الدولة الاجتماعية.. المجلس الاقتصادي يحذر من ضعف الاستهداف وتفاقم العجز الصحي والتقاعدي

محمد فرنان

أوضح رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، عبد القادر اعمارة، أن "الحصيلة المرحلية لورش إرساء منظومة الحماية الاجتماعية تعد حصيلة إيجابية بشكل عام، بالنظر إلى التقدم الملموس والمطرد الذي تحقق على أرض الواقع حتى الآن، غير أن هناك عددا من التحديات التي تقتضي الانكباب عليها لضمان نجاح هذا الورش على النحو الأمثل".

وأضاف، في كلمة تلاها بالنيابة عنه عبد الصادق السعيدي، عضو مكتب المجلس، خلال مداخلته في الندوة الوطنية حول "الدولة الاجتماعية: المرجعيات، السياسات والرهانات"، المنعقدة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، اليوم الثلاثاء، أنه "ما يزال حوالي 8 ملايين من المواطنات والمواطنين خارج دائرة الاستفادة من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، إما لعدم تسجيلهم في المنظومة (نحو 5 ملايين)، أو لوجودهم، حتى وإن كانوا مسجلين، في وضعية "الحقوق المغلقة" (droits fermés) (3,5 ملايين)".

وأشار إلى أن "نسبة المصاريف التي يتحملها المؤمنون مباشرة ما تزال مرتفعة، إذ قد تصل إلى 50 في المائة من إجمالي المصاريف الصحية، مقارنة بالسقف المحدد في 25 في المائة، الذي توصي به منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي، مما يدفع بعض المؤمنين أحيانا إلى العدول عن طلب العلاجات الأساسية لأسباب مالية".

وتابع: "فضلا عن ذلك، وإذا كانت الأنظمة الخاصة بأجراء القطاع الخاص ونظام "أمو – تضامن" قد سجلت توازنا ماليا سنة 2023، فإن باقي الأنظمة ما زالت تعاني، لأسباب مختلفة، من عجز مالي تقني في تغطية الاشتراكات للتعويضات (172% بالنسبة لـ"أمو – العمال غير الأجراء"، و121% بالنسبة لـ"أمو – القطاع العام")، مما يؤثر على آجال تعويض المؤمنين وأداء المستحقات لمقدمي الخدمات الصحية".

وأورد أن "معظم نفقات التأمين الصحي الإجباري الأساسي عن المرض تتجه نحو مؤسسات العلاج والاستشفاء الخصوصية (ما بين 84 و97% بالنسبة لـ"أمو" الخاص بالموظفين والأجراء وغير الأجراء، و57% بالنسبة لـ"أمو – تضامن")، وذلك نظرا لعدم كفاية العرض في القطاع العام وضعف جاذبيته"، ويلاحظ كذلك أن متوسط كلفة تحمل ملف صحي واحد في القطاع الخاص قد يفوق أحيانا نظيره في القطاع العام بخمس مرات، وذلك لغياب بروتوكولات علاجية ملزمة، مما يؤثر سلبا على الاستدامة المالية لمنظومة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض".

أما في ما يتعلق بالدعم الاجتماعي المباشر، فقد لفت إلى أن "الاستهداف الدقيق للمستفيدين والتحقق من صحة المعطيات المدلى بها ما زال يشكل تحديا ينبغي رفعه لإنجاح هذا البرنامج وتعزيز نجاعته".

وسجل أن "أنظمة التقاعد تواجه، وإن بدرجات متفاوتة، تحديات مرتبطة بالتوازنات المالية والاستدامة، إضافة إلى ضرورة ضمان الإنصاف بين مختلف الفئات، بما يتيح لها القدرة على الصمود أمام التقلبات الاقتصادية والتحولات الاجتماعية، مع الحفاظ على المكتسبات وحقوق الأجيال القادمة".

ودعا المجلس إلى "أخذ التحولات الديموغرافية المتسارعة التي كشف عنها الإحصاء الأخير للسكان والسكنى بعين الاعتبار، خاصة تنامي ظاهرة شيخوخة السكان. فمع تراجع معدلات الولادة (1.97، أي أقل من طفلين لكل امرأة) وارتفاع متزايد في أمد الحياة (77 سنة سنة 2024)، يزداد الضغط على أنظمة التقاعد، مما يستدعي تبني إصلاحات تراعي هذه التحولات لضمان توازنها المالي واستدامتها على المدى البعيد".

وفي ما يتعلق بتوسيع قاعدة المنخرطين في أنظمة التقاعد، أوصى المجلس بـ"توحيد أنظمة التقاعد من خلال إحداث نظام معاشات وطني إجباري أساسي، معزز بدعامتين: نظام تكميلي إجباري موجه للمداخيل التي تفوق السقف المحدد في النظام الأساسي؛ ونظام فردي اختياري".

أما بخصوص التعويض عن فقدان الشغل، فأبرز أن "هناك عدة تحديات أساسية تواجه هذه المنظومة، من بينها: تيسير شروط الأهلية للاستفادة من التعويض، وملاءمة نسب التعويض لمستوى المعيشة، وتمويل آلية التعويض عن فقدان الشغل بشكل مستدام ومنصف".

وشدد على أن "إصلاح الحماية الاجتماعية ليس إصلاحا قصير الأمد، وإنما يتطلب إنجاز توقعات ودراسات اكتوارية (études actuarielles) على المدى المتوسط والطويل".