صناعة السيارات الكهربائية تبدأ من القنيطرة.. المغرب يطلق أول مصنع للبطاريات في إفريقيا

بشرى الردادي

في خطوة فارقة على مستوى القارة الإفريقية، أعلنت شركة "Gotion Power Morocco"، الفرع المغربي لمجموعة "Gotion High-Tech" الصينية والمدعومة من "Volkswagen"، يوم أمس الأربعاء، عن انطلاق أشغال بناء أول مصنع ضخم لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب.

ويُعد المشروع، الذي يُقام داخل "Atlantic Free Zone" بمدينة القنيطرة، الأول من نوعه في إفريقيا، ويؤشر إلى دخول المملكة عصر الصناعات الطاقية المتقدمة بامتياز.

مصنع عملاق بمواصفات عالمية

ويُتوقع أن ينتج المصنع، في مرحلته الأولى، قدرة تصل إلى 20 جيجاوات ساعة سنويا، مع خطة توسع تدريجية إلى 40 ثم 100 جيجاوات ساعة. وسيركّز على إنتاج البطاريات بالكامل، إضافة إلى مكونات استراتيجية؛ مثل الكاثود والأنود؛ ما يضع المملكة في موقع محوري داخل سلاسل الإمداد العالمية الخاصة بالسيارات الكهربائية.

وتبلغ المساحة المخصصة للمشروع حوالي 100 هكتار، ومن المرتقب أن يبدأ الإنتاج الفعلي في الربع الثالث من سنة 2026. وسيُخصص جزء كبير من الإنتاج للتصدير نحو الأسواق الأوروبية، خاصة ألمانيا وفرنسا، اللتين تتجهان إلى تقنين استعمال السيارات الحرارية، بشكل كامل، بحلول سنة 2035؛ ما يمنح المغرب موقعا استراتيجيا في تأمين سلاسل الطاقة النظيفة للقارة.

سياسة صناعية مغربية تراكمية

ويمثل المشروع تتويجا لمسار طويل من الإصلاحات الصناعية التي راكمها المغرب على مدى أكثر من عقد، بدءا من "الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي"، سنة 2009، وصولا إلى خطة "الجيل الأخضر" ورؤية 2035.

وراهنت المملكة، مبكرا، على جذب صناعات المستقبل، وفي مقدمتها التنقل الكهربائي. ولعبت وزارة الصناعة والتجارة، بتنسيق مع الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات (AMDIE)، دورا محوريا في بلورة هذا الاستثمار، عبر تأمين بنية قانونية وبيئة استثمارية مشجعة.

القنيطرة تصدر المستقبل

ولم يكن اختيار مدينة القنيطرة كموقع للمصنع عشوائيا. فالمنطقة تحتضن بنية صناعية قوية تشمل مصانع كبرى؛ مثل "Renault"، ومجموعة من الموردين العالميين، كما تستفيد من الربط الطرقي والسككي القريب من موانئ التصدير الكبرى؛ مثل ميناء القنيطرة الأطلسي الجاري إنشاؤه؛ ما يمنح المصنع منفذا لوجستيا مباشرا نحو أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء.

طاقة خضراء لمصنع المستقبل

وفي انسجام مع التوجه المغربي نحو الاقتصاد الأخضر، سيتم تزويد المصنع بالكهرباء انطلاقا من محطة رياح بطاقة 500 ميجاوات، تُنفذها شركة "Acwa Power" السعودية، باستثمار يناهز 800 مليون دولار.

ويُعد هذا الربط بين الصناعة والطاقة النظيفة جزءا من المعادلة التي تُكسب المغرب ثقة المستثمرين الصناعيين العالميين، لاسيما في ظل تصاعد الطلب على الإنتاج الصناعي المحايد كربونيا في الأسواق الأوروبية.

تمويل مغربي وشراكات استراتيجية

ويستفيد المشروع من تمويل وطني مهم، من خلال مساهمة صندوق الإيداع والتدبير (CDG)، عبر ذراعه الاستثماري "Nema Capital"، بقيمة 280 مليون دولار. كما تم تفعيل مقتضيات الميثاق الجديد للاستثمار، الذي يمنح حوافز ضريبية، وتسهيلات في الولوج إلى العقار الصناعي، ودعما مباشرا لمشاريع التصنيع الأخضر.

تكوين وتأهيل الرأسمال البشري

ويمثّل المشروع فرصة حقيقية لإعادة هيكلة المنظومة التكوينية الوطنية بما يتماشى مع حاجيات الصناعات المستقبلية؛ إذ تعمل مؤسسات التعليم العالي؛ مثل جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية ومدارس المهندسين (ENSA, INPT)، إلى جانب مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل (OFPPT)، على تطوير برامج أكاديمية ومهنية متخصصة في الكيمياء الصناعية، وهندسة البطاريات، والتقنيات الكهروكيميائية. كما يُرتقب توقيع شراكات مباشرة "مع Gotion Power Morocco" لضمان ملاءمة التكوين مع واقع المصنع.

أثر اقتصادي مباشر ومتعدد المستويات

وفي مرحلته الأولى، يُرتقب أن يوفر المشروع أكثر من 2,300 منصب شغل مباشر، بالإضافة إلى مئات الوظائف غير المباشرة في قطاعات النقل، والخدمات اللوجستية، والمقاولات الصغرى المرتبطة بسلاسل التوريد.

كما يُتوقع أن يسهم المصنع في تعزيز صادرات المغرب من مكونات السيارات، وتحقيق مداخيل مهمة من العملة الصعبة؛ ما سيدعم ميزان الأداءات الوطني.

التحدي البيئي في صلب المشروع

وبقدر ما يحمل المشروع من فرص، فإنه يفرض تحديات بيئية دقيقة. فإنتاج البطاريات يستلزم موارد مائية كبيرة، ويتطلب إدارة دقيقة للنفايات الصناعية.

وخضع المشروع لدراسة أثر بيئي مفصلة تُشرف عليها وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، مع التزامات صارمة من طرف الشركة بشأن إعادة تدوير البطاريات، ومعالجة النفايات، والامتثال لمعايير الانبعاثات. كما يُتوقع إنشاء وحدة لمعالجة المياه الصناعية داخل المركب لضمان استدامة التشغيل.

المغرب والرهانات الأوروبية

وفي سياق الجهود الأوروبية للتحرر من الهيمنة الصينية على سلاسل توريد البطاريات والمعادن الاستراتيجية، يُشكّل المغرب شريكا استراتيجيا بديلا، بفضل موقعه الجغرافي، واستقراره السياسي، وتقدمه في الطاقات المتجددة.

ومن خلال مشاريع مثل "Gotion Power Morocco"، يعزز المغرب موقعه داخل السياسة الأوروبية الجديدة للطاقة، ويقترب من تكامل صناعي فعلي مع أسواق الاتحاد الأوروبي ضمن "الصفقة الخضراء" وأجندة الأمن الصناعي.

جسر نحو المستقبل

ومع كل هذه المؤشرات، يتّضح أن المشروع لا يقف عند حدود التصنيع، بل يشير إلى رؤية أوسع للمغرب في التعامل مع التحول العالمي في الطاقة والصناعة.

فمشروع "Gotion Power Morocco" ليس مجرد منشأة إنتاجية، بل حجر زاوية في نموذج اقتصادي جديد يتقاطع فيه التكوين والتعليم، والصناعة والطاقة، والبيئة والسيادة الوطنية. وبفضل رؤية استراتيجية شاملة، تُثبت المملكة أن طموحها الأخضر لم يعد خيارا، بل مسارا يتجذر بالفعل لا بالشعارات.