نادية بنحيدة: هناك ميل متزايد لدى السلطات القضائية نحو العقوبات السالبة للحرية

محمد فرنان

شدّدت عضوة المكتب التنفيذي للمرصد المغربي للسجون، نادية بنحيدة، على أن "العقوبات البديلة ليست مجرد إجراءات تقنية تخفف عبء الاكتظاظ السجني، بل هي خيار مجتمعي وفلسفة عدالة تتطلب إرادة سياسية، وتعبئة مجتمعية، وتنسيقا مؤسساتيا محكما، بل إنها تجسيد لفلسفة إصلاحية حديثة تسعى إلى بناء مجتمع آمن وإنساني، يعاقب بالجودة لا بالكم، ويؤمن بقدرة الإنسان على التغيير نحو الإصلاح بدل الانتقام، وإعادة الإدماج بدل الإقصاء".

ودعت، في كلمتها في بداية الورشة التفاعلية حول القانون رقم 22.43 المتعلق بالعقوبات البديلة: التنفيذ والرهانات، اليوم السبت، بالرباط، والتي نظمها المرصد المغربي للسجون بشراكة مع منظمة "محامون بلا حدود"، إلى التفكير في "الطبيعة القانونية للعقوبات البديلة ومكانتها داخل منظومة العدالة، وشروط وإكراهات تنزيلها، ومدى جاهزية المؤسسات المكلفة بتطبيقها، وأدوار مختلف الفاعلين: القضاة، المندوبية، المجتمع المدني، والهيئات الحقوقية، وسبل التقييم والتقويم المستمرين، لضمان النجاعة والاستمرارية".

وأشارت إلى أن "الاكتظاظ داخل السجون، الناتج عن الأحكام القاسية والمبالغة في الاعتقال الاحتياطي، يطرح تحديا بنيويا يستدعي مقاربة جديدة تتجاوز التحليلات السطحية نحو فهم عميق وشامل للظاهرة، في أبعادها القانونية والثقافية والمجتمعية، كما يثار تساؤل مشروع حول مدى فعالية العقوبة السجنية في تحقيق أهدافها الوقائية والتقويمية، ومدى قدرتها على الحد من تكرار الجريمة والمساعدة على إعادة الإدماج المجتمعي للسجناء".

وأبرزت أن "بعض الدراسات اقترحت بدائل للعقوبات السجنية، تهدف إلى أنسنة الفضاء السجني وجعله مكانا للإصلاح والإدماج، انسجاما مع المعايير الدولية، كقواعد الأمم المتحدة النموذجية لمعاملة السجناء، وفي هذا السياق، يطرح المرصد المغربي للسجون مجموعة من الأسئلة الجوهرية حول العقوبات البديلة: ما طبيعتها القانونية؟ كيف سيتم تطبيقها؟ ما تكاليفها ومجالات نجاحها؟ وما التحديات التي تعترض تفعيلها؟".

ولفتت الانتباه إلى أن "هذا النقاش يكتسي أهمية خاصة مع إطلاق مشروع قانون العقوبات البديلة (رقم 43.22)، الذي نشر بالجريدة الرسمية في غشت 2024، في ظل ظروف دقيقة يعيشها القطاع السجني، حيث بلغ عدد السجناء حوالي 105,094، مما يجعل من تفعيل العقوبات البديلة خطوة حاسمة لتقليص الآثار السلبية للعقوبات التقليدية، شريطة أن تواكبها آليات فعالة للتنفيذ والتقييم".

وذكرت أن "السياق يتسم بقلق مجتمعي متزايد من تصاعد الجريمة، وبخطاب مجتمعي يطالب أحيانا بعقوبات أشد، بما فيها عقوبة الإعدام، إلى جانب ميل متزايد لدى السلطات القضائية إلى تفعيل تدابير سالبة للحرية، كالحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي، في غياب رؤية واضحة حول مآلات العقوبة السجنية داخل منظومة العدالة الجنائية الجديدة".

وأكدت أن "المرصد يجد نفسه مؤهلا للقيام ببرامج تكوينية لفائدة أعضائه وإدارته لفهم مستجدات القانون الجديد، كما سيعمل على إعداد مخطط استراتيجي يحدد أدواره في تفعيل وتنزيل مضامين هذا القانون، بما يشمل صياغة مقترحات تعاون مع المندوبية العامة لإدارة السجون، بصفتها الجهة المكلفة بتطبيق ومراقبة تنفيذ العقوبات".

وعبرت عن "تطلع المرصد إلى لعب دور فعال في تأطير وتتبع المستفيدين من العقوبات البديلة، لتفادي سقوطهم في مخالفات قد تعيدهم إلى دائرة السجن، ولتحقيق ذلك، يعتزم المرصد خلق شبكات شراكة مع جمعيات المجتمع المدني لتنسيق الجهود، ووضع برامج مشتركة لدعم إعادة الإدماج، وتعزيز فرص النجاح خارج أسوار السجن".

ونبهت إلى أن "المرصد المغربي للسجون يضع العقوبات البديلة ضمن أولوياته، وقد راكم تجارب ودراسات وتكوينات في هذا المجال، ويأتي هذا اللقاء تتويجا لهذا المسار، ومناسبة لإطلاق مرحلة جديدة من العمل المشترك، المبني على الإيمان بقدرة الإصلاح، وإرادة التغيير، وأهمية الكرامة الإنسانية في كل سياسات العقاب، لقد كانت سنة 2007 محطة بارزة في هذا المسار، حيث نظمنا ندوة دولية رائدة خصصت بالكامل لموضوع العقوبات البديلة، والتي شكلت آنذاك سابقة وطنية وإشارة قوية إلى ضرورة فتح نقاش عمومي حول واقع العقوبة وفلسفتها".