنقة الطائف رقم 1، بالقرب من مبنى البرلمان.
وتتصاعد المخاوف في الآونة الأخيرة، بشأن مصيرها، خاصة في ظل سعي الملاك الجدد للحصول على رخصة الهدم، مستندين في ذلك إلى تقرير صادر عن مكتب دراسات يزعم أن المبنى آيل للسقوط.
في هذا الإطار، أفاد مصدر لـ"تيلكيل عربي" أن لجنة مختلطة زارت العمارة في الأسابيع الماضية في إطار رخصة الهدم، التي وضعها الملاك الجدد، كما أن لجنة من غرفة المستشارين خرجت كذلك لمعاينة العمارة".
إسحاق شارية، المحامي بهيئة الرباط الذي يكتري مكتبا بنفس العمارة، تقدم بتعرض وشكاية إلى والي جهة الرباط سلا القنيطرة، بتاريخ 29 أبريل 2025، ضد رخص الهدم، يتوفر "تيلكيل عربي" على نُسخة منها.
وأشار في شكايته إلى أن العمارة كانت مملوكة لجمعية الرفق بالحيوان الفرنسية قبل بيعها "في ظروف مشبوهة" لسيدة (..)، متهما إياها بأنها "مقاولة متخصصة في شراء عمارات وإفراغ سكانها بطرق غامضة".
ولم يتسن لـ"تيلكيل عربي" التواصل مع ابن مالكة العقار، لأن رقم هاتفه إما خارج التغطية أو لا يجيب لأخذ رأيه حول الموضوع، (تحديث: جرى التواصل مع ابن مالكة العقار).
وذكر شارية أن المالكين الجدد، وبمجرد حيازتهم رسم الملكية، شرعوا في "مجموعة من الأشغال دون رخصة والتي تهدد جمالية وأساسات العمارة من قبيل النبش في الأساسات وإغراقها بالمياه وتعريضها للإهمال العمدي ورفض القيام بالإصلاحات اللازمة"، مضيفا أنهم يسعون "من خلال عمليات ملتوية إلى استخراج رخصة للهدم من خلال خبرة مزيفة تدعي أن العمارة مهددة بالسقوط".
في المقابل، كشف تقرير خبرة مضاد، أعده الخبير المحلف والمقبول لدى المحاكم عبد العزيز الخميري، أن "العمارة لا تعاني من أية مخاطر ولا تشققات"، مشككا في "المعايير الشفافية والنزاهة والتقييم العلمي" للخبرة التي استند إليها الملاك.
وأوضح الخميري أن "العمارة في حالة جيدة، وأن التصرفات التي قام بها عمال مكتب الدراسات (..) هي من أضرت ببعض جوانب العمارة"، مؤكدا سلامة أساسات المبنى.
وشدد تقرير الخميري على عدة نقاط تقنية، حيث أشار إلى أن "العمارة سليمة التوازن لكن في حاجة ماسة للقيام بأشغال الصيانة والترميم"، منتقدا في الوقت نفسه "ادعاء مختبر (..) كون العمارة مهددة بالخراب وآيلة للسقوط" واصفا إياه بأنه "ادعاء وتقييم غير مؤسس علميا أو فنيا".
بل شكك التقرير نصه الكامل عند "تيلكيل عربي"، في الاعتماد على "مقياس التصلب sclerometer" كأداة وحيدة لتقييم صلابة الخرسانة، مؤكدا أن هذا الاختبار يعطي فقط "فكرة تقديرية ومؤقتة".
وشدد على الأهمية التاريخية والتراثية للعمارة، مشيرا إلى أنها "مدرجة في قائمة التراث الوطني فعلا بقرار رقم 2354.11 تاريخ 17 رجب 1432 (20 يونيو 2011). BO n°5972 بتاريخ 24 رمضان 1432 (25 أغسطس 2011)، وأن واجهتها "تمثل نموذجا معماريا معينا وتشكل إحدى حلقات سلسلة أجمل وأعرق مجمع التراث العمراني والمعماري في وسط مدينة الرباط".
على إثر ذلك، طالب شارية والي الرباط بـ"تسجيل تعرضه على أي طلب لرخصة الهدم أو ادعاء كاذب من كون العمارة معرضة لخطر الانهيار، مع ضرورة التدخل لحماية العمارة وإلزام المالكة بالقيام بالإصلاحات الواجبة".
والتمس "التدخل العاجل لفتح تحقيق فيما يمارس داخل العمارة من أشغال سرية تروم تغيير معالمها الثقافية والتاريخية والحضارية أو تعمد تخريب وإهمال بعض جوانبها تمهيدا لادعاء ضرورة هدمها أو تغيير نشاطها، حماية للتراث اللامادي لمدينة الرباط الأنوار".
وفي خطوة موازية، أنجزت سمية طيكي، محامية بهيئة الرباط، بتاريخ 30 أبريل 2025، تعرضا مماثلا وجهته إلى اللجنة المكلفة بمعاينة عمارة الطائف رقم 1، نيابة عن شارية وطبيبة أخرى، وأرفقته بنسخة من الخبرة المضادة التي تؤكد سلامة العمارة، مع توجيه نسخ إلى جهات مختلفة منها الوكالة الحضرية بالرباط ووزارة الثقافة.
وتجدر الإشارة إلى أن العمارة المتنازع عليها تضم فرعا للبنك المغربي للتجارة والصناعة، وهو ما قد يزيد من تعقيد عملية الهدم المحتملة ويطرح تساؤلات حول مصير مصالح البنك وعملائه في حال تنفيذها.