ارتفاع قياسي في العائدات الجبائية.. هل يعكس تحولا هيكليا أم دفعة استثنائية؟

خديجة قدوري

أعلن فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، عن تسجيل ارتفاع ملحوظ في العائدات الجبائية للمملكة، يوم الاثنين المنصرم، بالرباط.

وقد أظهرت البيانات الرسمية بداية قوية للمداخيل الضريبية في العام 2025؛ حيث بلغ إجمالي الإيرادات الضريبية، في الربع الأول من 2025، نحو 104.56 مليارات درهم، مقابل 84.20 مليار درهم، في نفس الفترة من 2024، بزيادة 24.2 في المائة، وتعكس هذه النسبة الأرقام الإجمالية قبل احتساب المبالغ المستردة.

وعلى أساس صافٍ (بعد خصم المبالغ المُسددة)، بلغت الزيادة نحو 21.5 في المائة، مقارنة مع الربع الأول من 2024.

وبناء على الأرقام الصادرة في مارس 2025 حول أنواع الضرائب، قال قمر فؤاد، المحلل الاقتصادي، إن نمو الضرائب غير المباشرة (التجارية على القيمة المضافة واستهلاك الطاقة) المعتدل نسبيًّا قد تفوق مقارنة بالقفزة الكبيرة في الضرائب المباشرة، فقد ارتفعت إيرادات ضريبة الشركات بنحو 39 بالمائة، وضريبة الدخل بنحو 44 بالمائة مقارنة بالربع الأول من 2024.

وأبرز فؤاد، في تصريح لـ"تيلكيل عربي أن الوزارة عزت هذا الارتفاع الكبير في الضرائب المباشرة بشكل رئيسي إلى دفعات استثنائية طوعية وسداد ضريبي إضافي. فمثلاً، بلغت قيمة التسوية الطوعية للضريبة على الدخل نحو 3.8 مليارات درهم في يناير 2025، مما ساهم بنسبة كبيرة في زيادة التحصيلات على هذا البند.

وفيما يتعلق بالمداخيل العفوية الضريبية من الشركات، كشف أنها سجلت ارتفاعاً ملحوظاً (+10.7 مليارات درهم) إثر زيادات في الإيداع الأول والتسويات الضريبية. بالمقابل، سجلت الضريبة على القيمة المضافة نموًا أكثر اعتدالاً (أقل من 10 بالمائة)، إذ ارتفعت المداخيل من TVA على الواردات (+9.5 بالمائة) مع تراجع طفيف في المبيعات المحلية (-7.4 بالمائة). وارتفعت ضرائب الاستهلاك الداخلي (التبغ والطاقة) بنحو 10.7 بالمائة عبر الربع، بينما كانت الزيادة في الرسوم الجمركية والتسجيل هامشية (+14.1 بالمائة و+3.0 بالمائة على التوالي).

توسّع الوعاء الضريبي ودينامية الاقتصاد

تشير المؤشرات الاقتصادية إلى أن الاقتصاد الوطني قد يشهد انتعاشة تُسهم في توسع الوعاء الضريبي. فقد توقعت المندوبية السامية للتخطيط نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 4.2 بالمائة في الفصل الأول من 2025، مدفوعاً بانتعاش القطاع الفلاحي والنشاط القوي للخدمات والبناء.

كما أن الزيادة في الأجور والرواتب في القطاعين العام والخاص (نتيجة الحوار الاجتماعي) رفعت الدخل الخاضع للضريبة، ما يفسر ارتفاعا إضافيا في ضريبة الدخل على الأجور. في المقابل، يظل الاقتصاد غير المهيكل عاملا مؤثرا.

وفي هذا الصدد، أفاد المتحدث أن الاقتصاد غير المهيكل يشكل حسب البنك المركزي المغربي نحو 30 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي (2018)، وهو ما يمثل مجالًا ضريبياً غير مستغل كليّاً. تسعى الحكومة وإصلاحاتها للحدّ من الظلّ الضريبي، لكنه يبقى هاما في تفسير محدودية الاحتياطيات الضريبية، ويستلزم جهوداً هيكلية مستمرة (مثل تبسيط المساطر وتحسين بيئة الأعمال) لتحويل جزء منه إلى الاقتصاد الرسمي.

الإجراءات الضريبية المؤقتة مقابل الإصلاحات الهيكلية

ذكر فؤاد، أن الدراسة السابقة التي أنجزتها وزارة الاقتصاد والمالية سنة 2024 حول الإصلاحات الضريبية، تشير إلى أن الزيادة الحالية في التحصيلات لا تستند فقط إلى إجراءات مؤقتة. فقد عززت الإصلاحات الضريبية الهيكلية من قدرة الدولة على زيادة الإيرادات دون رفع معدلات الضريبة الإجمالية. فمثلاً، أدخل قانون المالية 2025 تعديلات ضريبية مستدامة (كإضافة شرائح تصاعدية للضريبة على الدخل وإصلاحات هيكلية في ضريبة الشركات وفرض رسوم على الإسمنت والألعاب الإلكترونية).

وتابع قائلا: إن صندوق النقد الدولي أكد أن هذه الإصلاحات ساعدت في توسيع الوعاء الضريبي مع خفض العبء الضريبي الفعلي، مما جعل عائدات الضرائب في 2024 أعلى من المتوقع. كذلك خلص تقرير البنك الدولي إلى أن تطبيق هذا الإصلاح الضريبي خلال السنوات الأخيرة أدى إلى زيادة كبيرة في حصة الإيرادات الضريبية من الناتج (من 20.4 بالمائة عام 2019 إلى 22.7 بالمائة عام 2023)، مع مساهمة أساسية للـضريبة على القيمة المضافة (+19%) وضريبة الشركات (+21%).

