أصدر مجلس الأمن الدولي مساء الجمعة 27 أبريل الجاري قراره رقم S / RES /2414 (2018)، والذي جاء هذه السنة في ظل أجواء خاصة تميزت بقرع طبول الحرب بشكل غير مسبوق، خاصة من قبل المغرب، وذلك بعد إصرار جبهة البوليساريو على ممارسة أقصى درجات الاستفزاز ومحاولة وضع المملكة بين خيارين لا ثالث لهما. الأول هو فك الارتباط بالمسلسل الأممي الذي عمر طويلا دون الوصول إلى حل واختيار لغة السلاح، وبين اختيار التسليم بالأمر الواقع وترك الجبهة تنفذ مخططاتها التي تسعى إلى توظيف تكتيكات مختلفة لإنهاك المغرب ومحاولة إعادة ملف النزاع إلى واجهة الاهتمام العالمي.
الأجواء التي سبقت إخراج الصيغة النهائية للقرار الذي أعدته الولايات المتحدة الأمريكية، تميزت بالموقف الروسي الذي أعاد إلى الأذهان ممارسات الحرب الباردة، إذ يبدو أن نزاع الصحراء المغربية بات في مفكرة الكرملين الذي يطور رؤية استراتيجية للمنطقة في مواجهة مع الغرب.
قرار مجلس الأمن تضمن تقليص ولاية المينورسو لستة أشهر فقط، بحيث ستنتهي ولاية البعثة يوم 31 أكتوبر 2018 المقبل، وهو ما يعني أننا سنكون مع جولة جديدة من التوتر في الأشهر المقبلة، صحيح أنها ليست المرة الأولى التي يطرح فيها موضوع تقليص مدة ولاية بعثة المينورسو، لكن كلما تم تخفيض المدة الزمنية لولاية البعثة الدولية، كلما كان ذلك ضد رغبة المغرب، الذي طالب دائما بمدة طويلة تمنح ما يكفي من الوقت لإنضاج الحلول، كما أن تقرير مدة قصيرة لولاية البعثة يخدم مصالح جبهة البوليساريو، لأن ذلك يوفر لها الدعاية الكافية مادام النزاع سيظل مفتوحا باستمرار.
القرار أيضا يعترف بغموض اتفاقية وقف إطلاق النار والاتفاق العسكري، وذلك يتضح من دعوة الأمين العام أنطونيو غوتيريس إلى حل هذه المشكلة مع الأطراف، كما أن القرار يميز بين الكركرات وبير لحلو، فإذا كان قد طلب بوضوح من جبهة البوليساريو الانسحاب من الكراكات و الذي وصف وجودها فيها "بالمؤقت" وخصص لها الفقرة الرابعة كاملة، علما أن مطلب الانسحاب طرح منذ نهاية 2016، فإنه أفرد فقرة أخرى (الخامسة) عبر فيها مجلس الأمن عن قلقه من مخططات البوليساريو بنقل البنيات الإدارية إلى بير لحلو، دون دعوتها بالانسحاب الفوري واقتصار القرار فقط على دعوة الجبهة للامتناع عن ذلك، لأن من شأن تلك المخططات زعزعة الاستقرار، وإذا كان ذلك انتصارا لوجهة نظر المغرب على المستوى السياسي العام، وهو ما كان موضوع اعتراض ورفض من قبل خداد القيادي في البوليساريو المسؤول عن الاتصال بالمينورسو، فإنه أظهر أن مجلس الأمن لا يعتبر بير لحلو ضمن المنطقة العازلة، وذلك بما يتوافق مع تصريحات دوجاريك الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة الذي صرح بذلك بوضوح.
ما عبر عنه مجلس الأمن بخصوص ما يجري في بير لحلو، كانت الأمم المتحدة قد عبرت عنه بشكل واضح منذ سنوات، ليس أقلها تقرير الأمين العام سنة 2005 إذ ركز التقرير ذاته على المظاهر العسكرية واعتبر أي تحرك للبوليساريو شرق الجدار هو عمل استفزازي، كما لم تتجاوب الأمم المتحدة مع اقتراح البوليساريو القاضي بعودة ساكنة المخيمات إلى شرق الجدار، عند تطبيق خطة التسوية، وهو ما جاء في تقرير الأمين العام الصادر في 22 يونيو 2000، وهو ما يؤكد أن مجلس الأمن، لا تملك قراراته أي بعد إجرائي و البوليساريو تراهن على ذلك..
كما أن التقرير ذاته، خالف رغبة المغرب في اعتبار الجزائر طرفا أساسيا في النزاع، بل دعا فقط دول الجوار دون تسميتها إلى المساهمة في إنجاح مسلسل تسوية النزاع (الفقرة الثامنة).
أما بخصوص حقوق الإنسان، فهذا الأمر توقف منذ أكثر من سنة، لأن الولايات المتحدة الأمريكية تراجعت عن التشبث بوضعها في مسودة القرار رغم مطالبة النرويج بذلك، أما قضية الثروات الطبيعية فهذا موضوع جديد نسبيا، وهو يتقدم وفق وجهة نظر البوليساريو على مستوى القضاء الأوربي والأحكام الصادرة عن محكمة العدل الأوروبية، التي سيكون لها ما بعدها، كما أن حكم محكمة جنوب إفريقيا بخصوص شحنة الفوسفاط المحجوزة، فرض على الناقلات التي تحمل الفوسفاط المغربي تفادي رأس الرجاء الصالح، مما يزيد من التكلفة، لهذا يمكن القول إن البوليساريو تراهن على تحقيق تراكم في الموضوع قبل الرهان على موقف صريح من الأمم المتحدة.
البعض يعتبر عدم إشارة قرار مجلس الأمن لحكم محكمة العدل الأوروبية، انتصارا للمغرب، بخصوص هذا الأمر، فذلك ببساطة لأن تعليل المحكمة الأوربية يعتمد جملة وتفصيلا الوضع القانوني للصحراء في الأمم المتحدة، وفقا لقرارات مجلس الأمن وقرارات الجمعية العامة واللجنة الرابعة، لذلك فالأمر ليس بالجديد. لكن الأخطر في حكم المحكمة الأوربية هو التعقيدات التي تعرفها مراجعة اتفاقية الصيد البحري، لأن الطرف الأوربي مطالب بملاءمتها مع حكم محكمة العدل الأوروبية.