أعرب المرصد المغربي لحقوق الإنسان عن استنكاره الشديد لكل أشكال التمييز في التعامل مع الأحزاب السياسية، ورفضه المطلق لتحويل الفضاء العمومي إلى ملكية حزبية ظرفية.
ودعا المرصد المغربي، من خلال البيان الذي اطلع "تيلكيل عربي" على نسخة منه اليوم الأحد، السلطات المعنية إلى تقديم توضيحات عاجلة للرأي العام حول دواعي المنع والسماح في الحالتين المذكورتين، انسجاما مع مبدأ الشفافية الدستورية.
وطالب المصدر ذاته اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بتحمل مسؤوليتها في رصد هذه الممارسات الخطيرة والتنبيه إلى تداعياتها على الحريات العامة، ودعا إلى فتح نقاش وطني جدي حول حياد الإدارة في العملية السياسية وضمان تكافؤ الفرص بين الفرقاء، كما ينص على ذلك الفصل 7 من الدستور المغربي.
وأوضح المرصد المغربي أنه تم منع لقاء سياسي مشروع لحزب العدالة والتنمية بمنطقة أولوز بإقليم تارودانت من طرف السلطات المحلية بتاريخ 23 ماي 2025، في مقابل السماح بتنظيم نشاط حزبي مغلق داخل فضاء عمومي، هو حديقة عبد الرحمن اليوسفي بمدينة أكادير، لفائدة شبيبة التجمع الوطني للأحرار، دون أي مبرر قانوني معلن، بل مع غلق الفضاء العمومي في وجه العموم وتخصيصه حصريا لهذا النشاط.
وأضاف المرصد أن هذه المفارقة ليست مجرد حادث عرضي، أو خطأ إداري معزول، بل هي تعبير فاضح عن خلل بنيوي يطال مبدأ الحياد الإيجابي للسلطة في علاقتها بالتعددية الحزبية، وهو مبدأ مؤسس لا فقط في فصول الدستور المغربي، بل في كل المرجعيات الحقوقية الكونية التي التزم بها المغرب، بدءًا من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، مرورًا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وانتهاء بمقتضيات القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، والذي ينص صراحة على ضمان المساواة بين الهيئات الحزبية في ممارسة أنشطتها في الفضاء العمومي، دون تمييز أو تفضيل.
وأدان بشدة هذا التفاوت الصارخ في المعاملة السياسية، معتبرا أن ما جرى لا يمكن تفسيره إلا ضمن منطق احتكار رمزي للفضاء العمومي، وإعادة إنتاج منظومة الريع السياسي في قالب جديد، حيث يتم احتضان حزب بعينه من طرف السلطة أو جزء منها، ومنحه امتيازات ضمنية، بينما يُضيق الخناق على أحزاب أخرى عبر أدوات إدارية وأمنية تستعمل كسلاح سياسي غير معلن.
وذكر أن هذا المشهد يُعيد إلى الأذهان أطروحة ميشال فوكو عن تقنيات السلطة التي قال إنها لا تمارس من أعلى فقط بل تتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية، ومن ضمنها إدارة الفضاء العمومي، الذي يتحول من مجال مشترك إلى ساحة إقصاء. مضيفا أن غلق حديقة عبد الرحمن اليوسفي، وهو رمز للنضال من أجل الديمقراطية، في وجه العموم ومنحها لحزب يمارس سلطته التنفيذية في الحكومة، هو فعل سياسي يتجاوز التنظيم الإداري ليكشف عن نمط من الهيمنة الناعمة التي تمارس عبر تطبيع التفاوت السياسي، وإعادة تشكيل المجال العام وفق مقاييس المصلحة الحزبية الضيقة.