ولفت الانتباه إلى أن مبالغ الاستردادات والتسويات الضريبية المتراكمة قد تعاظمت، خاصة ـ TVA، بشكل استثنائي في بدايات 2025، وهو ما قد يقلل من وتيرة النمو في الشهور المقبلة. لكن في ضوء ما سبق، يبدو أن العوامل الهيكلية تهيمن على الاتجاه العام، ولا سيما تحسن إدارة الجبايات وتعزيز الامتثال الضريبي.

وأضاف أن أغلب المؤشرات ترجح أن الارتفاع الكبير في العائدات الضريبية لفصل يناير-مارس 2025 يعكس جزءاً من تحول هيكلي حقيقي في الاقتصاد المغربي. وبالتالي، نستنتج أن مؤشرات التحول الهيكلي قائمة ولكنها غير مطلقة، أي أن الزيادة الراهنة مدفوعة بمزيج من دينامية اقتصادية وضريبية هيكلية، بالإضافة إلى عناصر استثنائية لها دورها المؤقت. استمرار هذه المكتسبات يعتمد على مواصلة إصلاحات هيكلية أعمق لزيادة نجاعة النظام الضريبي وشمولية وسطيته.

تحديد الأولويات ضمن إطار متوسط المدى

في هذا الإطار، قال فؤاد، إن التحدي يكمن في تحقيق توازن دقيق بين توسيع الإنفاق العمومي لتحسين التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وبين ضبط المالية العمومية لتفادي تراكم عجز هيكلي أو مديونية مفرطة.

كما أشار المحلل الاقتصادي،  إلى أنه يجب على الحكومة صياغة برمجة ميزانياتية متعددة السنوات (2025–2028 مثلاً)، تربط فيها الهوامش المالية بتحقيق أهداف محددة في التعليم، الصحة، الحماية الاجتماعية، والبنية التحتية. بالإضافة إلى توجيه الموارد الجديدة نحو الاستثمارات المنتجة أكثر من النفقات الجارية، لتفادي توسيع "القاعدة غير المرنة" للميزانية (مثل الأجور والدعم الدائم).

تعزيز كفاءة الإنفاق العمومي

فيما يتعلق بمردودية البرامج الاجتماعية، أفاد المتحدث، بأنه وجب تقييمها والتخلص من المشاريع ذات الأثر المحدود أو المتداخلة. واعتماد آليات تقييم الأداء وربط التمويل بالنتائج (budgets axées sur les résultats)، خاصة في القطاعات الاجتماعية. بالإضافة إلى رقمنة الإنفاق ومحاربة الفساد والهدر المالي.

وأوضح المصدر ذاته،  أن الاستثمار في إصلاحات بنيوية من شأنه أن يحافظ على التوازن من خلال توجيه جزء من الفوائض نحو تمويل إصلاحات هيكلية ذات مردودية بعيدة المدى، مثل، تعميم الحماية الاجتماعية بشكل مندمج، وإصلاح التعليم والتكوين المهني لرفع الإنتاجية. بالإضافة إلى تسريع تحول الاقتصاد نحو الرقمنة والطاقات المتجددة.

وأضاف أنه، يجب وضع سقف صارم للعجز الهيكلي (مثلاً 3 بالمائة من الناتج المحلي)، مع السماح فقط بعجز مؤقت في حالات الصدمات. وإعادة توجيه الاقتراض نحو التمويل الاستثماري طويل المدى وليس لتمويل العجز الجاري. ورفع كفاءة تعبئة الموارد الذاتية بدل الاعتماد على الدين: كالتحسين المستمر للجباية، وتوسيع الشراكات مع القطاع الخاص (PPP).

تدعيم الحوكمة والشفافية

من خلال إشراك البرلمان والمجتمع المدني في مراقبة جودة الإنفاق العمومي. ونشر تقارير مالية دورية توضح كيف تُستخدم الهوامش الجديدة في تمويل البرامج ذات الأولوية، مما يُعزز الثقة والمساءلة.

وبخصوص تحقيق التوازن بين توسيع الإنفاق الاجتماعي والاستثماري، وضبط استدامة المالية العمومية أفاد بأنه يمكن للحكومة المغربية أن تقوم به عبر برمجة متعددة السنوات، وتركيز الإنفاق على القطاعات المنتجة، وتحسين جودة التدبير العمومي، والحفاظ على عجز محدود وتطوير حكامة مالية شفافة.

ولفت فؤاد، الانتباه إلى أن تجديد "خط الائتمان المرن" (FCL) من قبل صندوق النقد الدولي للمغرب في أبريل 2025، بقيمة 4.5 مليارات دولار لمدة عامين، يحمل دلالات متعددة تتجاوز الدعم التقني البحت، ويعكس تقييمًا إيجابيًا للسياسات الاقتصادية والمالية المغربية.

وأضاف أن  التجديد يشير إلى دعم صندوق النقد الدولي للجهود المغربية في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، مثل توسيع القاعدة الضريبية وتقليص الدعم غير المستهدف، مما يُعزز الاستدامة المالية. والحفاظ على هذا الخط يتطلب من المغرب الاستمرار في سياسات مالية ونقدية متينة، مما يُشكل حافزًا لمواصلة الإصلاحات.

وخلص إلى أن تجديد "خط الائتمان المرن" يُعد شهادة دولية على متانة الاقتصاد المغربي والتزامه بالإصلاحات، ويُوفر له أداة احترازية لتعزيز الاستقرار المالي. في الوقت نفسه، يحمل هذا الترتيب رسائل ضمنية تُشجع على الاستمرار في السياسات الرشيدة ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية.