اجتماع طارئ فوق العادة

هادي معزوز

... لازلنا ننتظر لحد الساعة وصول موكب السيارات المزينة بأرقام الرباط إلى وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بباب الرواح، مثلما لازلنا ننتظر ترجل بعض المسؤولين عن القطاع ـ من السيارات ـ ببذلتهم التي لا تخرج عن اللونين الأسود والأزرق وربطات العنق ومختلف أنواع العطور وما يرافق ذلك من نظارات سوداء وأقلام فاخرة للإمضاء...

... لازلنا ننتظرهم من أجل الوصول في الموعد المحدد رفقة ممثلين عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين، وممثلي النقابات الأربع، وممثلي الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، بحيث يجلس الجميع أمام بعضهم البعض، وبعد التذكير بجدول الأعمال يتم الإنصات إلى أربعة مشاريع فقط. الأول تقدمه الوزارة المعنية في شخص محمد سعد برادة، والثاني تقدمه رئيسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين في شخص رحمة بورقية، والثالث تقدمه النقابات الأكثر تمثيلية، والرابع يقدمه فيصل العرايشي الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. لكن ما هو القاسم المشترك بينهم؟

لا نريد الخوض في أمر التشخيص، بل توجب الانطلاق من سؤال مشترك وهو ماذا نريد؟ الظاهر أنه لو تم توجيه السؤال لأي شخص كبر شأنه أو صغر، فسيكون الجواب واحدا وهو الرقي بشأن الوطن أولا وأخيرا بغض النظر عن الحكم على النية من بابها الحسن أو السيئ. إذا كان الهدف واحدا إذن، فمن الأفضل المرور للسرعة القصوى وهي تقديم برنامج متكامل يشترك فيه الجميع بخلفية واحدة: الصالح العام والرقي بتفكير وذوق المغاربة الذي نراه في الحضيض وهو أمر لا يختلف حوله أحد.

ما هو مدار جدول الأعمال؟ الإيمان بأن المدرسة هي الدافع الأول نحو تكوين الأجيال وبناء الوطن بالسواعد والنواجد والعقول، لكن مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار المنتوج الإعلامي المقدم، والذي يجب أن يساير روح البرنامج المتفق عليه، وإلا فستكون النتيجة منفصمة بين إيديولوجيا البرامج المعتمدة في المدارس، وإيديولوجيا الإعلام المقدمة، والتي يشهد فيها القاصي قبل الداني بردائتها على كل المقاييس.

ما العمل؟ الحاجة الملحة اليوم قبل غد لتغيير البرامج الدراسية التي لا تساير السرعة التي يسير بها العالم والواقع. برامج أقل ما يقال عنها أنها تجيب على أسئلة ليست من اهتمام هذا الجيل، علما أن مفهوم الجيل أيضا توجب إعادة النظر إليه، ففرق خمس سنوات في العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، يضاهي فرق ثلاثين سنة من القرن الفائت. المرجو القيام بدورات تكوينية في هذا الشق ومحاولة قراءة الواقع من طرف أهل الاختصاص لأن الحل بيدهم قبل أن يكون بيد المسؤولين.

كيف ذلك؟ سآخذ أمثلة متعددة: مادة التاريخ علم له قواعده ومناهجه قبل أن تكون سردا للأحداث من طرف المدرس، وحفظا عن ظهر قلب من طرف المتعلم. سنتعلم من دارس التاريخ معنى المسايرة والمعاصرة وهو الأمر الذي نفتقده اليوم في أطرنا السياسية والاقتصادية، ودليلنا أن المغرب يسير بسرعتين لا داعي للخوض فيهما. مادة الفلسفة: تدرس للمتعلمين ليس من أجل جعلهم فلاسفة، وإنما من أجل تكريس الحس النقدي والقدرة على قراءة الواقع، والتربية على أخذ المبادرة والتعبير عن الرأي وتنظيم الأفكار، وهي أمور ستساعد المهندس والمحامي والتقني والإقتصادي والسياسي كي يجد حلا لمشكلاته الاقتصادية والسياسية. الدراسات الأدبية: لتنمية الذوق والتربية على الرقي في شتى مجالاته الأخلاقية والفنية والعقلية. العلوم الحقة: العزلة التي تعانيها العلوم الحقة تقدم لنا أطرا معطوبة مُقلّدة، إذا أخرجتها من دائرة تخصصها تفقد البوصلة وتخبط خبط عشواء.

وكيف ذلك مرة أخرى؟ ضرورة تغيير فلسفة البرامج المقدمة، أولا من خلال الاتفاق على هدف موحد. ثانيا الاشتغال عليه بروح الجماعة. ثالثا تغييب كل أشكال الإيديولوجيات والحسابات السياسية أو التكنوقراطية الضيقة. رابعا تحديد موعد لمناقشة ما ينبغي فعله. خامسا المرور إلى التنفيذ بعد الاتفاق شريطة توزيع المهام وتحديد سنوات تحقق الهدف على المستويات القريبة والمتوسطة والبعيدة، مع ضرورة التقويم المرحلي ومسايرة البرامج وضبط الصالح منها والتخلص من طالحها. حينذاك يمكننا الحديث عن النهضة المغربية الحقيقية بدل تلك التي نحصرها في بناء الطرق والملاعب والحدائق، أما العقلية فشيء آخر خارج ما نعتقد، مع التذكير بأن الذين نعول عليهم لا أمل منهم إذا سمينا الأسماء بمُسمياتها. اسألوا أغلب الآباء والمدرسين إن لم تصدقوني!