تنطلق اليوم المفاوضات بين المغرب و الاتحاد الأوروبي بخصوص تجديد اتفاقية الصيد البحري التي ستنتهي يوم 14 يوليوز القادم. هذه المفاوضات تجري في سياق مختلف تماما عن السنوات السابقة. و لعل أبرز ما يميزها هو أنها تنعقد بعد سلسلة من الأحكام القضائية أصدرتها محكمة العدل الأوروبية؛ والتي أكدت على أن مياه الأقاليم الجنوبية للمملكة لا يمكن أن تكون مشمولة بالاتفاقية، لأن المغرب لا يملك السيادة على تلك الأقاليم وفقا للوضعية التي توجد عليها بالأمم المتحدة.
الجانب الأوروبي واضح فيما يتعلق بإطار المفاوضات، وهو ضرورة ملائمة الاتفاقية مع أحكام القضاء الأوروبي، وذلك عكس ما يتم الترويج له هنا من طرف البعض، ممن يسعون إلى تصوير هذه المفاوضات على أنها تمثل انتصارا لبلادنا، وأن كل ما يهم المفاوض المغربي هو عدم الخوض في الجوانب السياسية واستمرار منع صيد الأخطبوط.
فيما يتعلق بالجوانب السياسية، فهذا الأمر محسوم؛ على اعتبار أن الملف يوجد على طاولة مجلس الأمن الدولي. و الواقع أن القضاء الأوروبي نفسه في تعليله للأحكام التي أصدرها في الموضوع، لم يقم سوى باستحضار وضعية و توصيف النزاع وفقا للأمم المتحدة. و بالتالي، ما يهم لوبي الصيد الأوروبي، وبصفة خاصة الإسباني المستفيد الأكبر من الاتفاقية، هو استمرار مراكبها في مياه أقاليمنا الجنوبية.
الإشكال بالتالي مطروح على بلادنا و ليس على الأوروبيين، فحديث هؤلاء عن ملائمة الاتفاقية مع أحكام القضاء الأوروبي تجعلنا أمام مخاطر احتمال إجبار المغرب على الإقرار على نفسه بما يتناقض مع الثوابت الوطنية، وفي اتفاقية دولية ثنائية، على أنه سلطة "إدارة" للإقليم، ما سيجعله تحت طائلة المادة 73 من الفصل الحادي عشر، والمتعلق بالأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي من ميثاق الأمم المتحدة.
وتنص المادة 73 في فقرتها الخامسة على إلزام الدول التي تقوم بإدارة إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي، حيث " يرسلون إلى الأمين العام بانتظام يحيطونه علماً بالبيانات الإحصائية وغيرها من البيانات الفنية المتعلقة بأمور الاقتصاد والاجتماع والتعليم في الأقاليم التي يكونون مسؤولين عنها، عدا الأقاليم التي تنطبق عليها أحكام الفصلين الثاني عشر والثالث عشر من هذا الميثاق. كل ذلك مع مراعاة القيود التي قد تستدعيها الاعتبارات المتعلقة بالأمن والاعتبارات الدستورية".
وهو ما سيجعل المغرب يعترف بعدم سيادته على الأقاليم الجنوبية، مما سيتيح لجبهة البوليساريو الانفصالية، الاستمرار في لعبتي القضاء الدولي و توظيف موضوع الثروات؛ بالإضافة إلى "لعبة" المناطق العازلة.
للأسف، هذه المفاوضات تجري و كأنها أمور تقنية صرفة لا تنتج أي أثر على النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، و الغريب أن المسؤولين المباشرين على الملف عاجزين عن التواصل بشفافية ووضوح مع الرأي العام وذلك منذ صدور الحكم الإبتدائي لمحكمة العدل الأوروبية سنة 2016.
هذا الكم الهائل من الغموض و "تحريف الوقائع" لا يساعد كثيرين، سواء من المواطنين العاديين أو النخب، على الوعي الحقيقي بالأخطار التي تواجه القضية الوطنية الأولى، وهو ما يجعل دفاعهم عنها في مختلف الواجهات يفتقد للقوة و القدرة على الإقناع.